الخميس، 25 مارس 2010

لماذا الضفة ساكتة لحد الآن؟

انتظر الكثيرون بعد الهبة الجماهيرية في القدس المحتلة التي اندلعت الأسبوع الماضي أن تمتد إلى الضفة الغربية، لتشعل انتفاضةً ثالثة إلا أن حجم المواجهات كان محدوداً، وأبرزها المواجهات في جنوبي مدينة الخليل ومخيم قلنديا وبيتا وتقوع ونعلين وعراق بورين وبعض القرى والبلدات الفلسطينية في المناطق الواقعة خارج السيطرة المباشرة للسلطة، فضلاً عن ازدياد في أعمال رشق الحجارة والزجاجات الحارقة لم يستمر لأكثر من أسبوع لتعود وتيرتها إلى معدلها الطبيعي تقريباً (أو أعلى قليلاً) بعد أقل من أسبوع على أحداث يوم الثلاثاء 16/3.

وحتى نفهم ما نريده من إشعال المقاومة في الضفة الغربية، أو ما يطلق عليه مسمى الانتفاضة الثالثة، لنتكلم عن أشكال المقاومة المختلفة والدور المتوقع لكل منها:

1- المظاهرات والمسيرات الشعبية: من الواضح أن المظاهرات والمسيرات الشعبية كان دورها محدوداً للغاية في الضفة الغربية، لأسباب عديدة أهمها أن السلطة منعت خروج أي مسيرة في مراكز المدن وهي المناطق المهيئة لخروج مسيرات شعبية كبيرة، ومنها أن المجتمع غير مهيأ للتحرك الجماهيري خاصة وأنه أرهق نتيجة سنوات طويلة من المعاناة خلال انتفاضة الأقصى، وأخيراً لأن حركة فتح غير معنية بأي تصعيد.
لا يمكن توقع خروج مسيرات شعبية عارمة بدون إنهاء مظاهر الانقسام وبدون مشاركة حركة فتح (أو على الأقل تغاضي السلطة عن هذه المسيرات)، لكن يمكن لوسائل المقاومة الأخرى أن تسد هذه الثغرة فيما لو فعلت بالشكل الكافي.

2- المواجهات: وهنا قمت بالتفرقة بين المواجهات والمسيرات بالرغم من أن المسيرات قد تنتهي بمواجهات مع سلطات الاحتلال. فيتم الصدام مع قوات الاحتلال مباشرة خلال المواجهات ورشقها بالحجارة، وميزتها أنها تحتاج لعدد أقل من المسيرات، فيمكن لبضع عشرات من الشبان أن يشعلوا منطقة بالمواجهات مع قوات الاحتلال، كما أن الشريحة المجتمعية التي تقوم بها (وتحديداً طلبة المدارس) لا تهتم كثيراً بالخلافات الداخلية الفلسطينية، وتعطي الأولوية للصدام مع المحتل.
مشكلة المواجهات أن نقاط الاحتكاك بالاحتلال الصهيوني قليلة مقارنة بالانتفاضة الأولى حيث كان المحتل يتواجد داخل كافة المدن والمناطق (وهذه قد نعتبرها إيجابية في الحقيقة)، فسيبقى نطاقها محدوداً بحكم محدودية مناطق الاحتكاك، ومن الناحية الأخرى هنالك هجمة أمنية احتلالية –سلطوية على كل من كان يشارك بالمواجهات في أحداث الأسبوع الماضي، وحملات اعتقالات واسعة النطاق، والسلطة لا تكتفي بالاعتقال بل تعمل على التشويه والاتهام بالعمالة وبرشق الحجارة خدمة للاحتلال (الذي يريد انتفاضة عنيفة كما هي مصطلحات الدايتونيين)، وبما أن أغلب القائمين على المواجهات من الشباب صغير السن فلا يتوقع أن يكون لديهم نفس طويل لهذه المواجهات.


3- المقاومة الشعبية: وأبرز أشكالها رشق الحجارة والزجاجات الحارقة على الطرق الاستيطانية، وعمليات الطعن، وهي تشهد تصاعداً ثابتاً وإن كان بطيئاً خلال الأشهر الأخيرة، وشهدنا زيادة حادة فيها خلال أحداث الأسبوع الماضي. وهي أشكال مقاومة أكثر تنظيماً من المواجهات، وأكثر قدرة على الديمومة، ويمكن أن تطور لما هو أكثر مثل استخدام المتفجرات الشعبية وما يعرف بالأكواع وغيرها.
مشكلة هذه المجموعات أن أغلب أعضائها شباب صغير السن لا يملكون الخبرة الأمنية الكافية، وقد ينكشف أمرهم بسبب ضعف الوعي الأمني والثرثرة مما يعرضهم للاعتقال، وبدون توعية أمنية ورعاية تنظيمية ستبقى هذه المجموعات تتشكل وتضرب قبل أن تتوسع في عملها المقاوم بالشكل اللازم، ولن تتراكم الخبرات.


4- المقاومة المسلحة: تلقت المجموعات المسلحة في الضفة الغربية ضربات قاصمة متلاحقة منذ اجتياح السور الواقي عام 2002م، وبعد وصول سلام فياض لرئاسة الوزراء انضمت السلطة بشكل جدي لجهود مطاردة المجموعات المسلحة ومصادرة السلاح، مما أضعف قدرة المجموعات المسلحة على الرد، ودفع من تبقى على الساحة إلى الانكفاء حتى تمر العاصفة.
لا أحد يستطيع تقييم حجم القوة الموجودة حالياً، وليس من الحكمة أن تخرج مرة واحدة، لكن من الواضح أن قدرتها على الفعل قد تضرر بشكل كبير، وما يدل على ذلك توقف العمليات الاستشهادية الناجحة منذ عام 2008م، وانخفاض عمليات اطلاق النار بشكل كبير منذ عام 2007م، وإن كانت ما زالت مستمرة بوتيرة منخفضة.


في ظل وجود سلطة تحارب المقاومة جنباً إلى جنب مع الاحتلال، وفي ظل إنهاك الناس وخوفهم المبالغ فيه من السلطة وعدم رغبة حركة فتح بالمشاركة، تكون لدينا مشكلة في كيفية تطوير العمل المقاوم ورفع وتيرته بالضفة الغربية.

ومن الواضح أن هنالك إشكالية جماهيرية عند أبناء حركة حماس وعامة الناس بالتعامل مع السلطة، فكما لاحظنا فإن أغلب النشاطات والمواجهات والمسيرات تمت في مناطق خارج سيطرة السلطة، وأن نفس الأشخاص الذين لا يهابون جنود الاحتلال ويواجهونهم بكل جسارة يقفون عاجزين أمام أجهزة السلطة الأمنية. وهنالك سوابق لهذا الموقف فمثلاً انتفاضة النفق عام 1996م استمرت لمدة ثلاثة أيام واستشهد فيها حوالي 85 فلسطينياً ولم يستطع الصهاينة وقفها، لكن في اليوم الرابع قررت السلطة وقفها وأرسلت قواتها وبأقل من يوم أنهت الانتفاضة ووأدتها في مهدها.

تستغل السلطة عدم رغبة الناس بالمواجهات الداخلية وعدم حرف بوصلة المقاومة، وتلقي بنفسها حاجزاً بينهم وبين الاحتلال، بل وتستخدم ما لديها من قوة لإرهاب وتخويف الناس، مما خلق مناخاً غير صحي يجعل من أي عمل علني من مسيرات ومظاهرات أو حتى مواجهات أمراً إشكالياً يحتاج لحل، فلا يكفي أن نقول سننقل المواجهة إلى مناطق "ب" غير الخاضعة لسيطرة السلطة الأمنية، لأن ما نراه على أرض الواقع أن الصهاينة يمنحون السلطة صلاحيات للعمل ضد المقاومة والناس في مناطق "ب"، مثلما حصل مؤخراً في قرية بيت لقيا التي زعمت السلطة أنها ضبطت فيها صاروخاً معداً للاطلاق تجاه الكيان الصهيوني، أو في قرى نابلس التي شنت فيها حملة اعتقالات بحثاً عن من يلقون الحجارة على سيارات المستوطنين.
كما أن هنالك مشكلة أخرى وهي عدم وجود قيادة سياسية وميدانية تملك زمام المبادرة، مما يجعل أغلب المبادرات التي تتم على أرض الواقع مبادرات فردية، وهي لن تتطور ولن تتراكم الخبرات بدون وجود جهات تنظيمية ترعاها وتنميها، بل وهنالك خوف من أن تضمحل مع الوقت في ظل الهجمة الأمنية للسلطة والاحتلال.
في ضوء ما سبق يمكن أن نخرج بالتوصيات التالية:

1. الاتجاه نحو أعمال المقاومة الشعبية (إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة) بوصفها شكل أكثر أمناً من المواجهات والمسيرات، وأكثر فعالية من حيث إيقاع الخسائر بالمحتل.

2. الاهتمام بمجموعات المقاومة الشعبية من خلال توفير الخبرات والتوعية الأمنية وتوفير الاحتياجات المادية المختلفة، ورعايتها وتنمية قدراتها. وأهم شيء هو التوعية الأمنية حتى لا يقعوا فريسة للاعتقال المبكر.

3. يجب إيجاد حل لمشكلة التعاطي الجماهيري مع السلطة وكسر حاجز الخوف منها لدى الناس، وهذا بحاجة لتعاطي إعلامي وتعبوي خاص، كما ويجب إيجاد حلول خلاقة لإشكاليات مثل كيف نخرج بمسيرات في مناطق السلطة، فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه للأبد.

4. يمكن استغلال إعادة فتح العديد من الطرق وإزالة بعض الحواجز لتفعيل عمليات اطلاق النار ضد سيارات المستوطنين والجيش، ونشير هنا إلى ضرورة الحذر الشديد وضرورة استمرار الخلية بالعمل لأطول وقت ممكن، مما يعني وتيرة عمليات منخفضة حتى لا تحرق هذه الخلية وتستمر بالعمل. المهم وجود عمليات ولو بوتيرة منخفضة.

5. بالنسبة لتنظيم المواجهات يمكن للمسؤولين عن العمل الجماهيري في المناطق الساخنة أن يبرمجوا المواجهات، بحيث لا يكون هنالك ارتفاع في المواجهات مرة واحدة ثم تموت الأمور لاحقاً، يجب إراحة الشباب وعدم استنزافهم، فالمهم الاستمرارية ومن الأفضل مباغتة الاحتلال بالتصعيد مع قواته في أوقات لا يتوقعونها ولا يكونوا قد أخذوا استعدادتهم، حتى يستمر استنزافهم أمنياً.

ليست هناك تعليقات: