السبت، 20 أغسطس 2011

موقف حماس تجاه عملية إيلات


تشكل عملية إيلات النوعية علامةً فارقة في تاريخ العمل المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني، سواء من حيث طريقة التنفيذ أو مكان التنفيذ أو زمان التنفيذ، فالكلام يدور عن عملية مركبة ومتدحرجة ومكونة من عدة مراحل، استهدفت قوات الاحتلال واشتبكت معها ونصبت لها كمائن خلال المعركة التي استمرت لساعات طويلة في صحراء النقب، ومدينة إيلات (واسمها الفلسطيني أم الرشراش) كانت ولسنوات طويلة بعيدة عن عمليات المقاومة، وهي العملية الأولى التي تنطلق من سيناء تجاه فلسطين المحتلة منذ اندلاع الثورة المصرية، وهي أكبر عملية داخل فلسطين
تكون نقطة انطلاقها من خارج فلسطين منذ عملية الطائرة الشراعية عام 1987م.

وتشير أصابع الاتهام الصهيونية إلى لجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة، بالرغم من أن جنسية وعدد المنفذين وعدد الشهداء الدقيق ما زال غير واضحاً لحد الآن، وسط تقارير ومعلومات وأرقام متضاربة، وتصاعدت فوراً التهديدات الصهيونية الموجهة لحركة حماس ولقطاع غزة، ليقوم طيران الاحتلال في وقت لاحق باغتيال أمين عام لجان المقاومة الشعبية الشهيد أبو عوض النيرب.

في ظل هذه المعطيات صدر بيان عن حركة حماس يوم الخميس ليحذر الاحتلال الصهيوني من استهداف قطاع غزة، وينفي مسؤولية الحركة عن العملية وتؤكد على أن ميدان عملها المقاوم داخل فلسطين المحتلة وليس خارجها، مما دفع البعض للتساؤل عن سبب هذه اللغة الجديدة في خطاب الحركة، بل وزعم البعض أنها خطوة جديدة من الحركة تجاه إتباع سياسة مماثلة حركة فتح التي ترفض العمل المقاوم وإدامة التهدئة للأبد.

إلا أن ما غاب عن ذهن هؤلاء أن موقف حماس ليس بالجديد، فمنذ نشأتها تحرص حركة حماس على عدم الدخول في صدام مع الأنظمة العربية وخصوصاً في دول الطوق، لذلك تتبع سياسة عدم تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الصهيوني خارج فلسطين أو انطلاقاً من خارج فلسطين، ليس لأنها تخاف الاحتلال الصهيوني بل لأنها لا تريد الدخول في صدام مع الأنظمة العربية يحرف بوصلتها عن معركتها الحقيقية ضد الاحتلال الصهيوني.

هذه السياسة كانت موجودة في أواخر الثمانينات وفي التسعينات وطوال انتفاضة الأقصى، لم تتغير ولا يبدو أن حماس تتجه نحو تغييرها على المدى المنظور، وهي سياسة نابعة مما تراه الحركة استخلاص العبر من تجارب منظمة التحرير سواء في الأردن أو لبنان، سياسة نابعة من الحساسية المفرطة في الدول العربية من اتخاذ أراضيها منطلقاً لعمليات مقاومة ضد الاحتلال الصهيوني بما تراه توريطاً لها في معركة ليس أوانها.

وقد رأينا كيف رفضت الدول العربية مسيرات العودة وطلب المجلس العسكري من الثوار المصريين إلغاء مسيرة العودة المصرية، وفي لبنان قررت الحكومة منع مسيرة العودة الثانية، فإن كانت مسيرات شبابية سلمية تستفز الأنظمة العربية ولا تقبل بها فكيف بعمليات مقاومة مسلحة؟

لذلك فضلت المقاومة الفلسطينية عموماً وحماس تحديداً في السنوات العشرين الماضية أن تستخدم دول الطوق كممر وقاعدة خلفية لدعم المقاومة في الضفة والقطاع سواء من خلال تهريب السلاح أو التدريب وما إلى ذلك، والكثير من هذه النشاطات لا تتم بموافقة رسمية لهذه الحكومات والأنظمة بل بشكل من أشكال التغاضي أو المنع غير المشدد، وبعض هذه النشاطات يتم بموافقة الأنظمة بشرط أن لا يكون علنياً وأن لا يحرج هذه الأنظمة، لذا فأي استفزاز أو تجاوز للخطوط الحمراء قد يطيح بالقواعد الخلفية الضرورية للعمل المقاوم المسلح ذاته داخل فلسطين.

صحيح أن مصر ما بعد الثورة تغيرت ولم تعد حارس الحدود الصهيونية، لكن هنالك اعتبارين يجب أخذهما بالحسبان: الأول يجب أن ندرك محدودية ما يمكن لمصر أن تقدمه في هذه المرحلة، وكما يقول المثل الشعبي "إذا حبيبك عسل ما تلحسه كله"، والثاني أن الثورة المضادة وبقايا النظام السابق ما زالوا موجودين في الإدارة المصرية المدنية والعسكرية وهم يتربصون أي فرصة لكي يحرضوا ضد الدولة المصرية، فلا يجوز أن تقدم لهم الحجج والذرائع على طبق من ذهب.

وبالتالي لا معنى لاتهام حماس بأنها تغير من سياستها، لأن هذه السياسة بالذات وكما رأينا هي سياسة قديمة ولها أسبابها وفوائدها على المقاومة المسلحة نفسها، ربما يجادل البعض بأن هنالك مبالغة أو أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب ولا يجب غلق الحدود، وأنا من أنصار تسخين الحدود مع الاحتلال الصهيوني وفتح جبهات جديدة للمقاومة واستنزاف العدو الصهيوني، لكن بدون الدخول بمواجهة مع الحكومات العربية تضيع بوصلة المقاومة، وأسهل وصفة للصدام مع هذه الحكومات هو العمل العلني واستفزازها بالتبني العملي لهذه العمليات.

فلماذا لا تكون عمليات ينفذها مجهولون وتقيد ضد مجهولين؟ ما المانع؟ ألم تصل الرسالة إلى الصهاينة؟ ألم يتم استنزافهم نفسياً وعسكرياً ومالياً؟ أليس هذا هو المطلوب؟ لماذا يطلب من حماس أن تتباهى بالعملية بشكل يحرج ويستفز النظام المصري؟ هل هذا هو المطلب؟ هل خصومة حماس مع النظام المصري أم الاحتلال الصهيوني؟

كما أن بيان حماس واضح وضوح الشمس في البند الأول والبند الثالث عندما يحمل الاحتلال مسؤولية العملية، وأنه ما دام احتلال فهنالك مقاومة، وهو كلام أكده في وقت سابق من صباح الخميس الدكتور صلاح البردويل، عندما قال أنه ليس من سياسة حماس العمل من الخارج وبالتالي ليست هي المنفذة، لكن وجود الاحتلال يعني وجود المقاومة.

فالخوف الذي يتبادر لذهن البعض بأن حماس بدأت بالتهرب من نهج المقاومة وأنها ربما غير راضية عن العملية ليس في مكانه، وإلا فما معنى أن جميع وسائل الإعلام التابعة لحماس المرئية والمقروءة والمسموعة كانت وما زالت تحتفل وتتغنى بهذه العملية؟ وما معنى تحميل الاحتلال مسؤولية العملية وأنها رد فعل طبيعي على وجود الاحتلال؟

والأكثر من ذلك أن الجهة المتهمة بتنفيذ العملية وهي لجان المقاومة الشعبية معروف عنها قربها الشديد لحركة حماس، وربما أقرب تنظيم فلسطيني لحركة حماس في قطاع غزة هي اللجان، وأكثر المحللين وقادة الاحتلال يقولون أن اللجان ليست إلا أداة تستخدمها حماس لتنفيذ العمليات عندما لا تريد أن تكون هي بالواجهة، أو بكلام آخر تستخدم علاقتها باللجان من أجل توزيع الأدوار، وأن اللجان لا تنفذ عمليات بدون إذن وموافقة حماس.

فهل نفذت اللجان هذه العملية بالذات بعلم حماس؟ أم كانت مبادرة فردية من بعض عناصر اللجان؟ أم كان هنالك إذن بعملية أصغر حجماً لكن الظروف تهيأت لتكون بمثل هذه القوة؟ أم أن اللجان لا علاقة لها أصلاً بالعملية من قريب أو من بعيد؟ هذه أمور من الصعب التكهن بها في هذه المرحلة، لكن الأمر الثابت هو أنه لا داعي لأن تتبنى حماس لغة تتبنى العملية أو تدافع عنها بشكل فاقع ومبهرج كما يطالبها البعض، فلتبقى الأمور مقيدة ضد مجهول وليتحمل الاحتلال مسؤولية أي تصعيد يحصل.

ليست هناك تعليقات: