السبت، 3 سبتمبر 2011

عندما تشجب سلطة محمود عباس تصريحات نجاد

أثارت تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قبل حوالي الأسبوع غضب سلطة محمود عباس، وجاءت تصريحاته بمناسبة "يوم القدس" مطالبة بالقضاء على الكيان الصهيوني وداعمة لخطوة السلطة الذهاب إلى الأمم المتحدة من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على أساس أنها خطوة أولى نحو تحرير فلسطين.

فما كان من السلطة ألا أن أصدرت بياناً تشجب فيه تصريحات نجاد، ليس لأنه "يزايد" عليها ويريد أن يظهر أكثر حرصاً على القضية الفلسطينية منها، بل لأنها ترفض كلمة "القضاء على الكيان الصهيوني"، وتنظر لها بريبة لأنها تشكك "بالنوايا الفلسطينية وصدق التزامنا بحل الدولتين على حدود عام 1967م".

وحتى تضفي على موقفها هذا المسحة الوطنية اتهمت تصريحات نجاد بأنها لا تخدم إلا أهداف "اليمين الإسرائيلي"، ويبدو أن كاتب البيان لا يعلم أنه لا يوجد اليوم سوى اليمين الصهيوني وأن اليسار انهار منذ فترة ووجوده هامشي، فأكبر أحزاب الكيان محسوبة على اليمين: كاديما – يمين الوسط، الليكود – اليمين، إسرائيل بيتنا وشاس – اليمين المتطرف.

وهي ليست أول مرة تتخذ السلطة مثل هذا الموقف فلطالما حاولت تصوير كل موقف معادي للكيان الصهيوني على أنه يتم بتوجيهات إيرانية، مثلما تصف عمليات حماس المسلحة ضد الاحتلال، وهي مواقف خطيرة وغير مقبولة فالقول بأننا نريد دولتين تعيشان بسلام وبصدق ليس مجرد كلام يقال لإرضاء الغرب، بل هو جزء من إعادة برمجة الشعب الفلسطيني وغسل دماغه بحيث تتبدل ثوابته لتصبح حماية أمن الكيان بدلاً من تحرير فلسطين.

والأخطر من ذلك أن إدانة السلطة لكلام نجاد يقوي الكيان الصهيوني في مواجهة الشعب الفلسطيني، لأنه عندما يدافع أصحاب الحق المباشر عن وجود هذا الكيان العنصري فماذا بقي لباقي العالم؟ هذا كيان شرعي وما يقوم به من جرائم سابقاً ولاحقاً هو عمل مشروع للدفاع عن النفس.

بدلاً من ذلك يجب أن يدرك العالم كله أن إزالة المشروع الصهيوني هو مطلب عادل أولاً وقبل شيء، وهو مطلب الشعب الفلسطيني وهو مطلب العرب والمسلمين كلهم، وليس مشروعاً إيرانياً ولا حمساوياً، لا نريد إلقاء اليهود في البحر ليأكلهم السمك لكن وجود كيان عنصري قائم على اضطهاد وتهجير شعب بأكمله هو أمر يرفضه أي إنسان يحمل ذرة عدالة وإنصاف.

السلطة اعتبرت تصريح نجاد محرجاً لها في لحظة توجهها للأمم المتحدة، ومعيقاً لنيلها الدعم الدولي من أجل الإعلان عن الدولة، لكن هل هذا صحيح؟ أمريكا تشن حملة واسعة النطاق لإفشال مخطط السلطة، لكن ما هو مبررها لإقناع دول العالم؟ أمريكا تقول للعالم أن هنالك مفاوضات ثنائية بين السلطة والكيان الصهيوني ومن الخطأ اتخاذ أي قرار يخرب المفاوضات، وفي الواقع أمريكا استخدمت المفاوضات ذريعة لإفشال كافة القرارات في الأمم المتحدة في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة.

تتكلمون عن سحب الذرائع؟ المفاوضات أول ذريعة لإفشال إعلان الدولة، اسحبوها وأعلنوها للعالم: المفاوضات مع الكيان الصهيوني من أجل إقامة الدولة الفلسطينية فشلت لأن الكيان يماطل ويراوغ، وعليه قررنا وقف المفاوضات وكل العلاقات مع الكيان الصهيوني، ونريد التوجه إلى العالم من أجل استخدام كافة أشكال القوة لمحاربة الكيان الصهيوني وإجباره على الانسحاب من أراضي الدولة الفلسطينية المنتظرة. هل تجرؤ السلطة على اتخاذ مثل هذا الموقف؟

وأكثر من ذلك فالمستعرض لمواقف السلطة الأخيرة يكتشف أنها تنوي التراجع عن إعلان الدولة تحت الضغط الأمريكي، وإنما فقط تنتظر الإخراج المناسب لذلك، ابتداء من كلام أبو مازن عن أن خطوة التوجه للأمم المتحدة ستعيد الحصار المالي للسلطة وأنه مستعد للتراجع عن الخطوة مقابل ضمانات حقيقية للتفاوض (بعد قليل سينزل سقفه لضمانات غير حقيقية)، وانتهاء بالإشاعات التي بدأت السلطة ببثها في المجتمع الضفاوي بأن جيش الاحتلال يقوم بتنظيف الحواجز من أجل إعادة نصبها فور إعلان الدولة والتسريبات الصحفية بأن الأردن نصح السلطة التراجع عن خطوة إعلان الدولة حتى لا تتضرر حقوق اللاجئين.

فهل يعقل أن نقدم للكيان الصهيوني هدية الدفاع عن حقه بالوجود ومقابل ماذا؟ لا شيء!! بالكثير ستكون هنالك عودة للمفاوضات إياها مع وعد بتخفيض وتيرة بناء المستوطنات، هذه المستوطنات التي تقوم السلطة بشرعنتها بطرق عدة أخطرها ما أقدمت عليه السلطة قبل فترة وجيزة عندما توجهت إلى الإدارة المدنية التابعة للاحتلال والمسؤولة عن المناطق (ج) في الضفة الغربية من أجل انتزاع أراض فلسطينية لإقامة مكب نفايات.

انتزاع أراضي خاصة من أجل المنفعة العامة هي خطوة طبيعية تتم في كل دول العالم، لكن الخطير في خطوة السلطة أنها طلبت من الاحتلال أن ينتزع لها ملكية هذه الأراضي بمعنى أنها تعترف له بالسيادة على الأرض والأكثر من ذلك تشرعن المستوطنات التي ملأت الدنيا صراخاً وهي تقول أنها غير شرعية، وخصوصاً أن قسم كبير من أراضي المستوطنات تمت مصادرتها تحت مسمى انتزاع أراضي خاصة من أجل المنفعة العامة.

من يريد سحب الذرائع من اليمين واليسار الصهيوني لا يستنكر تصريحات تطالب بزوال الكيان الصهيوني، بل يسحب ذريعة المفاوضات التي ترتكب تحت ستارها تجاوزات لا تعد ولا تحصى، ولا يعطي ذرائع تشرعن المستوطنات ووجودها في الضفة الغربية.

ليست هناك تعليقات: