الأحد، 20 فبراير 2011

"الثورة ضد الانقسام" بين محاولات المخلصين والاستغلال الإعلامي

تكاثرت الدعوات على الفيسبوك في الآونة الأخيرة، بعضها يدعو للإطاحة بسلطة محمود عباس في الضفة والآخر يدعو للإطاحة بحركة حماس في قطاع غزة، وهنالك فئة ثالثة ظهرت مؤخراً وهي تلك الدعوات "للثورة ضد الانقسام" والضغط على حماس وفتح من أجل المصالحة.

حاولت حركة فتح إشعال ثورة الكرامة في غزة (كرامة من؟ لا ندري حقيقة) وحاولت اللعب على وتر الوضع الاقتصادي السيء في غزة أو أخطاء حركة حماس تارة أخرى، إلا أن الدعوة فشلت فشلاً ذريعاً ولم يتجاوب معها أحد بمن فيهم أبناء حركة فتح أنفسهم (سواء يوم الجمعة 11/2 أو الجمعة التي تلتها 18/2).

في المقابل لم تتبن حركة حماس أي دعوات محددة، وإن كان إعلام الحركة يروج لبعض الصفحات الداعية لإسقاط سلطة عباس، وذلك فيما يبدو لأنها لا تريد الدعوة لثورة غير مضمونة النجاح، وبعض هذه الصفحات يقوم عليها أشخاص من خارج إطار حركة حماس غاضبين على سلطة فتح والتنازلات السياسية غير المسبوقة التي تقدمها للكيان الصهيوني والساخطين على التنسيق الأمني، ويمكن لهذه الدعوات أن تتراكم نظراً للسخط الواسع النطاق في الضفة على فساد السلطة السياسي (قبل فسادها الاقتصادي والإداري).

في موازاة ذلك هنالك تكاثر في صفحات تدعو للثورة على الانقسام وتريد شن حملة للمصالحة بين حماس وفتح، وترديد شعارات مثل "الشعب يريد انهاء الانقسام"، وإن كنت لست مقتنعاً بجدوى مثل هذه الدعوات لأن المصالحة ليست كالإطاحة بالنظام، حيث يمكنك إجبار الحاكم وأعوانه على التنحي لكن لا يمكن إجبار الناس على التصالح، المصالحة تأتي بالتراضي وفقط بالتراضي.

قامت حركة فتح بالدخول على خط بعض هذه الحملات وحاولت استغلالها إعلامياً، ليس حرصاً على الوحدة ورغبة بإنهاء الانقسام بل لتسجيل النقاط ضد حركة حماس، فحركة فتح اليوم همها تحويل كل أزماتها الداخلية والخارجية باتجاه حركة حماس، لكي تقول للناس أنها وحماس بنفس السوء (وفش حدا أحسن من حدا). ففتح لا تريد أن يتكلم الناس عن التنسيق الأمني وعن تنازلاتها غير المحدودة في المفاوضات السياسية، تريد شماعة لأخطائها وهذه الشماعة هي حماس والانقسام الفلسطيني.

وفي هذا الإطار (وبعد سقوط نظام مبارك) قامت السلطة الوطنية بعدة مناورات إعلامية من أجل تعزيز مواقفها، فمن ناحية قرر عباس إعادة تشكيل حكومة فياض، وذلك من أجل ادخال وزراء أكثر من حركة فتح إلى الحكومة وهو مطلب قديم للحركة منذ عامين أو ثلاث، وذلك ظناً منه أنه بإرضاء القاعدة الشعبية لحركة فتح فيمكن تجنب مصيراً مشابهاً لمصير مبارك.

كما دعت المنظمة إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في شهر أيلول القادم، وانتخابات بلدية في شهر تموز، وذلك من "أجل إنهاء الانقسام" كما تردد السلطة وأجهزتها الإعلامية، وهي ليست أكثر من مناورة إعلامية، فكيف تكون انتخابات تجري في ظل منع حماس من العمل بالضفة سبباً لإنهاء الانقسام؟ كيف ستشارك حماس وكوادرها في الضفة مطاردون ومعتقلون وينكل بهم يومياً؟ كيف ستشارك حماس وأموالها تصادر في الضفة تحت مسمى "غسيل الأموال"؟

وأخيراً جاء قفز حركة فتح وذراعها الطلابي "حركة الشبيبة الطلابية" على مبادرات إنهاء الانقسام، ومشاركتهم بمسيرة في مدينة رام الله الخميس الماضي قام تلفزيون فلسطين بتغطيته بشكل كامل وموسع وحضرته شخصيات فتحاوية قيادية، وكأن المصالحة مجرد شعارات وأقوال، ماذا عن ممارسات حركة فتح؟ هنالك حاجة أن تقوم بخطوات ملموسة لتثبت جديتها في المصالحة، أما ترداد الشعارات والحملات الإعلامية لإثبات أنها تريد المصالحة وحماس لا تريد، فهذا كله كلام فارغ والأصل أنهم تعلموا مما حصل مع مبارك وبن علي.

فمن أراد المصالحة فيجب عليه أن يقوم بخطوات ملموسة وليس فقط إعلان نوايا، وإذا كنتم تريدون إحراج حماس حقاً فالأصل أن تقدموا على خطوة مثل الإفراج عن معتقلي حماس، وتستطيعون إعادة اعتقالهم إذا لم تبادلكم حماس حسن النوايا، يجب أن تدركوا أن المناورات الإعلامية لا تفيدكم كثيراً والناس يستوعبون ويفهمون ما يدور حولهم.

حاول القذافي استباق الأمور وقام بتسيير مظاهرات تأييد له وانتقد الفساد، لكنه لم يستفد شيئاً فالمناورات الاعلامية لا تفيد، الناس تريد شيئاً ملموساً تحس به ولا تريد نجماً سنمائياً، والسلطة يبدو أنها لم تتعلم شيئاً من أخطاء غيرها، حتى عندما يحاول بعض قادتها الاستفادة اعلامياً من قرار الفيتو الأمريكي على قرار مجلس الأمن الأخير ويخرج علينا الطيراوي بالدعوة لثورة غضب يوم الجمعة ضد الأمريكان، كيف يصدقك الناس وسلطتك ستمنع هذه المظاهرات من الوصول إلى حواجز الاحتلال والصدام مع المحتل الصهيوني؟ كيف يصدقك الناس والسلطة تنسق أمنياً مع المحتل الصهيوني وتتآمر مع شعبها في نفس الوقت الذي تدعو لثورة غضب ضد أوباما؟ من أولى بثورة الغضب: المحتل الصهيوني أم أوباما؟

في مقابل ذلك هنالك حملات يقوم عليها مستقلون ويساريون، وهنالك صفحات كثيرة وأغلبها غير منظم وبدون رؤية، مع ذلك نجد بعضها أكثر تنظيماً؛ مثل صفحة الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الانقسام (يوجد عدة صفحات تحمل أسماء مشابهة لهذه الصفحة وأكثرها تابعة لفتح فيجب الانتباه)، حيث قامت بوضع مطالب لها محدد وجدول للنشاطات تبدأ بمنتصف الشهر القادم وتتضمن الاعتصام في مدن الضفة والقطاع.

وما يميز هذه الصفحة أن مطالبها محددة وربما أن هذه المطالب هي ما يحشد الناس حولها، وهي سبع مطالب موجهة إلى كل من حماس وفتح، وتتضمن:

1. اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين في سجون السلطة وحماس.
2. وقف كافة اشكال الحملات الاعلامية من الطرفين.
3. استقالة حكومتي هنية وفياض للتمهيد لحكومة وحدة وطنية متفق عليها من كافة الفصائل الفلسطينية باختلاف الوانها.
4. إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتحتوي كافة الوان الطيف السياسي الفلسطيني.
5. الاعلان عن تجميد المفاوضات بشكل كامل لحين التوافق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة على برنامج سياسي معين.
6. ايقاف كافة اشكال التنسيق الامني مع العدو الصهيوني.
7. واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في وقت تختاره جميع الفصائل.

مثل هذه المطالب يمكن أن تشكل رأي عام ضاغط على كل من حماس وفتح للقبول بها، وإن كان الضغط الشعبي وحده لا يكفي لأن المصالحة لا تفرض بالإجبار، كما أني لا أظن أن السلطة ستقبل ببعض البنود مثل وقف التنسيق الأمني وتعليق المفاوضات إلى حين التوصل إلى توافق بين الفصائل، بالرغم زعمها بأن كل ما يفصلنا عن المصالحة هو مجرد توقيع على ورقة أو تنظيم انتخابات.

أما حركة حماس فيحسب لها أنها واضحة، ولا تعلن عن مواقف هي غير مستعدة للالتزام بها بل تضع شروطها للمصالحة علناً، ولا تلجأ لمناورات السلطة الإعلامية (المؤيدة لمصالحة غير مشروطة علناً وتضع العقبات أمامها على الأرض)، لكن في المقابل فإن توجس حركة حماس من المبادرات المستقلة لإنهاء الانقسام والتشكيك بصدقيتها غير مقبول، ويجب عليها أن تفرق بين الدعوات التي تصدر عن ماكنة فتح الاعلامية والتي تريد تصدير الأزمة إلى غزة وبين المبادرات المستقلة.

كما يجب على حماس أن تقدم على مبادرات تتجاوب مع هذه المطالب لأن الجماهير ستقيم أداءها وستقيم قراراتها ومواقفها، ولا يمكن لحماس أن تعتمد فقط على الدعم غير المحدود لقاعدتها الجماهيرية.

ليست هناك تعليقات: