الجمعة، 17 ديسمبر 2010

بعد مهرجان انطلاقة حماس: متى "انطلاقة" المسجد الأقصى؟

تمكنت حركة حماس من حشد مئات الألوف لمهرجان ذكرى انطلاقتها الثلاثة والعشرين، في استعراض للقوة للتأكيد على قوتها وشعبيتها المتماسكة، وكجزء من الحرب النفسية في مواجهة الكيان الصهيوني وحكومته التي تحاصر غزة أملاً في اسقاط تجربة حكومة المقاومة الإسلامية، وتدجين قطاع غزة كما دجنت من قبل الضفة الغربية بمساعدة حكومة دايتون – مولر.

وقد نجحت حركة حماس في رفع معنويات عشرات الملايين من مؤيديها على امتداد العالم العربي والإسلامي، وطمأنتهم بأنها ما زالت قوية ولم يزدها الحصار إلا قوة وثباتاً، كما نجحت بتوجيه رسالة قوية لكل من راهن ويراهن على انهيارها وتركها للحكومة أو تخلي الشعب عنها أو القدرة على تدجينها وادخالها بيت الطاعة الأمريكي بأن هذه مجرد أوهام لا تزداد إلا بعداً عن التحقق، وأن عامل الزمن الذي يراهنون عليه لا يلعب في صالحهم.

إلا أننا نطرح هنا تساؤلاً لماذا يقتصر حشد حماس الجماهيري الضخم على هذه المناسبة فقط؟ لماذا لا يكون الحشد مخصصاً للمسجد الأقصى ونصرته؟ لقد استطاع مهرجان الانطلاقة لفت أنظار ملايين البشر الذين اهتموا وتابعوا هذا الحدث، بينما يعاني المسجد الأقصى من الإهمال وعدم الاهتمام الاعلامي والجماهيري والشعبي، لماذا لا تستغل حماس قدرتها على الحشد والتنظيم من أجل عمل مهرجان ضخم على مستوى حشدها لمهرجان الانطلاقة لكن هذه المرة من أجل المسجد الأقصى.

والهدف هو حشد الرأي العام وراء قضية المسجد الأقصى، وتحريك الجماهير من أجل الاهتمام بالأقصى الذي يتعرض لحملة تهويد ممنهجة، وصلت إلى بناء الكنس اليهودية على مقربة منه بل وتحت جداره الغربي، وغداً سنجدها وسط المسجد الأقصى دون أن يحرك أحداً ساكناً.

من البديهيات أنه لا يمكن الحشد لهذه المهرجانات كل يوم والآخر، لذا تلجأ حماس لادخار جهدها وإمكانياتها من أجل مهرجان الانطلاقة، فالاعداد لمثل هذا المهرجان يحتاج لأسابيع طويلة من التحضير، والجماهير لا تستطيع حضور مهرجان بهذا الحجم كل بضعة أشهر، لذا الأمر يحتاج أن تستبدل حماس مهرجان انطلاقتها السنوي بمهرجان آخر لنصرة المسجد الأقصى ومخصص لنصرة المسجد الأقصى، على غرار ما تفعله الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر.

فالمسجد الأقصى يستحق أكثر من مهرجان، وحماس لديها من قدرات الحشد والقدرة على جذب وسائل الاعلام والحرية في التصريحات واتخاذ المواقف ما لا تملكه الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر. صحيح أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية ذكر في خطابه المسجد الأقصى والقدس وشدد على هويتهما الإسلامية، بل وأكد على أن الاحتلال لا مستقبل له في فلسطين، "كل فلسطين من بحرها إلى نهرها" كما قال حرفياً قاطعاً الطريق على المشككين بمواقفه ومواقف حركة حماس، لكن هنالك فرق بين مهرجان حزبي - فصائلي ومهرجان مكرس لقضية الأقصى، وأكثر الناس تهتم بالعناوين أكثر من اهتمامها بالمضمون، وبالتالي عندما يكون العنوان انطلاقة حماس فسيذهب فكرها لحماس التنظيم والحركة و"حماس منافسة حركة فتح"، أما عندما يخصص مهرجان عن المسجد الأقصى فسيتوجه كل الانتباه والاهتمام إلى المسجد الأقصى.

لقد وصل الوضع الداخلي الفلسطيني إلى مرحلة تعتبر فيها انطلاقة الفصائل والتنظيمات بأنها المناسبات المفصلية التي تحرك الشارع الفلسطيني، وهذا وضع غير صحي اطلاقاً، خاصة وفي ظل حالة الانقسام الداخلي وتحول اهتمام الجميع عن محاربة الاحتلال إلى محاربة "الخصم الفلسطيني"، فالبوصلة انحرفت منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم يعد الكيان الصهيوني هو العدو الأول في نظر الكثيرين، وخاصة عندما نتكلم عن القواعد الشعبية وبكل أسف.

أدرك أن قيادة حماس تحاول إبقاء البوصلة في اتجاه العدو الصهيوني، ولذا تحاول عقد المصالحة مع حركة فتح بالرغم من تجاوزات فتح وجرائمها، لكن من الواضح أن المصالحة ليست قريبة ولا حتى شبه قريبة، ولن تكون كذلك على المدى المنظور، ومحادثات المصالحة أصبحت مجرد مناوة عند سلطة فتح تلجأ لها كلما تأزم الموقف التفاوضي مع الكيان الصهيوني، ومناورات إعلامية لا أكثر ولا أقل، وبالتالي يجب على قيادة حماس أن تفكر بطرق أخرى للخروج من دوامة الصراع الداخلي الذي يجر الجميع برغبتهم أو بدون رغبتهم.

طبيعي أن مهرجان جماهيري من أجل المسجد الأقصى لن يحرره ولن يطرد الصهاينة من المدينة المقدسة، لكنه ضروري من أجل توجيه أنظار الناس، ومن حشدهم وراء قضية هامة ومصيرية بدلاً من الحشد حول الصراع الداخلي الفلسطيني، ومثل هذا المهرجان يمكن أن يكون مناسبة لتوحد فصائل المقاومة وأتكلم تحديداً عن حركة الجهاد الإسلامي وغيرها من فصائل المقاومة التي يمكن أن تقبل بمثل هذا الحشد؛ للأسف هنالك فصائل ليست جريئة لأن تنتظم في تحالف من أجل الأقصى.

ولا يجدر بحماس أن تستخف بغيرها أو أن تظن أنه يمكن الاستغناء عنهم، صحيح أن عدد مناصريها أكبر بكثير من مناصري الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية – القيادة العامة أو حركة فتح الانتفاضة أو لجان المقاومة الشعبية، لكن عندما تقف هذه الفصائل مجتمعة على منصة واحدة ويعلنون غضبة من أجل الأقصى ويعلنون بدء الحشد والنفير من أجل المسجد الأقصى، فسينضم الالاف من المستقلين (وربما بعض مؤيدي حركة فتح) إلى مثل هذا الحلف، فمتى نفكر بما هو جديد؟ ومتى نفكر بتغيير طريقة تعاملنا مع الانقسام الفلسطيني؟ حماس ليست كغيرها من الفصائل وهي عودتنا على المبادرة والابداع، لذا ننتظر منها ما يفاجئنا كما عودتنا.


ليست هناك تعليقات: