الأربعاء، 27 أبريل 2011

عملية قتل المستوطن عند قبر يوسف ورد فعل السلطة الخطير

لم تكن الحادثة الأولى من نوعها التي يطلق فيها رجال أمن يعملون بالسلطة النيران على مستوطنين أو جنود احتلال، بالرغم من سياسة السلطة الرافضة لأي عمل مسلح أو إطلاق نار على الصهاينة حتى لو كان رداً على اعتداء مماثل، وهو أمر متوقع نظراً لأن أبناء الأجهزة الأمنية يأتون من مجتمع فلسطيني معبأ ضد الاحتلال الصهيوني، وتعتبر فيه محاربة الصهاينة قيمة وطنية عليا تحظى باحترام الجميع.

وبغض النظر عن تفاصيل الحادث، ومن بدأ إطلاق النار ومن رد على الآخر وبرصاص من قتل المستوطن وأصيب رفاقه بجراح، فإننا نرصد ردة فعل خطيرة من قبل السلطة، ليس فقط لأنها اعتقلت وحققت مع أفراد من الأمن الوطني بسبب عملية إطلاق النار، وليس فقط لأنها عممت بعدها على أجهزة الأمن بعدم إطلاق النار على الصهاينة حتى لو كان دفاعاً عن النفس لما فيه من "أضرار بالمصالح العليا الفلسطينية"، فهذا ليس أول تعميم من نوعه فقد رأينا قادة
الأجهزة الأمنية في أوقات سابقة على قنوات صهيونية وهم يؤكدون وجود هذه التعليمات.

رد الفعل الأخطر من كل ذلك هو تبرير السلطة للعملية وذلك بترديد مسؤوليها أكثر من مرة أن ما حصل ما كان ليحدث لو حصل تنسيق أمني مثلما يحصل دوماً - وكشف مسؤول المستوطنات الصهيونية في منطقة شومرون أن مثل هذه الزيارات تحصل بشكل أسبوعي ومنتظم.

معنى التبرير الذي تسوقه السلطة الفلسطينية أن هنالك تنسيق أمني بالفعل مع الصهاينة (هذا تأكيد لبعض السذج الذين ما زالوا يعتقدون أنه لا وجود للتنسيق الأمني)، وأن التنسيق الأمني ليس من أجل تسهيل الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني (وهو التبرير الذي يسوقه البعض لإقناعنا بأهمية التنسيق الأمني)، فلا أدري أين هي مصالح المواطن الفلسطيني بقدوم مجموعة من المتدينين اليهود من الطائفة الحسيدية للصلاة في مقام إسلامي.

وليت الأمر وقف عند ذلك فالسلطة تقر بكلامها هذا بحق اليهود في مقام يوسف! "يمكنهم القدوم لكن بتنسيق أمني من أجل ضمان أمنهم"، وهم لا يأتون كسياح بل من أجل الصلاة، ورأينا بركات هذا الاعتراف في وسائل الإعلام الغربي، فمثلاً عندما تناولت قناة البي بي سي بالانجليزية الحادث وصفته بحادث إطلاق النار عند "مزار يهودي".

قد يقول البعض أن هذه أمور كانت تحصل بالسر في السابق ولا جديد في ما جئت به، ونرد عليهم بالقول: هذا صحيح لكن عندما يخرج الأمر إلى العلن وبهذه الصفاقة، ولسان حالهم يقول لا يوجد شيء معيب أو مخجل (كل أمتي معافى إلا المجاهر)، فهذا يدشن لمرحلة جديدة من صناعة "الفلسطيني الجديد" حسب تعبير رئيس الموساد السابق أبراهام هليفي، مرحلة يعتبر الفلسطيني أن العمل المقاوم المسلح جريمة نكراء يسعى للتنصل منها وتنظيف نفسه منها.

وقد شاهدنا مثل هذا الأسلوب في عملية مستوطنة ايتمار عندما حاول الإعلام الفلسطيني نسبها إلى عامل تايلندي، وللأسف ساهم الإعلام المحسوب على المقاومة وعلى حركة حماس بهذا الخطأ القاتل، ليتبين لاحقاً أن المنفذين فلسطينيون وبدلاً من الدفاع عن حقهم بالمقاومة أصبحنا نتهرب من مسؤولية العمل المقاوم، أتفهم عندما يحاول أصحاب الشأن المباشر (أهل القرية وأهالي المنفذين) التهرب من مسؤولية العملية حتى لا يطالهم الأذى المباشر.

لكن أن يصبح التبرؤ من العمل المقاوم المسلح منهجاً في الإعلام الفلسطيني، مرة ينسبون عملية ايتمار لعامل تايلندي ومرة ينسبون مقتل المستوطن عند قبر يوسف إلى إطلاق نار من جنود الاحتلال المتمركزين على جبل الطور، فهذا له أبعاد خطيرة لأنه يرسخ في وعي المواطن الفلسطيني أن العمل المقاوم لا مكان له في الحياة اليوم "لا توجد مقاومة كلها حوادث ومحض صدف"، كما ترسخ فكرة أن استهداف المستوطنين يخدم الاحتلال الصهيوني وليس عملاً مقاوماً راقياً.

كما أنها ترسخ داخل المجتمع الصهيوني أنهم على حق وأن الاستيطان هو حق مشروع، والدليل هو الفلسطينيون أنفسهم الذين يدينون هذه العمليات (وشهد شاهد من أهلها)، كما ترسخ في ذهن الإعلام الغربي أن للمستوطنين الحق بالحياة الطبيعية في الضفة الغربية وزيارة "مقاماتهم" اليهودية داخل المناطق الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني يؤيد ذلك ويدعمه.

تبرز لنا عملية قتل المستوطن الصهيوني عند قبر يوسف مشهدين متناقضين: مشهد الشرطي الفلسطيني الذي يعود دوماً إلى مبادئه ومثله الوطنية، ويمسح كل البرمجة الجديدة التي أدخلتها مؤسسات "دايتون – مولر" في رأسه بضغطة على الزناد، ويقابله مشهد السلطة الفلسطينية التي تصر على غسل دماغ الشعب الفلسطيني بتأكيدها على حرمة المساس بالمستوطنين وحرمة دمائهم مهما حصل، وتريد إيصال رسالة إلى المجتمع الفلسطيني: "انسوا أمر المقاومة فهذا أصبح من التاريخ البائد".

من واجبنا كإعلام مقاوم تشجيع أبناء الأجهزة الأمنية على تبني هموم شعبهم ونزع ثوب الدايتونية الذي لا يليق بهم، ومن الناحية الأخرى لا يجوز لنا الانجرار وراء الآلة الإعلامية التابعة للسلطة والتي تحاول اقناعنا (عبثاً) بأنه لا مكان للمقاومة اليوم في الضفة الغربية، مهما كانت الاعتبارات والحسابات الضيقة لأهالي هذا المعتقل أو ذاك المطارد، فمصلحة استمرار العمل المقاوم المسلح مقدم على أي مصلحة أخرى.

ليست هناك تعليقات: