الثلاثاء، 11 يناير 2011

ما حك جلدك مثل ظفرك: الخطوة الأولى على طريق كسر التنسيق الأمني

لم يكن مفاجئاً اعتقال الصهاينة لأعضاء حماس الستة بعد الإفراج عنهم من سجن المخابرات العامة، فقد كان أمراً متوقعاً في ظل التنسيق الأمني المستمر بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بل إن البعض يعتقد أن تأخر السلطة بتنفيذ وعدها بالإفراج عن المعتقلين لعدة أيام كان من أجل إعطاء الصهاينة فرصة لترتيب أمر اختطافهم بعد الإفراج عنهم.

لكن كل هذا لا يقلل من أهمية ما أنجزه المعتقلون الستة من خلال اضرابهم عن الطعام، ولا أهمية الحملة التضامنية، فبالرغم من الضعف النسبي للتجاوب الشعبي إلا أن ما حصل أثبت أنه يمكن الضغط على السلطة من خلال وسائل مختلفة، وأن النظام البوليسي الذي تحاول السلطة فرضه بالضفة الغربية ليس بذلك القوة أو البطش الذي يتخيله البعض.

وربما يتساءل البعض: أين هو الانجاز وقد خرج المعتقلون من سجون السلطة ليدخلوا سجون الاحتلال؟ وهذا سؤال وجيه لو كانت القضية هي قضية ستة معتقلين فقط، لكن القضية أكبر من ذلك بكثير فهي تتعلق بمئات المعتقلين السياسيين وبنهج التنسيق الأمني الذي يضيق على المقاومة الفلسطينية ويمنعها من التحرك، فبدلاً من أن يكون المقاوم ملاحقاً من جهة واحدة يصبح ملاحقاً من جهتين اثنتين، أحداهما تلاحقه من الخارج والأخرى تلاحقه في الداخل.

وبالتالي يمكن تلخيص الانجاز الذي حققه المعتقلون بالآتي:

1- اجبار الأجهزة الأمنية رغماً عنها وعن إرادتها على الإفراج عن معتقلين سياسيين: وذلك للمرة الأولى منذ سنوات عديدة (عندما تم اقتحام عدد من سجون الضفة واطلاق سراح المعتقلين السياسيين خلال ذروة انتفاضة الأقصى عامي 2001م و2002م). وبما أنها المرة الأولى التي تحصل في ظل النظام الأمني الذي بناه الجنرال دايتون فهذا يعني أن هذا أمر قابل للتكرار لو وجدت الإرادة اللازمة.

2- كشف زيف مزاعم السلطة حول أسباب اعتقالهم: فالسلطة حاولت دوماً وضع معاناة المعتقلين السياسيين في الضفة ضمن اطار الصراع بين حماس وفتح، وتصويرها على أنها ردة فعل على ما يحصل في غزة، لتأتي تصريحات السلطة بعد كل ما حصل لتقول أن اعتقالهم كان لأجل حمايتهم من الصهاينة، بمعنى أن اعتقالهم من اللحظة الأولى لم يكن له علاقة لا بالانقسام ولا الصراع مع حماس.

3- وضع ملف التنسيق الأمني في المقدمة: ما حصل من تسليم غير مباشر للمعتقلين الستة لم يكن الحادث الأول، لكنه جاء في ظل أضواء اعلامية قوية وفي ظل وساطات عربية، وجاء ليضع ملف التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال الصهيوني على رأس الأجندة الإعلامية والسياسية، بحيث أصبح استمرار السلطة بالتنسيق الأمني عبئاً متراكماً عليها بدلاً من أن يكون رصيداً لصالحها.

4- فتح بوابة الأمل أمام المعتقلين السياسيين وأهل الضفة عموماً: بأن الوضع القائم ليس قدراً لا فكاك منه، وأن معاناتهم ليست مصيرهم الأبدي وأنه يمكن العمل وأنه يمكن التحرك وأنه يمكن الانجاز في ظل أقصى الظروف وأصعبها، فالمعتقلون الستة كانوا في سجن أريحا سيء السمعة ومع ذلك استطاعوا أن يحركوا الضفة والقطاع والاعلام العربي.
ونشير هنا إلى وجود تحركات موازية في الضفة الغربية لكسر حاجز الخوف، منها تحركات لحزب التحرير في المساجد قبل أسبوع والقاء كلمات تهاجم السلطة، ومنها تصدي أهل بلدة سعير لقوات السلطة عندما جاءت لاعتقال أحد أبناء حماس في البلدة. فنحن أمام بدايات يمكن أن تتطور لشيء حقيقي لو كان هنالك تراكم في العمل.

هنالك عوامل مختلفة تضافرت من أجل تحقيق هذا الانجاز الهام أهمها:

1- التوجه إلى المحكمة العليا والمؤسسات الحقوقية: فالسلاح الأقوى الذي حمله المعتقلين الستة كان قرار المحكمة العليا في رام الله بالإفراج الفوري عنهم، مما أبطل الحجج التي كانت تطلقها السلطة لعدم الافراج عنهم بأن اعتقالهم جاء لمخالفات قانونية ارتكبوها.

2- الاضراب عن الطعام: أجبر المعتقلون الستة العالم أجمع على الاستماع لمعاناتهم مع الاعتقال السياسي، عندما بدأوا اضراباً مفتوحاً عن الطعام استمر أكثر من أربعين يوماً، وقد أحسنوا صنعاً عندما رفضوا فك الإضراب إلا بالإفراج عنهم.

3- تحرك أهالي المضربين: من خلال متابعة المؤسسات الحقوقية والاعلامية ومن خلال الاعتصامات أمام مقرات الصليب الأحمر، ومن خلال اجبار وسائل الاعلام على تبني قضيتهم.

4- التحرك الاعلامي: سواء على مواقع الانترنت أو وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، وخضوع السلطة في نهاية المطاف لهو أكبر دليل على أن الاعلام يمكن أن يلعب دوراً، وأنه ليس مجرد كلمات تقال لا يسمعها أحد.

5- قرار حركة حماس بوقف جهود المصالحة حتى تحل القضية: مما أدى لتوجه الضغوط تجاه السلطة حتى تتخذ قراراً بالإفراج عنهم، وخاصة أن اعتقالهم غير مبرر نظراً لحصولهم على قرار افراج من المحكمة العليا.

6- الوساطات المختلفة: وبعد أن بلغت الأوضاع ذروتها جاءت وساطة لجنة المتابعة العربية من داخل الخط الأخضر، وضغوط النواب الإسلاميين لتحاول البحث عن حلول لمشكلة المضربين خصوصاً والاعتقال السياسي عموماً، وأخيراً جاءت وساطة أمير قطر الذي قدم السلم إلى السلطة كي تنزل عن الشجرة التي صعدتها.

من المهم جداً أن ندرك أنه لم يكن بإمكان انجاز أي شيء بدون تضافر هذه العوامل جميعها، فقرار المحكمة العليا وحده لم يفعل شيئاً وبقي لأكثر من عشرة شهور غير مطبق، وتحرك الأهل وحده لا يكفي فلو كان تحرك الأهالي وسعيهم واعتصاماتهم تكفي لوحدها لما بقي أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، والاضراب عن الطعام بدون تحرك خارجي وبدون استجابة إعلامية لم يكن ليفعل أي شيء.

وماذا بعد؟

من الضروري أن ندرك أن ما حصل ليس إلا مجرد البداية والخطوة الأولى على طريق كسر الاعتقال السياسي وإنهاء التنسيق الأمني بين السلطة والمحتل الصهيوني، وبدون مراكمة الانجازات فسيضيع هذا الانجاز ولن يكون له كبير الأثر، فيجب أن يلي ما حصل خطوات متتابعة أبرزها:

- مواصلة الضغوط الإعلامية والشعبية على السلطة من أجل اغلاق ملف الاعتقال السياسي وللأبد.

- أن يخرج أبناء المجتمع الفلسطيني من أجل التصدي للسلطة عند محاولتها اعتقال أبناء المقاومة من كافة الفصائل الفلسطينية، فلا يجب أن يمر الاعتقال بسهولة ويسر.

- يجب على الفصائل الفلسطينية المتأذية من الاعتقالات السياسية بالضفة (بالأخص الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وحزب التحرير) أن يتخذوا موقفاً حاسماً من السلطة في هذا المقام، لأن الرأي العام الفلسطيني الآن معبأ إلى آخر درجة ضد الاعتقال السياسي فشبهة الاصطفاف مع حماس التي تخافها هذه الفصائل هي أبعد ما تكون في هذا الموقف.

- يجب أن تطرح حركة حماس قضية التنسيق الأمني والاعتقال السياسي على رأس أولويات محادثات المصالحة واتصالاتها مع الدول العربية، يجب تحويل التنسيق الأمني إلى عبء قاتل على السلطة، فهي لن تتخلى عن التنسيق الأمني ما لم يكن عبئه أكبر من مردوده.
ولعل أهم درس تعلمناه من هذه التجربة هو "أنه ما حك جلدك إلا ظفرك"، فكل الجهود كانت لها نقطة انطلاق واحدة: اضراب المعتقلين عن الطعام، وهذا درس من المهم جداً أن يأخذ به أهلنا في الضفة الغربية فإن لم يتحرك أصحاب الشأن المباشر فلن يتحرك أحد، لكن في لحظة بدئهم بالتحرك سيجدون الكثير من الإخوة الجاهزين لمساعدتهم بكل ما يستطيعونه. فالعالم لا يستمع إلى الصامتين!

ليست هناك تعليقات: