السبت، 20 مارس 2010

فرص اندلاع الانتفاضة الثالثة بين الأماني والواقع -2-


ما نراه اليوم من مواجهات في القدس المحتلة، ورشق سيارات المستوطنين بالحجارة والزجاجات الحارقة على الطرق الالتفافية، والمواجهات عند جدار الفصل العنصري، هي بدايات مبشرة لكن تحتاج لتطوير، فبالرغم من أن هنالك تزايدا مستمرا منذ الخريف في وتيرة المقاومة الشعبية، إلا أنها ما زالت دون المستوى المطلوب، كما ان السلطة أعلنت مرارا عن رفضها المطلق لقيام أي انتفاضة ثالثة، وستشكل عائقاً بلا شك أمام توسع أعمال المقاومة أو الانتقال إلى مستوى المقاومة المسلحة المنظمة.

وهذه الوقائع تفرض تكيف التكتيكات لتحقيق انجازات على الارض، وهنا يأتي دور القوى السياسية وجماعات المقاومة لكي تتدخل وتساهم بتهيئة الأجواء المناسبة لتطوير الوضع إلى انتفاضة جديدة ومن ثم الحفاظ عليها ، مع مراعاة عدة أمور أبرزها:

1- الانقسام في الضفة الغربية يشل قدرة حماس على الحركة نظراً لوجود أبنائها تحت الرقابة والاستنزاف الدائمين، وفي ظل استحالة التوصل إلى مصالحة فلسطينية تضمن وقف مضايقة المقاومة في الضفة ومحاربتها، فأفضل شيء يمكن أن نأمله هو تهدئة المواجهة بين فتح وحماس بحيث تخف حدة المضايقات مما يتيح للجميع مجالاً أوسع (ولو بقليل) للتفكير بطرق زيادة وتيرة المواجهة مع الاحتلال.

2- الحراك يجب أن يحشد له ولا أن يقتصر على الأطر التنظيمية الضيقة، وهو فوق طاقة تنظيم أو فصيل لوحده حتى لو كان بحجم حركة حماس، وذلك عبر تشجيع ما تسمى بالمقاومة الشعبية، وتشجيع الشباب صغير السن من غير الحزبيين على المبادرة وتنظيم عمل مقاوم للاحتلال، وهنا أشير إلى أهمية المبادرة في العمل المقاوم، فوجود شباب متحمس مبادر هو أساس معظم العمل المقاوم بكافة أشكاله ابتداء من إلقاء الحجارة وانتهاء بالعمليات الاستشهادية.

3- يجب أن يكون هنالك حملة إعلامية موجهة تحرض ضد الكيان الصهيوني، وتركز على ضرورة المقاومة والانتفاض في وجهه، وأن تبتعد حماس عن المناكفات الجانبية مع فتح، لأن الدخول في المناكفات الجانبية ستدفع الناس المحايدين للابتعاد عن فكرة الانتفاضة، التي يجب أن تبقى فئة فوق مستوى الصراع الفلسطيني الفلسطيني.

4- يجب العمل على مراكمة التحركات الشعبية المتفرقة هنا وهناك، لتصبح ممارسات يومية، وهذا يتحقق تدريجياً على الأرض لكن المطلوب الحفاظ على الزخم ورفع وتيرته وسرعته، وهذا يحتاج لدعم معنوي ودعم مادي ودعم بواسطة تقديم الخبرات.

5- على المقاومة أن تكون جاهزة لاغتنام الفرصة المناسبة للعودة للعمل المسلح ، لأنه عند لحظة معينة ستفقد السلطة السيطرة الأمنية على الأرض ويصبح الفعل الشعبي أقوى منها، وهذا بدأ يتجلى مؤخراً ولو بصور محدودة (مثل: إغلاق باراك للضفة، أو ما قيل أنها أوامر من الكيان للسلطة بضرورة قمع التحركات الشعبية).

وعندها يجب أن ينصب العمل المسلح على مهاجمة المستوطنين ودوريات الاحتلال داخل الضفة فهذا أكثر جدوى من ناحية عملياتية وأسهل ميدانياً، ومن الناحية الأخرى يضرب الصهاينة في الخاصرة الرخوة (المستوطنات)، فاليوم كل العالم ينتقد هذه المستوطنات وينتقد وجودها، فيجب أن تكون عبئاً كبيراً عليهم حتى يصلوا لمرحلة ضرورة إخلائها أو إخلاء بعضها. فمن ناحية استراتيجية عسكرية دائماً يفضل ضرب الأهداف الأضعف والأسهل لدى العدو: مثل دوريات الاحتلال، والمستوطنات، والطرق الالتفافية، وجدار الفصل العنصري.

6- بالنسبة للوضع في قطاع غزة فهو مختلف، فالاحتلال خرج من القطاع، ولم يعد استنزافه له معنى إلا في واحدة من حالتين: إما التقدم نحو تحرير قسم من الأراضي المحتلة عام 1948م وهذا غير ممكن حالياً نظراً لاختلال موازين القوى، صحيح أن المقاومة صمدت في حرب الفرقان لكن الدفاع ليس كالهجوم، وحسب النظريات العسكرية الكلاسيكية يجب أن تكون القوة المهاجمة ثلاثة أضعاف حجم القوة المدافعة حتى ينجح الهجوم، هذا في حال تكافأت القوتين من حيث التدريب والتسليح. كما أن المقاومة في غزة تعتمد على شبكة من الأنفاق والتحصينات تقلل من تأثير التفوق الجوي الصهيوني وهذا غير متوفر في حال نقل المعركة إلى خارج قطاع غزة. الحالة الثانية هي التخفيف عن المقاومة في الضفة الغربية، وهي حالة أقرب للطرح العملي.

7- تحرك المقاومة من غزة لتخفيف الضغط عن الضفة الغربية في الوقت الحالي لن يفيد باستثناء الجانب الاعلامي، فالوضع الميداني بالضفة لا يستنزف حالياً قدرات جيش الاحتلال ولا يوجد أي استدعاء لقوات الاحتلال كما تقوم السلطة بجزء من مهمات الاحتلال، وفتح جبهة جديدة في غزة لن يضطر الاحتلال لسحب قواته من الضفة حيث يمكنه حشد فرقة أو اثنتين من قوات الاحتياط بسهولة، وستكون المواجهة تكراراً لما حصل في حرب الفرقان مع تغير طفيف في ميزان القوى لصالح المقاومة أو الاحتلال.

لذا إذا أردنا تخطيطاً سليماً يجب أن تستعد المقاومة في غزة للحظة التالية، عندما تشتعل الأمور في الضفة ويكون جيش الاحتلال في أضعف مواقفه، فعندها تضرب ضربتها (والمبررات دوماً جاهزة)، وخلال هذه الفترة يجب على المقاومة أن تجهز نفسها من ناحية تطوير قدراتها الصاروخية لتصل إلى مدى أبعد، والأسلحة المضادة للطيران والمدرعات حتى تتمكن من تحييدها إلى أكبر قدر ممكن في الميدان. عند تلك اللحظة (ونتكلم عن عام أو عامين على الأقل) يمكن أن يكون لتدخل المقاومة من غزة معنى ونتائج في الميدان.

8- يعتبر غور الأردن البوابة الشرقية التي تحمي الكيان الصهيوني، وهو الحزام الذي يفصل عملياً الضفة الغربية عن الأردن، وعلى عكس حدود رفح فغور الأردن عرضه حوالي عشرين كيلومتر، فهو أطول من أن يستخدم ممراً لتهريب السلاح من الأردن إلى الضفة، والكثافة السكانية الفلسطينية فيه قليلة للغاية، مما يجعل استنزاف قوات الاحتلال المتواجدة فيه أمراً صعباً عملياً. لذا يجب أن نبحث عن بدائل خلاقة حتى يكتب للانتفاضة الثالثة في حال اندلعت الاستمرارية والقدرة على تحقيق انتصارات ذات معنى.

9- أحد الحلول التي يجب البحث فيها هو تنشيط الدور الفلسطيني في الأردن، ولا أتكلم فقط عن الإخوان المسلمين وحماس، بل الشباب العادي غير الحزبي، يجب أن يكون الأردن منطلقاً للعمل المقاوم الذي يستنزف الاحتلال الصهيوني في غور الأردن، ويمكن أن تكون البداية مبادرات فردية، لكن يجب أن تتصاعد ويزداد عنفها ووتيرتها، الصهاينة لن ينسحبوا من غور الأردن بضربة أو ضربتين، لأنهم لو فعلوها فيعني وقوع كل المنطقة شرق جدار الفصل العنصري بيد المقاومة، ويعني عملياً أن قلب الكيان الصهيوني سيكون تحت رحمة المقاومة. المعركة في غور الأردن وفي عموم الضفة لن تكون سهلة والاحتلال لن يستسلم بسهولة فالمعركة تحتاج لنفس طويل جداً، وليس مهماً عمليات استشهادية يقتل بها العشرات بقدر ما هو مهم إطالة أمد المواجهة واستنزاف العدو نفسياً ومادياً وميدانياً.

10- أما على مستوى باقي فلسطيني الشتات وخصوصاً من يعيشون في أوروبا والغرب فيجب الاستمرار بالحملات المنظمة من أجل التأثير على الرأي العام الغربي، ودعم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة وحقه في العودة لأرضه، كجهد مساند لما يتم على الأرض وفي الميدان.

هذه أسس يجب أن نفكر في إطارها حتى نضمن أن الأحداث الحالية لن تكون مجرد هبات عابرة، وحتى نستطيع أن نطورها وصولاً لما يمكن تسميته بانتفاضة ثالثة وحتى نضمن استمراريتها، وألا ينتهي بنا المطاف كما حصل في انتفاضة الأقصى عندما استنزفت حماس كل قوتها في الضفة الغربية عامي 2001 و2002م وزجت بكل قياداتها وكوادرها واستهلكت قوتها دون تخطيط سليم، بحيث عاد الوضع في الضفة الغربية إلى ما كان عليه قبل اندلاع الانتفاضة في السنوات التي تلت.

ليست هناك تعليقات: