السبت، 14 مايو 2011

كيف ننتقل بمسيرات العودة من الأحلام إلى الواقع

تأتي ذكرى نكبة فلسطين هذا العام بنكهة مختلفة في ظل الثورات العربية التي تعبر عن رفض الواقع الذي تعيشه الشعوب العربية والرغبة بالتغيير نحو الأفضل، ولطالما كانت القضية الفلسطينية في جوهر الاهتمام العربي ومركز الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية.

ومثلما عبر الدكتور عزمي بشارة ذات مرة فانتصار المشروع الصهيوني ليس سبب الأزمة العربية وفشل العرب بقدر ما هو تعبير عن الأزمة الحضارية التي يعيشها العرب، وبكلام آخر ما كان المشروع الصهيوني لينجح وينتعش على أنقاض الشعب الفلسطيني لولا ضعف العرب وفشلهم الحضاري.

وبالتالي كان متوقعاً أن يزداد الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية في ظل النهوض العربي المرتبط بالثورات، وهو ما ترجم إلى مسيرات العودة في ذكرى النكبة أو ما يسميه آخرون بالانتفاضة الثالثة - على اعتبار أن الشعب الفلسطيني من رواد الانتفاض على الظلم فلا بد أن يتصدر المنتفضين في زمن الثورات العربية. كما يطلق عليه آخرون ثورة اللاجئين على اعتبار أن اللاجئين هم جوهر القضية الفلسطينية وجوهر الصراع مع الكيان الصهيوني.

وجاء التفاعل مع اليوم الأول والمعروف بجمعة النفير متفاوتاً، وإن كان واضحاً وجود تردد في قبول فكرة الزحف نحو فلسطين لدى الكثير من الأشخاص والجهات، فنجد مثلاً المجلس العسكري الأعلى في مصر طلب وقف المسيرة المتوجهة إلى رفح، والسلطة الفلسطينية في الضفة تعلن رفضها أي مواجهات (ولو بالحجر) مع الاحتلال الصهيوني، كما نجد الكثير من المشككين بجدوى الفكرة من الناس العاديين.

المشكلة الأولى والأهم التي تقف أمام الاستفادة من الحالة الثورية التي يعيشها العالم العربي هي عدم وضوح الرؤية لدى أكثر الناس، سواء كنا نتكلم عن أفراد أو عن حكومات أو عن تنظيمات، ففكرة المسيرات السلمية على غرار ما حصل في مصر وتونس لن ينجح استنساخها حرفياً لأن الصهاينة مستعدين لاستخدام أقصى درجات القوة، ونرى ما يحصل في ليبيا من استخدام للقوة مبالغ به ونحن نتكلم عن مجرد نظام، فكيف سيكون الأمر مع كيان كامل قوامه خمسة ملايين صهيوني.

فالهاجس الذي يؤرق الجميع: وماذا في اليوم التالي (يوم الاثنين 16/5/2011م)؟ هل سيعود الناس إلى بيوتهم؟ هل ستندلع المواجهات وهل نستطيع تحمل الخسائر البشرية؟ كيف سنجبر الصهاينة على تقديم تنازلات؟ هل نحن مستعدون وجاهزون لدخول مواجهة في هذه اللحظة؟ لماذا نربط المواجهة مع تاريخ النكبة ولا نربطها مع اللحظة التي نكون مستعدين فيها ؟
هل نستطيع تحرير فلسطين في اليوم التالي؟ هل نستطيع بدء حرب تحرير (سواء حرب نظامية أو حرب عصابات)؟ بمثل هذه المهلة الزمنية الضيقة سيكون الجواب بكل تأكيد لا، أما على المدى البعيد (وربما المتوسط) فالجواب نعم، إذن ليكن هدفنا في اليوم التالي هو التمهيد لهذه اللحظة التاريخية وتقريبها لأنها لن تأتي فجأة وبدون مقدمات.

لعل أول خطوة يجب الإقدام عليها هي كسر صنم الإحباط الذي يكبلنا منذ عشرات السنوات، صنم "لا نستطيع هزيمة إسرائيل"، نريد أن تتغير ذكرى "النكبة" التي نحرص على تذكير أبنائنا بفلسطين وأن لا ننساها، لتصبح مناسبة للحشد والتعبئة من أجل التحرك والتقدم نحو تحرير فلسطين، لا نريد تذكر فلسطين نريد تحريرها، هذا ما يجب زرعه في نفوس الناس.

إرادة التحرير والاقتناع بأننا قادرون هي الخطوة الأولى، صحيح أنه يوجد الكثير كي نترجمها إلى فعل، لكن بدونها لن نتحرك قيد أنملة، ولأنه ليس من السهل تغيير عقلية الناس وتحطيم صنم الإحباط بعد 60 عاماً من هيمنته على حياتنا، فالكلام الإنشائي والخطابات لن تفعل الكثير، وسنجد الناس يهزون رؤوسهم موافقين لكن داخل نفوسهم ما زال الشك معششاً، بل وسنجد البعض يدافع وبكل شراسة عن صنم الإحباط لأنه تعود على الهزيمة والانكسار ولا يستطيع استيعاب حقيقة المرحلة.

لذا المرحلة التالية هي الإثبات عملياً بأنه يمكن التقدم نحو هدف تحرير فلسطين، وذلك من خلال خطوات بسيطة لكن مقنعة، خطوات واقعية ويمكن العمل عليها، وهذه متروكة لكل ميدان أن يقرر ما هو أنسب له، وهنا يأتي دور الناس ودور الشباب ليفكروا ويبدعوا فالمرحلة تحتاج لأفكار خلاقة، وسأحاول هنا طرح بعض الأهداف التي يمكن العمل من أجلها على المدى القصير والمتوسط:

1- اقتحام الحدود ولو لدقائق أو تحطيم الأسلاك الشائكة خلال يوم الأحد 15/5، فهذا سيسكر الحاجز النفسي عند الناس من ناحية، وسيظهر للعالم أن هنالك أزمة سببها الكيان الصهيوني، وأن هذه الجماهير العربية العريضة التي حازت على تعاطف العالم أجمع بسبب رغبتها بالحرية والانعتاق لديها رسالة جديدة ويجب على الجميع أن يستمع لها.

2- تشديد الحصار الإعلامي والسياسي على الكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال يمكن جعل إغلاق السفارة الصهيونية في القاهرة وعمان هدفاً للجماهير، أتفهم الظروف التي تمنع المجلس العسكري من قطع العلاقات فوراً مع الكيان، لكن التحرك الجماهيري المصري سيقرب من هذه اللحظة الحاسمة.

3- في قطاع غزة بما أن فك الحصار من جهة رفح أصبح قاب قوسين أو أدنى، فيجب التفكير بالخطوة التالية: مثل كسر المنطقة المحظورة على حدود القطاع الشمالية والشرقية، والتي يفرضها الاحتلال الصهيوني من خلال قوته النيرانية، وذلك من خلال مسيرات جماهيرية فالأمر يحتاج لتحرك وعدم التسليم بالأمر الواقع.

4- في الضفة الغربية يجب العمل على إخراج الاستيطان قبل الكلام عن تحرير باقي فلسطين، والهدف الأسهل هو المستوطنات شرق الجدار الفاصل، والواقعة بين التجمعات السكانية الفلسطينية، فمن ناحية عملياتية هي أسهل الأهداف، ومن ناحية التعاطف العالمي (وحتى الصهيوني) فاستهداف مستوطني الضفة أكثر قبولاً (سواء بالعمليات المسلحة أو الزجاجات الحارقة والحجارة). وحجة الكيان في الدفاع عنهم أضعف (أتكلم عن الناحية الإعلامية)، وأكثر من ذلك فالمستوطنين دوماً يتهمون حكومتهم بأنها لا تدافع عنهم كفاية، وزيادة استهدافهم يزيد التوتر بينهم وبين حكومتهم.

5- يمكن للفلسطينيين في المهجر والذين يحملون جوازات سفر غربية رفع قضايا ضد الكيان الصهيوني للمطالبة باسترداد أملاكهم، بنفس المنطق القانوني الذي يتيح لليهود من ضحايا "المحرقة النازية" المطالبة باسترداد أملاكهم التي صادرها النازيون بعد 70 عاماً. الصهاينة لن يستجيبوا لهذه القرارات لكن لها بعد إعلامي وقانوني بالغ الأهمية، ويعطي فكرة تحرير فلسطين زخماً وقوة إضافية.

6- على صعيد فلسطينيو المناطق المحتلة عام 1948 من المهجرين واللاجئين يمكنهم التوجه إلى قراهم المهدمة وترميم المساجد المهدمة (وهذه حصلت في مناسبات عدة بالسنوات الأخيرة)، وبناء مساكن عليها بوصفهم أصحاب الأملاك، وليأت الاحتلال ليقتلعهم بالقوة لا بأس، لكن الخطوة لها أهمية على صعيد الاستنزاف النفسي والسياسي والإعلامي للكيان الصهيوني.

هذه خطوات وأهداف مرحلية (وهي مجرد أمثلة) وتتراوح بين تحقيق مكاسب ميدانية بسيطة وبين حصار الكيان إعلاميا وقانونياً وسياسياً، وهي تخدم هدف تحرير فلسطين، فبدلاً من مواجهة كيان صهيوني قوي ومتماسك نستنزفه ونحاصره ونضعفه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نشجع الناس ونجعلهم يشعرون بوجود انجازات وبالتالي سينضم المزيد والمزيد للجهد المبذول ويصبح بالإمكان الحديث عن انجازات وأهداف أكبر.

يجب أن تكون مسيرات العودة خطوة البداية لسلسلة أفعال تحت عنوان "الشعب يريد تحرير فلسطين"، ويجب علينا المبادرة من أجل تحقيقها، وكلما تحقق هدف ننتقل إلى الذي يليه، فهي مجرد الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، فلا نبالغ ببناء الآمال ونوطن أنفسنا على أن القادم صعب (لكنه ليس بالمستحيل).

ليست هناك تعليقات: