الجمعة، 29 يوليو 2011

لماذا لا تحمل حماس هموم المواطن اليومية في الضفة الغربية

نبهنا اضراب أصحاب المخابز في عدد من محافظات الضفة الغربية إلى وجود جملة من الهموم اليومية التي يعاني منها أهلنا في الضفة الغربية والتي تحتاج لمعالجة ومتابعة مستمرة، وهي ليست هموماً جديدة (وأغلبها هي هموم يعيشها أي مواطن بأي مكان في العالم)، وبعضها مرتبط بالاحتلال وسياسة التضييق المتواصل على الإنسان الفلسطيني من خلال مصادرة الأراضي وبناء الجدار واعتداءات المستوطنين وهدم المنازل.

ويحصل كل ذلك في ظل حكومة فياض التي تضع التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني على رأس أولوياتها والتي قادت مرحلة الإنقسام في الضفة فكان المواطن العادي آخر همومها.

ما استجد على الساحة في الضفة الغربية هو تصاعد وتيرة الأزمات الاقتصادية وآخرها عجز حكومة فياض عن سداد الرواتب كاملة وإضراب أصحاب المخابز، وشهدنا قبلها مواجهات في مخيم العزة ببيت لحم بعد تظاهر أهالي المخيم احتجاجاً على الانقطاع المتواصل للمياه عنهم لأكثر من 25 يوماً، وهي جزء من مشكلة مزمنة في جنوب الضفة الغربية حيث يستمر انقطاع المياه كل صيف لفترات تصل في بعض الأحيان إلى أربعين يوماً.

ومنذ تأسيسها عملت حركة حماس على معايشة هموم الناس من خلال الجمعيات الخيرية ومن خلال الكتل الإسلامية في الجامعات والنقابات، مع ذلك كان الهم السياسي العام هو الطاغي على سياسة الحركة، وهو ما كنا نلمسه مثلاً في الدعاية الانتخابية بالجامعات من خلال صور الشهداء واللافتات التي تمجد العمليات الاستشهادية، فقد كانت دعاية انتخابية لحماس وخيارها المقاوم أكثر من كونها دعاية انتخابية لكتلة طلابية تريد تحقيق انجازات نقابية.

وبدلاً من زيادة تفاعل الحركة مع هموم الناس اليومية، تراجع هذا التفاعل في الضفة الغربية بعد عام 2007م بفعل إغلاق السلطة والاحتلال لأغلب الجمعيات التابعة للحركة أو الاستيلاء عليها، وبفعل التضييق على مؤيدي الحركة مما أدى لإنكفائها عن المشاركة بالانتخابات النقابية والجامعية، فكانت النتيجة تغييباً كاملاً للحركة عن متابعة هموم الناس اليومية في الضفة الغربية.

وبينما كان يجب البحث عن بدائل لمتابعة هموم الناس ودعمهم اكتفى الخط العام في الحركة طوال الفترة الماضية بالبكاء على الأطلال والتذمر من قمع السلطة وهمجيتها وإجرامها، وبقيت الحركة مهتمة بالقضايا السياسية العامة الكبرى مثل الانقسام والاعتقال السياسي والتهدئة والتصعيد في غزة ومعبر رفح وتشكيل الحكومة، مما أوجد انطباعاً لدى عامة الناس في الضفة أن حماس لا تهتم إلا بمصالحها الذاتية ومصالح مؤيديها.

وهنا نتساءل عن سبب غياب حركة حماس والنواب الإسلاميين عن هذه الهموم اليومية؟ فقبل عدة شهور كان هنالك محاولة من حكومة فياض لفرض ضرائب إضافية على موظفي القطاعين الخاص والعام، ومنها ضريبة تفرض على مكافأة نهاية الخدمة ورواتب التقاعد، لم نسمع أي تصريح من قيادة حماس لا في الضفة ولا في غزة، ولم نر أي مشاركة من النواب الإسلاميين في الجهود لوقف هذه الضريبة، وبدلاً من ذلك كانت النقابات بقيادتها الفتحاوية وفصائل منظمة التحرير في مقدمة المعارضين بحيث تمكنوا من تجميد هذه الخطوة.

أدرك أن هنالك سياسة إقصاء متعمد للنواب الإسلاميين في الضفة الغربية لكن ما كان يمنعهم من إصدار بيان يرفض هذه الضريبة؟ ما كان يمنع الحكومة في غزة إصدار تصريح يعلن عدم قانونية هذه الخطوة؟ ما كان يضر المكتب الإعلامي لحماس اصدار بيان يوضح موقف الحركة من هذا القانون؟ مشكلة حماس أنها تحصر تفكيرها بالقضايا الكبرى وتستهتر بالقضايا اليومية (وهي مشكلة الإسلاميون عموماً وليس حماس فقط).

هنالك العديد من الخطوات التي يمكن لحماس أن تقوم بها لمعالجة قضايا الناس والتصدي لهمومهم اليومية، وليس ضرورياً أن يكون ذلك تحت لافتة حمساوية فاقعة كما تعودنا في مجالس الطلبة أو الجمعيات الخيرية، فليس من الضروري أن نرى لافتة عمالقة في الجامعة عليها صورة يحيى عياش أو عبد الناصر عيسى، نريد انخراطاً بالحياة اليومية.

ويوجد تجارب عملية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مشاركة لعناصر من حماس بصفتهم الشخصية باللجان الشعبية لمقاومة الجدار في مناطق مثل نعلين وصافا وبيت أمر، ومشاركة مؤيدين للحركة ضمن تحالفات مع مستقلين في انتخابات نقابية، كما حصل في انتخابات نقابة المهندسين وانتخابات الغرفة التجارية في نابلس، والسؤال إذا كان الفوز بالانتخابات ممكناً في معقل السلطة المنيع بمدينة نابلس تحت مسمى المستقلين، لماذا لم تعمم التجربة في باقي المحافظات؟ ولماذا الإصرار على سياسة المقاطعة التي لم تثمر شيئاً سوى المزيد من الانعزال عن الشعب والمجتمع؟

حماس تشتكي من قلة تفاعل عامة الناس مع قضايا الاعتقال السياسي والفصل الوظيفي والاستدعاءات لكن هل سألت نفسها ما الذي قدمته للمواطن العادي الذي لا يهتم بالسياسة؟ هل أشعرت الشعب أنها جزء لا يتجزأ من همومه اليومية أم أنها تركت انطباعاً أنها الخصم اللدود لفتح، و"ليذهب الإثنين إلى الجحيم" (كما هو لسان حال مئات الآلاف من المواطنين غير المؤطرين).

خطاب المقاومة والعمليات الاستشهادية ينفع في الحشد عندما يتعلق الأمر بمواجهة الاحتلال، ولافتات يحيى عياش وعبد الله القواسمي وعبد الناصر عيسى تنفع عندما تريد تجنيد استشهاديين لتنفيذ عمليات وسط تل أبيب، لكن عندما تريد حشد الناس للوقوف في وجه القمع الممنهج، وعندما تريد إقناع الناس بالوقوف معك في وجه السلطة فيجب أن تقنعهم أنك جزء منهم.

لعل أهم الدروس التي يعلمها لنا القادة الميدانيين للثورات العربية (وخصوصاً التجربة المصرية) أن ما ساعدهم على جمع الناس حولهم هو مخاطبة المواطن العادي بلغته التي يفهمها: لغة المطالب اليومية والمعاشية، ونذكر هنا أن أحد أبرز الحركات المشاركة في الثورة المصرية (حركة 6 أبريل) تأسست بعد إضراب نقابي في مصانع الغزل والنسيج بدلتا النيل.

لكي تقود الناس في ثورة شعبية يجب أن تكون جزءاً من نضالهم اليومي، يجب أن تكون موجوداً في النقابات والجامعات ولو بشكل مستقل، يجب أن تكون حاضراً في التحركات ضد جدار الفصل وضد تعديات المستوطنين وضد مصادرة الأراضي ولو بشكل مستقل، فالناس ليسوا عمياناً ولست بحاجة للافتات فاقعة حتى يعلم الناس أنك كنت في الميدان، وبنفس الوقت الناس لن يعذروك إن استسلمت للواقع وقلت لهم لا أستطيع فعل شيء لكم لأني مكبل، سيجيبوك: كيف تريد منا أن نجعلك قائداً وأنت عاجز عن مساعدة نفسك؟

مطلوب من حماس أن تهتم أكثر بالقضايا النقابية والمعاشية لأهل الضفة الغربية، وأن تتوقف عن سياسة مقاطعة الانتخابات النقابية وأن تشارك بها ولو بشكل مستقل، ويجب أن توجه مؤيديها للمشاركة في العمل النقابي وفي المواجهات الشعبية مع الاحتلال بمختلف المواقع، هذا إذا كانت معنية بالتفاف الناس حولها ودعمها في مواقفها.

الأربعاء، 20 يوليو 2011

انهيار أمبرطورية مردوخ الإعلامية ونظرية المؤامرة

لطالما سمعنا عن سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العالمية، وتحديداً وسائل الإعلام بالغرب، وكثيراً ما سمعنا عن تآمر اليهود من خلال وسائل الإعلام التي يملكوها من أجل إسقاط من لا يعجبهم ورفع من يخدمهم، والبعض كان يذهب إلى درجة الزعم بأن كل ما نراه من حولنا ما هو إلا مؤامرة يهودية للسيطرة على العالم كجزء من ما يسمى ببروتوكلات حكماء صهيون.

ووجد أصحاب نظرية المؤامرة بأسماء يهودية لامعة في سماء الإعلام الغربي أدلة تدعم نظريتهم، ومن أبرز هذه الأسماء أمبرطور الإعلام روبرت ميردوخ، الملياردير الاسترالي الجنسية واليهودي الديانة، وصاحب أمبروطرية إعلامية تشمل عشرات الصحف والفضائيات ومواقع الانترنت، وأغلب نشاطه في بريطانيا بالإضافة لوجود قوي له في الولايات المتحدة وأستراليا، فضلاً عن دخوله شريكاً في مجموعة روتانا بالمنطقة العربية.

عرف مردوخ بقربه من الجمهوريين واستخدمت وسائل إعلامه في الحملة الترويجية لحروب بوش في العراق وأفغانستان، كما يعرف بولائه للكيان الصهيوني وسعيه لشراء وسائل إعلام تركية من
أجل تحسين صورة الكيان الصهيوني أمام الرأي العام التركي.

إذن نحن أمام شخصية نموذجية تصلح لنظرية المؤامرة والسيطرة على مقاليد الحل والربط في العالم من خلال وسائل الإعلام التي يمتلكها، طبعاً لا أحد ينكر توجهات الرجل العقائدية في توجيه وسائل الإعلام التي يمتلكها، لكن السؤال الذي كان مطروحاً طوال الوقت هل حقاً يملك مثل هذه القوة الخارقة؟ هل يمكن القول عنه، وعن غيره من الأثرياء وأقطاب الإعلام اليهود، أنهم يشكلون حكومة خفية تحكم العالم وتوجه الحكومات الموجودة فعلاً؟

جاءت فضيحة التنصت الأخيرة في بريطانيا والتي كان بطلها صحفي يعمل ضمن أمبرطورية مردوخ لتختبر نظرية المؤامرة، لأنه لو كنا نتكلم عن حكومة خفية تتحكم بالعالم فالأصل أن يتم التغطية على فعلة هذا الصحفي أو على الأقل يعاقب هو وصحيفته ومسؤوليه المباشرين، لكن ما نراه من تداعيات تتضخم مثل كرة الثلج المتدحرجة أصبحت تهدد أمبرطورية مردوخ ليس فقط في بريطانيا بل في أستراليا وأمريكا أيضاً (مع وجود كلام عن قيام صحفيين يعملون لديه بالتجسس على هواتف ضحايا أحداث أيلول 2001).

كشفت هذه الفضيحة عن مدى هشاشة نفوذ وقوة مردوخ، فقد تخلى عنه حلفاءه من المحافظين واليمين، وتركوه ليواجه وحده تحقيقات الشرطة وجلسات استجواب البرلمان البريطاني، بالرغم من أنه كان ممكناً إيجاد العذر له بأنه لا يعلم عن تفاصيل العمل الدقيقة في أمبرطوريته الإعلامية، وأن شخصاً بمكانته لا يمكنه ملاحقة كل صحفي وكل محرر وكل مدير قسم، وبدلاً من ذلك اضطر لإغلاق احدى صحفه وهنالك كلام عن سعيه لبيع ما يمتلكه من وسائل إعلام في بريطانيا، كما أوقف مشروعه لشراء قناة سكاي الإخبارية.

هل يعقل لقوة خارقة تتحكم بالعالم أن تتهاوى بهذا الشكل؟ تخبرنا الفضيحة ولجان التحقيق أن من حسنات الغرب وإيجابياته أنه لا يوجد أحد فوق المسائلة، بل إن أصحاب المكانة العليا والنفوذ الكبير هم أكثر عرضة للمسائلة من غيرهم، كما تخبرنا أيضاً أن رجال الأعمال اليهود في الغرب وأصحاب الأمبرطوريات المالية والإعلامية هم مجرد جزء من المؤسسة الغربية يقدمون لها الخدمة ويستفيدون بالمقابل، وليسوا أصحاب الهيمنة والتحكم كما تصور نظريات المؤامرة.

ما كان لمردوخ أن ينجح ولا لغيره من رجال الأعمال والإعلام اليهود والمتصهينين لولا أنهم جزء من النظام الغربي، ولولا أن الغرب يستفيد منهم ومن خدماتهم، وبالتالي نستنتج أن دعم الغرب للكيان الصهيوني ليس لأن حكومة خفية تتحكم بقادة الغرب من وراء الكواليس، بل لأن مصلحة الغرب تقتضي ذلك، ولأن الكيان الصهيوني يقدم الخدمات للغرب، ولأن تكلفة دعم الكيان الصهيوني لا تساوي شيئاً (فالغرب لم يجد أي معارضة أو مقاومة من الدول العربية).

تذكرنا هذه الحادثة بقيام الملك الأنجليزي إداورد الأول بطرد اليهود من إنجلترا عام 1290م بعد أن كانوا وطوال سنوات مصدر التمويل والإقراض لعامة الناس والنبلاء والملك نفسه، وكان السبب لطردهم هو "تماديهم" بأخذ الفوائد الربوية بما أرهق خزينة الدولة. طبعاً لن تصل الأمور اليوم إلى طرد اليهود من بريطانيا ولا التخلي عن الكيان الصهيوني، وأسوأ ما يمكن أن يحصل هو إغلاق أمبرطورية مردوخ الإعلامية.

إلا أن الدرس الذي نريد تعلمه مما حصل هو أنه مهما بدا أن الصهاينة واليهود يملكون قوة ونفوذاً وسطوة، فهم مجرد أداة بيد الغرب ينفذون سياسته، وأن دعم الغرب لهم ليس بلا شروط وبلا حدود، الغرب سيتخلى عن دعمه للكيان الصهيوني عندما يصبح الكيان الصهيوني عبء على الغرب وعندما يجد الغرب أن ثمن دعمهم للكيان أكبر من العوائد التي تعود عليهم.

تتذكرون حسني مبارك؟ كم خدم أمريكا وكم استفادت منه وكم دافعت عنه؟ عندما رأت أنه قاب قوسين أو أدنى من السقوط تخلت عنه وباعته بثمن بخس، حسناً نفس الشيء ممكن أن يتكرر مع الكيان الصهيوني مع الفارق بين رئيس وعائلة مالكة وكيان متكامل مكون من خمس ملايين مرتزق صهيوني.

الاثنين، 18 يوليو 2011

تصريحات الغنوشي وحزب التحرير

حزب التحرير يصدر بياناً يدين تصريحات الشيخ راشد الغنوشي المبتورة والتي قال فيها أن النهضة لن تمنع الخمور ولا لبس البكيني.

ولا تقربوا الصلاة!!

هذا لسان حال حزب التحرير مع تصريحات الغنوشي، مع العلم أن الحزب يعادي الغنوشي منذ عشرين أو ثلاثين عاماً كما أذكر، فانتهاز الحزب الفرصة لمهاجمته ليس مستغرباً.

لو رجعنا للمقابلة نفسها لوجدنا الشيخ يقول: أن كلامه لا يعني أنه يشجع الخمور، "فالخمر حرام ولا نريده"، وإنما يريد تهيئة نفوس الناس لرفضه وعدم قبوله.

كما قال عن السياحة أنه لا يريد منعها وعرقلتها لكن في نفس الوقت يريد الحفاظ على عادات المجتمع الإسلامية.

كلامه لا شيء فيه، إلا قضية التدرج التي يعلن حزب التحرير رفضه لها في حين أن أغلب علماء الأمة يقبلون بها.

.

حتى لا تقع الثورة السورية في الفخ

أثار حضور الصحفي اليهودي الفرنسي برنار ليفي لمؤتمر المعارضة السورية في أسطنبول ضجة، وخاصة أن إعلام "الثورة المضادة" في العالم العربي يستخدم اسمه لترويج نظرية أن الثورات العربية ما هي إلا مؤامرة صهيونية وذلك بعد اجتماعه مع قيادات من الثوار الليبيين.
والأصل أن الثوار السوريين انتبهوا لخطأ الثوار الليبيين وتعلموا الدرس، ولا أدري ما أهمية دعوة هذا الكاتب الصحفي (البعض يبالغ بوصفه ويسميه فيلسوفاً)، وإن كنت على يقين أنه ليس أكثر من صحفي محب للظهور والأضواء إلا أنه يجب على الثوار السوريين الحذر من الوقوع بمثل هذا الفخ، لأن النظام السوري يستغل مثل هذه المواقف في تعبئة أنصاره والتحريض على الثورة.

ومن قبله ارتكبت أخطاء مماثلة، مثل استقبال السفير الأمريكي بالورود في حماة، وإن كنت لا ألوم أهل حماة فهم أسرى هذا النظام ومثل أي أسير من الطبيعي يتعلقون بأي يد تمتد لهم ومن الطبيعي أن يتعلق الغريق بقشة، ولن نلومهم حتى لو قدموا الورود للسفير الصهيوني، فلا يمكن أن نتوقع غير ذلك من شعب يواجه الموت كل لحظة فوضعهم ليس طبيعياً، لكن المشكلة مرة أخرى هي في توفير الذرائع للنظام السوري.

وبكل تأكيد كان ذهاب السفير الأمريكي مؤامرة من النظام الذي سمح له بالوصول بدون عراقيل، ليبدأ بعدها بحملة إعلامية منظمة للكلام عن ذهابه لوضع اللمسات الأخيرة على "المؤامرة"، وبدلاً من طرد "السفير الخطير" قام النظام بحشد أنصاره لمهاجمة السفارة الأمريكية وتحطيمها، فهذه من ضرورات استغلال الزيارة إعلامياً لحشد الأنصار حول النظام السوري.

والأخطاء الأكبر أسمعها على الفضائيات من بعض المعارضين، ولا أدري وزنهم الحقيقي في المعارضة السورية، بين من خرج ليدين مهاجمة السفارة الأمريكية، وبين من يطالب أمريكا بمواقف أكثر شدة تجاه النظام السوري، وبين مطالب بالتدخل الدولي لحماية المدنيين، فكل هذا الكلام يضر الثورة السورية ولا ينفعها.

من الضروري الإدراك أن النظام السوري يمتلك قاعدة شعبية يقوم بتعبئتها وإيهامها بأن الثورة ما هي إلا مؤامرة وأن الثوار ما هم إلا عملاء للخارج، وهذه التصريحات والمواقف بمثابة هدايا تقم على طبق من ذهب للنظام السوري، ولا يجب أن نستهين بالجهاز الإعلامي التابع للنظام ولا بقاعدته الشعبية، فهذا نظام استطاع طوال خمسين عاماً بناء قاعدة حزبية متجذرة وليس من السهل تفكيكها.

ولعلنا نرى كيف استطاع القذافي (وهو أقل كفاءة وتنظيماً ومصداقية من النظام السوري) جمع الناس من حوله، حيث يوجد لحد اليوم أنصار للقذافي مستعدين للموت من أجله، وتحت مسمى الحرب ضد الناتو ومحاربة المؤامرة الصليبية، فلا يجب أن نستهين بقدرات الأنظمة الاستبدادية على تجنيد الناس وغسل أدمغتهم.

ومن الناحية الأخرى يجب أن يستوعب قادة المعارضة السورية والثوار السوريين أن قوتهم الحقيقية موجودة في الشارع السوري، وأن ما يمكن أن تقدمه أمريكا أو غير أمريكا هو أقل القليل، ومن يتتبع تعامل الإدارة الأمريكية مع الثورات العربية يجد أنها تلاحق تطورات الأحداث وتميل حيث مالت موازين القوى، رأينا كيف كانت تدعم مبارك ثم تنقلب عليه عندما ترى المظاهرات في الشارع المصري ثم تعود وتدعمه عندما تظن أنه تم احتواء الثورة، ونفس الأمر في ليبيا بالأول دعمت الثوار وعندما بدت الأمور وكأن القذافي استعاد زمام المبادرة عادت للكلام عن تسوية بين القذافي والثوار.

أمريكا تلحق مصلحتها، ومصلحتها هي الوقوف مع الطرف المنتصر، وهي غير مستعدة للمغامرة بدعم الثورة السورية حتى آخر مدى فنراها تحافظ على علاقاتها مع نظام الأسد، وستبقى كذلك حتى اللحظة التي يصبح واضحاً فيها أن الثورة ستنتصر ووقتها سنرى تغيراً حقيقياً في موقفها.

وحتى الأنظمة العربية الموالية لأمريكا وعلى رأسها النظام السعودي، والتي تظهر العداء الإعلامي للنظام السوري، فهي ما زالت تحافظ على علاقاتها ومصالحها معه، ففي ذروة مجازر مليشيا الأسد كانت مئات الملايين من الاستثمارات الإماراتية تتدفق لدعم نظام الأسد، وقبل أيام صرح وزير الخارجية السعودي أن ما يحصل في سوريا هو شأن داخلي لن يتدخل به، وقد رأيت من يناشد الملك عبد الله بالتدخل لنصرة الثورة السورية وأقول له إطمئن لن يتدخل لا هو ولا أي من أنظمة الخليج (ربما باستثناء قطر)، فبقاء النظام السوري هو صمام الأمان لكل الأنظمة العربية الاستبدادية، إن سقط فسيعود الزخم للثورات العربية وتصيب بلهيبها ما تبقى من أنظمة عربية.

المهم أن يدرك الثوار السوريين أن الرهان هو على الأرض، وأن أمريكا والغرب هم عبء على الثورة وخصوصاً في هذه المرحلة، وأن سعيهم من أجل تصريح من وزيرة الخارجية الأمريكية أو مقالة من كاتب فرنسي لن يكون قليل القيمة فحسب، بل ثمنه سيكون دعم الحملة الإعلامية للنظام السوري.

معركة الثورة السورية هي معركة صعبة للغاية مع نظام دموي ومتجذر وله ماكنة إعلامية شديدة الذكاء، وأي موقف يظهر وكأنه الثوار يستمدون الدعم من الغرب لن يكون إلا إضافة يستفيد منها النظام وتطيل عمره.

في المقابل نشير إلى تصريحات العديد من رموز المعارضة السورية الذين لا يملون من تكرار رفضهم لأي تدخل خارجي في سوريا، فمن الضروري إدراك اللعبة الإعلامية التي يديرها النظام، ومن الضروري الإدراك أن أهم شرط لنجاح الثورة السورية هو كسب أكبر عدد ممكن من قلوب الشعب السوري وبالأخص الفئات المرتبطة بالنظام ومن تم غسل عقولهم على مدى خمسين عاماً.

الجمعة، 15 يوليو 2011

المصالحة العالقة بين فتح وحماس

ما زالت المصالحة بين حركتي فتح وحماس عالقة بعد مرور أكثر من شهرين على توقيع الطرفين على الورقة المصرية، حيث توقفت الأمور عند إصرار محمود عباس على اسم سلام فياض رئيساً لوزراء الحكومة المقبلة، وإصرار حماس على رفض أي دور لفياض في المرحلة القادمة لا كرئيس وزراء ولا كوزير مالية.

وفيما يظن البعض أن المشكلة هي محاولة كل من الطرفين إبقاء سيطرته على الحكومة من خلال شخص رئيس الوزراء، لكن بنظرة فاحصة نجد أن اسم رئيس الوزراء هو مجرد عرض للمشكلة الحقيقية، فبمراجعة الأسماء التي وافقت عليها حماس لرئاسة الوزراء نكتشف أن الحركة قبلت فعلياً بالتخلي عن أي علاقة لها بالحكومة.

حماس اقترحت اسمين مقربين منها لرئاسة الوزراء: جمال الخضري ومازن سنقرط، والأخير وإن كان مقرباً من الحركة إلا أنه ليس محسوباً عليها ولا هي تستطيع ضبط كل مواقفه، ورفض عباس الأسمين لأن وجودهما في رئاسة الوزراء "سيعيد الحصار على الحكومة"، فتنازلت حماس وقبلت بأسماء مثل منيب المصري وهو شخصية مستقلة لكنه مقرب من محمود عباس ومعروف بعلاقاته الجيدة بحكومات عربية مقربة من أمريكا، وهو شخصية مرضي عنها "دولياً".

وحتى مرشح حركة فتح محمد مصطفى لم تعترض عليه حماس، وهو رئيس هيئة الاستثمار الفلسطينية، وهي مؤسسة حكومية تابعة مباشرة لمحمود عباس، وهو شخصية أخرى مرضي عنها دولياً وأمريكياً، إذن لماذا تصر حماس على رفض فياض ما دامت تقبل بمرشحين لا يقلون عنه قرباً من فتح؟ ولماذا يصر عباس على فياض وحده دون غيره؟

إذن المشكلة ليست بالشكل العام للحكومة المرتقبة، ولا بمن يتحكم بها ويسيطر عليها، فحماس كما تبدو وبعد تجربة 5 سنوات في الحكم وصلت لنتيجة أن وجودها منفردة في الحكومة عبء عليها وعبء على الشعب الفلسطيني، حيث أن العالم يتخذ من وجودها ذريعة لمحاصرة الشعب الفلسطيني في غزة ولمحاصرة أي حكومة فلسطينية تشارك بها.

وهذه خطوة جريئة ومتقدمة من حركة حماس بأن تتنازل عن مكسب حققته من خلال صناديق الاقتراع وهي في موقع قوة وقدرة على التمسك بالحكومة لسنوات قادمة، إذن لماذا تصر على رفض سلام فياض وبالتالي تعطيل عملية المصالحة؟ تعبر حماس أنها قدمت الكثير لمحمود عباس والسلطة، فهي قبلت ببقاءه في رئاسة السلطة وستقبل بحكومة وفق مواصفاته (حكومة مقبولة دولياً) وفي المقابل لم تحصل على شيء؛ فلا رفع الحظر عن نشاطها في الضفة تحقق ولا معتقليها أفرج عنهم، ولا معبر رفح فتح بشكل حقيقي، فهي تريد الرجوع بشيء إلى قواعدها الشعبية لتقنعهم بأنها حققت شيئاً من المصالحة.

فمن الصعب أن تقنع مؤيديها ومناصريها بحكومة يبقى على رأسها سلام فياض، والاستمرار بنفس سياسته التي رفضتها الحركة طوال السنوات الأربعة الماضية، بل وسيصبح مسؤولاً أيضاً عن غزة بالإضافة للضفة الغربية، وأصلاً قاعدة حماس بالكاد استوعبت المصالحة نفسها.
الأمر الآخر الذي تريد حماس تحقيقه من تغيير سلام فياض، هو إيصال رسالة إلى أي مسؤول فلسطيني بأنه مهما كان مرضي عنه أمريكاً وصهيونياً ومهما كان مدعوماً فإن حماس تستطيع إزالته إن تجاوز خطوطها الحمراء، فالحركة لا تريد التدخل بتفاصيل الحكومة ولا عملها اليومي لكنها تريد إبقاء حق الفيتو بيدها على شخص رئيس الوزراء.

أما إصرار محمود عباس للإبقاء على سلام فياض فلا يمكن فهمه سوى أنه يريد إيصال رسالة إلى حركة حماس والمجتمع الفلسطيني والعالم بأن سياسة السلطة لن تتغير، وتحديداً سياستها الأمنية في الضفة الغربية، ويريد أن يطمئن الصهاينة والأمريكان بأن الالتزامات الأمنية تجاه الكيان لن يتم المس بها، فالأمر لا يتعلق بمواصفات خاصة يمتلكها فياض لأنه ليس من المعقول أن الشعب الفلسطيني لا يوجد به أي كفاءات ولا شخصيات مقبولة دولياً سواه.

وخصوصاً أن أداء فياض الإداري والمالي ليس بالأداء المميز ولا حتى العادي، فالديون تتراكم على السلطة، كما أن فضائح الفساد ما زالت تتوالى على حكومته، فضلاً عن عدم قدرته على دفع الرواتب كاملة للشهر الحالي بالرغم من كل الدعم الدولي المقدم له، والتضخم غير المبرر في حجم التوظيف داخل حكومته، وتوظيف مئات المستشارين برواتب تتجاوز الثلاثة وخمسة آلاف دولار شهرياً.

فإن أردنا قراءة المشهد السياسي بشكله الصحيح فإننا أمام حركة حماس التي تريد ضمانات للسماح لها بالعودة للعمل العلني في الضفة الغربية وأن لا تكون الحكومة القادمة سيفاً مسلطاً على الحركة، وفي المقابل نجد محمود عباس يريد تحصيل كل شيء لصالحه الآن، وترك ما هو لصالح حركة حماس للمستقبل (مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وفتح مؤسسات حماس المغلقة في الضفة وإعادة بناء منظمة التحرير)، وذلك حتى لا يغضب الأمريكان والصهاينة ولا يفتح جبهة مواجهة معهم، ولا يعطيهم ذرائع للتشويش على خطته للإعلان عن دولة فلسطين في أيلول القادم.

في ظل هذه المعادلة من الصعب أن تستمر عملية المصالحة، باستثناء بعض المظاهر الشكلية مثل التخفيف من حدة الحملات الإعلامية والسماح بعمل فضائية الأقصى في الضفة وفضائية فلسطين في غزة، وذلك حتى شهر أيلول على أقل تقدير وقد تمتد حالة الجمود إلى ما بعد أيلول في ظل هذه المعطيات وفي ظل التوقع بأن تتراجع السلطة عن إعلان الدولة مقابل وعود وهمية بالعودة إلى المفاوضات.

وفيما لا يملك محمود عباس ولا حركة فتح أي طموح أو جرأة للخروج من عباءة التبعية لإلتزامات أوسلو، فالأنظار تتجه لحركة حماس لكي تتحرك وتكسر حالة الجمود، طبعاً لا نقول أن تستسلم وأن ترفع الراية البيضاء للسلطة، لكن المطلوب هو أفكار جريئة وخطوات غير تقليدية.
السؤال: ماذا لو قالت حماس نحن نوافق على بقاء سلام فياض رئيساً للوزراء بشرط الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة فتح المؤسسات المغلقة؟ وأن تبدأ عملية تشكيل الحكومة وإطلاق المعتقلين السياسيين (من حماس وغير حماس) بوقت متزامن. ماذا لو اشترطت حماس بأن لا يتنازل عباس عن إعلان الدولة في أيلول؟ وفق منطق: "أنت تريد بقاء فياض حتى لا تخرب مشاريعك بإعلان الدولة، فما الذي يضمن لنا أنك لن تتراجع عن إعلانها تحت الضغوط الصهيو-أمريكية؟"

قد يقبل محمود عباس بهذه الشروط وقد لا يقبل (وأنا أرجح أنه لن يقبل)، لكن على الأقل تكون حماس قد وضعت النقاط على الحروف أمام الرأي العام الفلسطيني، فلا هي تريد الحكومة ولا تتمسك بها (وإن كان ذلك حقها)، ولا هي تريد أن تقف عقبة أمام المصالحة، لكنها تطرح شروطاً طبيعية وتحصيل حاصل، ووقتها فليتحمل محمود عباس وحده فشل عملية المصالحة.

الاثنين، 11 يوليو 2011

لن ألبس طربوشكم!!

الموضة اليوم أن يستوقفك رجال محاكم التفتيش ليتأكدوا من سلامة سنيتك (اتباع المذهب السني)، لا يهمهم إن كنت مسلماً بالفعل والممارسة ولا حتى بالإسم!! المهم أن تكون سنياً، وليس أي سني بل هنالك مواصفات خاصة و"أيزو" يجب أن تلتزم به، وإلا فأنت إما متشيع يستخدم التقية أو سني مغرر به.

يجب عليك أولاً في حال ذكر أمامك صحابي جليل أن تقول فوراً وبسرعة وبدون أدنى تردد: "رضي الله عنه وأرضاه" إن تلكأت فأنت متهم!! وإن كنت تشرب كأس ماء وانتظرت حتى نزول الماء إلى جوفك فهي مجرد ذريعة منك لتمارس "تقيتك القذرة"!! وإذا ذكر أمامك سيرة الشيعة يجب أن تتبعه بلعن من يلعن الصحابة، وإذا سمعت بسيرة بلاد فارس فيجب أن تلعن المجوس أبناء المتعة من لاعني رسول الله، لا يهم بأي سياق سمعت بها، سواء كانت في درس عن الملل والنحل أم درس عن الجغرافيا، فمحاكم التفتيش لا تعرف التساهل.

كنا نلوم الشيعة لأنهم يلعنون الصحابة، واليوم يطلب منا أن نلعن من يلعن الصحابة، وغداً يلعن الشيعة من يلعن لاعني الصحابة، وهكذا دواليك نصبح أمة لعانين وطعانين، كأننا لم نسمع بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان".

مهمة محاكم التفتيش اليوم تغيير هوية الناس فالانتماء إلى الإسلام ليس مهماً، وبدلاً من أن تسمع الناس تقول اللهم أنصر المسلمين في البلد الفلاني، تجدهم يقولوا اللهم أنصر السنة (حتى لو كان البلد خالي من غير السنة!!)، وعندما تجد أحدهم يناقش في الفقه أو العقيدة أو الأخلاق تجده يقول "هذا ليس من أخلاقنا نحن أهل السنة" أو "نحن أهل السنة نؤمن بكذا وكذا" حتى لو كان يناقش مسيحياً أو وثنياً.

لو قالها في معرض نقاشٍ مع شيعي لفهمت الأمر، لكن أن تقال بمناسبة وبدون مناسبة فهذا دليل على تخريب وتحوير في هويتنا الدينية والعقائدية، فعندما يترفع البعض عن قول "نحن المسلمون"، ويصر على قول "نحن السنة"، فهنالك خلل يجب الوقوف عنده.

يعيش الإنسان ضمن عدة دوائر انتماء ابتداءً من الانتماء للأسرة وانتهاء بالانتماء إلى الدين، ومروراً بالانتماء للعشيرة والوطن والمذهب، وكل إنسان يرتب انتماءاته، فمنهم من يضع العشيرة أولاً ومنهم من يضع انتماءه الوطني أو المناطقي أو الديني أولاً، وبالنسبة لي فقد تربيت على الانتماء للإسلام أولاً، ولم أتربى على الانتماء أولاً لهذا المذهب أو ذاك.

طبعاً أول سؤال سيقفز إليه مفتشو المحاكم: إذا كان انتماءك الأول للإسلام فما هو انتماءك الثاني؟ لن أجيب سؤالهم، ليس لأني لا أؤمن بالمذهب السني ولا لأني اعتبر الانتماء إليه أمراً غير مهم، بل لأني سئمت ألاعيب محاكم التفتيش، لأني سئمت تأكيد ما هو مؤكد، لأني قرفت نظرات الفحص والتمحيص للطريقة التي أقول بها "رضي الله عنه" (لتتأكد إن كانت طريقة لفظي ممتلئة بالتقية أم أنها طريقة سنية من سني مخلص).

طفح الكيل ولم أعد أقبل أن يلبسني الناس طرابيش وأدوار وصفات لا أعرفها ولا أعلم بها، وسئمت الدين الجديد الذي يروجون له، والذي ينص على: "أنه يمكنك أن تسرق وأن تزني وأن تقتل وأن تسب الذات الإلهية، لا نطلب منك شيئاً سوى لعن لاعني الصحابة"، بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين.

لست أبالي بما سيرميني به مفتشو المحاكم، ولست أبالي بالتهم والقوالب الجاهزة، فأنا متأكد من نفسي ومن معتقداتي وهذا يكفيني، ولست مستعداً لأن أكون جزءاً من هذه اللعبة السخيفة ولا من حالة الهوس الجماعي لا متهَماً ولا متهِماً، أنا مسلم من شاء فليصدق ومن شاء فليكذب، وأنا أعرف خمسة أركان للإسلام ولست مستعداً لتبديلها أو زيادتها لأي سبب كان.

في المجتمعات المختلطة التي تتواجد بها أكثر من طائفة ومذهب، فمن الطبيعي أن تبرز الهوية المذهبية بين الحين والآخر نتيجة التنافس (أو حتى التناحر)، لكن ما نراه اليوم ليس مواجهة المذاهب الأخرى، بل عملية غسيل دماغ كاملة، وإعادة تركيب وعينا، يراد لنا أن نتكلم بطريقة يحددها غيرنا، وأن نفكر بطريقة يحددها غيرنا، وأن نستخدم مصطلحات معينة لا نحيد عنها، وأن نتفس هواءً يقرروا نوعه مسبقاً، وأن نلبس طرابيش يختاروها لنا.

باختصار: لن ألبس طربوشكم!

ملاحظة: "لن ألبس طربوشكم" هو عنوان كتاب للقيادي السابق في الجبهة الشعبية أحمد قطامش، ويتكلم فيه عن تجربته في سجون الاحتلال، وإن كنت لم أقرأ الكتاب إلا أنني وجدت العنوان يعبر عن ما بداخلي، وإن كان الاحتلال الصهيوني يريد تغيير هوية الأرض الفلسطينية، فمحاكم التفتيش تريد تغيير هوية الإنسان المسلم، وأنا لن استسلم لأي منهما مهما امتلك من قوة.