الاثنين، 15 مارس 2010

فرص اندلاع الانتفاضة الثالثة بين الأماني والواقع -1-

يتساءل الكثير من الناس عن القضية الفلسطينية ومآلها في ظل الوضع الحالي، والمتمثل بقطاع غزة المحاصر، والضفة الغربية المستباحة والتي يزدهر فيها الاستيطان، بالإضافة للشتات الفلسطيني المبعد قصراً عن قضيته.

ويكثر الكلام عن اندلاع انتفاضة ثالثة كحل ومخرج من الوضع الحالي، وقد كرر قادة فلسطينيون مثل خالد مشعل الدعوة لانتفاضة جديدة أكثر من مرة خلال السنوات الماضية دون أن نرى شيئاً يمكن أن يرتقي لمستوى انتفاضة حقيقية. فإلى أي مدى يمكن الحديث بواقعية عن انتفاضة ثالثة وكيف يكون شكلها، والأهم من ذلك ما المطلوب منا كأفراد وفصائل مقاومة حتى نتحرك قدماً (بانتفاضة أو بدونها) ونحقق التقدم على الأرض في مواجهة الكيان الصهيوني.

نشير في البداية إلى أن تعريف الانتفاضة مطاط، ويختلف مفهومها من تعريف إلى آخر، ما بين من يقتصر بتعريفها على أن أنها تحركاً شعبياً عفوياً ضد الظلم، وبين من يتوسع في التعريف لتشمل كل عمل مقاوم واسع النطاق ضد الاحتلال بوسائل عسكرية وغير عسكرية. لا نريد الدخول في دوامة التعريفات هذه، ولنأخذ مفهوم الانتفاضة بالمعنى الواسع لها.

إذا تتبعنا مسيرة مقاومة الشعب الفلسطيني منذ اندلاع الانتفاضة الأولى وحتى يومنا هذا، نجد تغيراً في وسائل المقاومة، والتي كانت تتكيف وتتغير بحسب الظرف ومتطلباته، ففي الانتفاضة الأولى كان جيش الاحتلال متواجد داخل المدن والبلدات فكان للمسيرات والمواجهات المكثفة والإضرابات مغزى ودلالات ساهمت بإشعال الانتفاضة، لكن مع الخروج التدريجي للاحتلال من مراكز المدن، فُرِضت قواعد جديدة في لعبة المواجهة مع الاحتلال.

فانتقلت المواجهة في انتفاضة الأقصى لمهاجمة الأهداف الصهيونية في المستوطنات أو حتى داخل الكيان نفسه، من خلال العمليات الاستشهادية والكمائن وإطلاق الصواريخ، مما اضطر الاحتلال للانسحاب من قطاع غزة عام 2005م حتى يقلل من حجم الاستنزاف. وفي السنوات الأولى للانتفاضة بلغت العمليات الاستشهادية ذروتها لتبدأ بالتراجع بعد عملية "الجدار الواقي."

وتعددت أسباب تراجع العمليات الاستشهادية، ابتداء من بناء جدار الفصل العنصري، وتقليص دخول الفلسطينيين إلى داخل الكيان من الضفة الغربية ومنعهم تماماً من قطاع غزة، ومنع دخول المواد التي يمكن أن تستخدم في تصنيع المتفجرات إلى الضفة الغربية وفرض رقابة على المصانع التي تتعامل مع مواد كيماوية (مثل مصانع الأدوية ومواد التنظيف) إلى حد أن الأجهزة الأمنية في الضفة تطلب من أصحاب هذه المصانع قائمة مفصلة بالعمال الذين يتعاملون مع هذه المواد.

ونجد اليوم الظرف الميداني في الضفة والقطاع يختلف عن الظرف قبل 9 أعوام، سواء من حيث إمكانيات المقاومة – والتي تزايدت في غزة فيما استنزفت بالضفة إلى حد كبير، أو من حيث انتشار وعمل قوات الاحتلال – حيث خرج جيش الاحتلال من داخل غزة وفرض طوقاً من الخارج (بالتعاون مع النظام المصري)، بينما أحكم قبضته على الضفة الغربية (بالتعاون والتنسيق مع سلطة دايتون)، مما يفرض علينا تغيير وسائل وتكيتكات المقاومة.

فشكل الانتفاضة الثالثة المنتظرة ليس من الضروري أن يكون استنساخاً للتجربتين السابقتين، وهذا يجب أن يكون في ذهن من يخطط للانتفاضة القادمة أو يعمل على المساهمة بإشعالها، فلكل زمان ومرحلة ظروفها الخاصة، المهم أن تكون هنالك عوامل مساعدة على اندلاع انتفاضة جديدة. وإذا درسنا الظروف التي سبقت الانتفاضتين السابقتين نجد أموراً مشتركة مع الوضع الحالي: انسداد في الأفق السياسي، وغياب أي حلول جدية للقضية الفلسطينية، وتجاوزات صهيونية على الأرض.

ونشير هنا إلى أن الذين يقومون على الانتفاضات والتحركات الشعبية هم عادة من فئة الشباب (طلبة المدارس الثانوية وطلبة الجامعات وحتى الشباب في مقتبل العمر من العمال والعاطلين عن العمل)، وهذه الفئة العمرية معروف عنها أنها أكثر ميلاً للمبادئ والمثل وأكثر قدرة واستعداداً للتضحية بسبيل مبادئها وتوجهاتها، والمجتمع الفلسطيني لا يفتقر لهذه الفئة العمرية، وخير دليل على ذلك ما نراه من تحرك على الأرض في الضفة الغربية (بما فيه القدس المحتلة)، يقوده الشباب صغير السن، سواء كنا نتكلم عن مواجهات في شوارع القدس المحتلة وساحات المسجد الأقصى، أو إذا تكلمنا عن رشق سيارات المستوطنين على الطرق الالتفافية بالحجارة والزجاجات الحارقة، وهي أعمال يقوم بها عادة مجموعات من طلاب المدارس الثانوية، أو عمليات الطعن التي تكون دوافعها عادة مبادرات ذاتية.

وفي ظل وجود انسداد في الأفق السياسي، وفي ظل وجود من يبادر ويتحرك في الميدان أملاً في تغيير الواقع، نتساءل: كيف نطور هذه المبادرات الفردية والمجموعات الصغيرة لتصبح عمل مقاوم منظم؟ وكيف نضمن ديمومتها وتصاعد حدتها؟ وما هو الدور الذي يمكن لفصائل المقاومة أن تلعبه؟ ومتى تتدخل فصائل المقاومة وكيف؟ وما هي الآليات التي يمكن أن تضمن استمرارية الانتفاضة الثالثة؟

سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات في الجزء الثاني بإذنه تعالى.

ليست هناك تعليقات: