الأربعاء، 24 أغسطس 2011

انتصار الثورة الليبية وانتصار أخلاق الإسلام


تميزت الثورة في البلد الذي شهد مولد الدعوة السنوسية والتي نشرت التعليم والالتزام الإسلامي في أرجاء الصحراء الكبرى، وبلد المجاهد الكبير عمر المختار، بطابعها الإسلامي المميز بالرغم من اثنين وأربعين عاماً حكم بها صاحب النظرية العالمية الثالثة حاول خلالها جاهداً مسح خلق وأخلاق الإسلام من ضمير ووجدان الشعب الليبي.

تميزت الثورة الليبية بالتكبير والتهليل طوال مراحلها، وبشعاراتها الدينية التي رفعها الإسلاميون وغير الإسلاميين، إلا أن انتصار الثوار في طرابلس وباب العزيزية أثبت وبشكل قاطع أن الإسلام الذي حمله الثوار لم يكن مجرد عبارات وشعارات تردد، ولا مجرد طقوس وشعائر تمارس، بل هو خلق أصيل ينعكس على كل تصرفات ومواقف القوم.

فمن يسمع قادة الثورة الليبية بالأيام الأخيرة ابتداءً من مصطفى عبد الجليل إلى محمود جبريل إلى الشيخ عبد الكريم بلحاج إلى أصغر قائد ميداني، لا يكاد يسمع إلا التوصية بدماء الليبيين، ولا يسمع إلا الطلب من الثوار والمدنيين الصفح والعفو وعدم الثأر وعدم الانتقام من مؤيدي وأزلام القذافي، بالرغم من جرائمهم التي يندى لها الجبين طوال السنوات الماضية وطوال أشهر الثورة الستة.

وفي حين أنه من طبع البشر اللجوء إلى الله في أحلك الظروف وأظلمها، وفي الوقت الذي يتذكر الناس العدل عندما يكونون مظلومين، فمن السهل جداً أن تنسيهم نشوة الانتصار عهدهم الذي عاهدوا الله عليه، ومن السهل جداً أن ينسوا العدل عندما يكونوا مقتدرين ويستطيعون ظلم الآخرين، إلا أن مصطفى عبد الجليل لم يذكر في لحظات الانتصار إلا العدل والإنصاف تجاه خصومه وتجاه أعدائه، وأبى عبد الكريم بلحاج إلا أن يطلب من جنوده ضبط النفس وعدم ظلم من ظلموه وعذبوه ونكلوا به من قبل.

لم ينس الثوار في لحظة الانتصار قوله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"، لم ينس الثوار خلق الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم عندما دخل مكة فاتحاً منتصراً وبدون مقاومة تذكر ليقول لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فما أروعها من مقارنة: انطلقت عملية تحرير طرابلس في ذكرى فتح مكة، وحصلت مواجهات محدودة وحقنت الدماء بما يشبه فتح مكة، لنسمع بعدها دعوات الصفح والعفو تأسياً بفعله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة.

ذكرنا ثوار ليبيا أن الإسلام ليس فقط صلاة وصوم وقيام ليل، بل هو إيمان وعمل، خلق وأخلاق، أو كما علمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" – صححه الألباني. خلق العفو عند المقدرة والصفح عن من ظلمك هو خلق الإسلام، هو روح الإسلام وجوهره.

شكراً لثوار ليبيا الذين ذكرونا بسنة الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وسنة صحابته الكرام، في هذا الشهر الفضيل، وأكدوا لنا أن النموذج النبوي ليس مجرد نموذج نظري جميل، بل يمكن تطبيقه في عصرنا الحالي وفي مجتمعاتنا الحديثة.

أدرك أن هنالك تجاوزات ستحصل، فمن الصعب السيطرة على عشرات الآلاف وانفعالاتهم واندفاعهم في مثل هذه اللحظات، لكن عندما تخرج الدعوة من القادة وبشكل حثيث (وليس دعوات رفع عتب) فهذا سينعكس على الأرض بكل تأكيد، وآمل أن يكون ثوار ليبيا وأبناء الشعب الليبي على قدر الالتزام بهذه الدعوات وأن يقدموا نموذجاً حياً للصحابة رضوان الله عليهم.

بعد انتصار الثورة الفرنسية أعدم الآلاف من طبقة النبلاء بينهم أطفال ونساء، بل وأعدم الثوار بعضهم البعض، وكذا الثورة البلشفية في روسيا حصدت أرواح خمس ملايين إنسان بينهم أطفال القيصر أعدمهم الثوار بدم بارد وأخفوا قبورهم، فيما تقدم الثورات العربية نموذجاً حضارياً للثوار هذا ما شهدناه في تونس ومصر واليوم في ليبيا.

بعد أن كان ينظر العالم للعرب على أنهم مجموعة من الشعوب الفقيرة الاتكالية المتخلفة، بدأ ربيع الثورات بتغيير هذه النظرة، وبدأ العالم يتعلم من العرب كيف يثورون على الظلم وكيف ينتزعون حقوقهم بسواعدهم العارية، وكيف يواجهون الموت ليهبوا الحياة لقومهم، واليوم يتعلم العالم من الثورة الليبية كيف يترجم العفو عند المقدرة على أرض الواقع، خلق إسلامي جديد يتعرف عليه العالم.

وألف مبارك لأهل ليبيا هذا النصر المبين، ونأمل لهم كل خير.

ليست هناك تعليقات: