الجمعة، 9 سبتمبر 2011

استحقاق ايلول والصفقة التي يريد عقدها عباس

مع اقتراب موعد توجه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة بنيويورك للمطالبة باستحقاق الدولة الفلسطينية تزداد التكهنات بما ستكون النتيجة، وبما سيحصل على الأرض في الضفة الغربية، وبما ستكون ردة فعل الكيان الصهيوني على إعلان الدولة، لكن ما لا يدركه أغلب الناس أن محمود عباس يخطط لصفقة يلغي من خلالها كل مشروع إعلان الدولة ومقابل ماذا؟ عملياً سيكون مقابل لا شيء.

قد يتساءل البعض وهل يعقل أن كل هذه التحضيرات لإعلان الدولة والاتصالات والتصريحات الرافضة للضغوط الأمريكية واجتماع جامعة الدول العربية وقرارها بالتوجه إلى الأمم المتحدة، ويأتي بعد ذلك محمود عباس ليقرر بكل بساطة أن ينسحب ولا يكمل المشوار؟

كل المؤشرات تقول أن عباس يخطط للتراجع، وأولها تاريخه الطويل بالتراجع أمام الصهاينة: هل تذكرون عندما قال لن نذهب للمفاوضات إلا بوقف الاستيطان ثم ذهب إليها بعد أن حصل على وعد بتباطؤ الاستيطان (بدل الوقف التام كما يقول) ولمدة ثلاثة شهور فقط؟ وهل تذكرون عندما قال أنه سيضحي بالمساعدات المالية مقابل إنجاز المصالحة مع حماس، ثم عاد وتراجع وأصر على سلام فياض حتى لا يعود الحصار المالي؟ وهل تذكرون تراجع السلطة عن تقرير غولدستون ولولا الفضيحة لمضى الأمر بدون محاسبة؟

المؤشر الثاني هو تصريحات وتلميحات عباس والطاقم المحيط ففي أحد تصريحاته الأسبوع الماضي حرص عباس على تذكير الناس بأن المضي بخطوة إعلان الدولة سيؤدي لعودة الحصار المالي، وفي نفس اللقاء قال أنه لن يتخلى عن الخطوة ولن يعود إلى المفاوضات إلا بضمانات حقيقية، يعني أنه فتح الطريق أمام العودة للمفاوضات والتخلي عن إعلان الدولة.

وفي تصريحات لاحقة قال عباس أنه في كل الأحوال يجب العودة إلى المفاوضات مع الكيان الصهيوني. كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز معلومات عن مخططات أمريكية لإعادة إحياء المفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة مقابل تراجع محمود عباس عن خطوته.

واجتمع يوم الأربعاء عباس مع المبعوثين الأمريكيين دينس روس وريتشارد هيل، وقيل أنهما فشلا بإقناعه بالتراجع عن الذهاب إلى الأمم المتحدة واستئناف المفاوضات الثنائية مع الاحتلال الصهيوني، كما سيأتي توني بلير الأسبوع القادم ومعه مقترح بتراجع السلطة عن الذهاب إلى الأمم المتحدة مقابل إصدار بيان من اللجنة الرباعية ينص على استئناف المفاوضات بين الكيان والسلطة.

وهنا يجب الوقوف عند كلمة إحياء المفاوضات لأن السلطة قررت أصلاً التوجه إلى الأمم المتحدة لأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود والصهاينة لم يكونوا مستعدين (وما زالو غير مستعدين) لتقديم أي تنازلات تدفع بالمفاوضات قدماً، وبالتالي وصلت السلطة إلى نتيجة أنه لا فائدة من الاستمرار بمفاوضات عبثية وأنه يجب على المجتمع الدولي حل القضية الفلسطينية، وبالتالي فالعودة إلى المفاوضات المباشرة بين الكيان والسلطة معناه التراجع عن خطوة إعلان الدولة.

وتمهيداً للتراجع عن الخطوة بدأت ماكنة الإعلام التابعة للسلطة ببث الإشاعات والتوقعات السوداوية، من بينها تسريبات صحفية عن نصيحة أردنية للسلطة بأن لا تطلب إعلان الدولة حتى لا تضر بحقوق اللاجئين وهذا حتى تضفي الصبغة الوطنية على التراجع عن الاستحقاق والعودة للمفاوضات العبثية، ومن بينها التسريبات عن ضغوط دول عربية مختلفة على السلطة و"حصارها مالياً" حتى تتراجع عن استحقاق أيلول.

وهنا يجب الانتباه لللعبة القذرة التي تمارسها السلطة: في لحظة ما تقول لنا أن الأموال تأتي من أوروبا ويجب الخضوع للشروط الأوروبية التي خلقت لنا الازدهار الاقتصادي، وفي لحظة أخرى تقول أن الأموال تأتي من الدول العربية وأنها تأخرت بالدفع مما تسبب بالأزمة المالية التي تعاني منها السلطة، بمعنى آخر إن كان هنالك استقرار مالي فهذا بفضل الأوروبيين، وإن كان هنالك أزمة مالية فبسبب العرب، وفي كلتا الحالتين يجب الخضوع للإملاءات الصهيو – أمريكية حتى تضمن السلطة تدفق أموال المساعدات.

ونشير هنا إلى كذب زعم السلطة عن حصار مالي عربي: فقبل عدة أشهر وصلت دفعة من الجزائر لدفع الرواتب، تلتها دفعة من السعودية، وبعد الأزمة المالية الأخيرة هنالك كلام عن دفعة من الكويت، فضلاً عن دفعات أخرى تصل من الدول العربية، ونتساءل هنا وأين تذهب الضرائب التي تجمعها السلطة؟ وأين تذهب أموال الدعم الأوروبي؟ وأين تذهب 300 مليون دولار ضريبة القيمة المضافة التي يجمعها الكيان كل عام من التجار ويسلمها للسلطة؟ فقط نسمع عن الأزمة الاقتصادية لنبرر التراجع عن استحقاق أيلول.

ومن الإشاعات التي تنتشر بالضفة أن الصهاينة يقومون بتنظيف الحواجز العسكرية الرئيسية (مثل حوارة والكونتينر) تمهيداً لإعادة نصبها بعد الإعلان عن الدولة الفلسطينية، فنجد أنفسنا أمام حملة إعلامية تريد إقناع الناس بأن من الأفضل والأسلم عدم الانتحار وعدم المضي قدماً بمخطط إعلان الدولة الفلسطينية.

كيف سيكون شكل التراجع؟ حسناً السلطة تبحث حالياً عن صيغة تحفظ ماء وجهها، والعودة إلى المفاوضات هو جزء من الصيغة لكنها تبحث عن إنجاز ولو شكلي مثل تخفيض وتيرة الاستيطان، لكن حتى هذه يبدو أن الصهاينة لا يريدون إعطاءها لهم، ومن هنا إلى العشرين من أيلول ستجد السلطة أكثر من طريقة للتنازل، وقد يكون تعديل طلبها المقدم إلى الأمم المتحدة أو تأجيله إلى العام القادم (بحجة حشد المزيد من الدعم) سيناريوهات محتملة؛ لننتظر ونرى.

وفي هذه اللحظة يجدر الإشارة إلى الأثر الضار الذي يحدثه المشككون بخطوة إعلان الدولة من كلام عن أنها ستقضي على حق العودة: فمن ناحية محمود عباس لن يعلن عن هذه الدولة، ومن الناحية الأخرى هم يوفرون له ذريعة للتراجع والخضوع للإملاءات الصهيو – أمريكية، وأخيراً يجب استيعاب أن قيام الدولة بحد ذاته ليس أمراً سيئاً والفرق بين الدولة السيئة والجيدة يكمن في مواصفات وشروط هذه الدولة، فالرفض بشكل مطلق سيخرب مستقبلاً على أي دولة حقيقية تكون نواة لتحرير باقي فلسطين.

ومن المهم أيضاً أن لا تمر هذه الصفقة مرور الكرام، لأن هذا سيعيدنا لنفس مربع المفاوضات العبثية، ولأن هذا يعني الطعن بجهود كل من ساعد السلطة من الدول العربية والغربية والأفريقية والآسيوية، ورسالة سيئة لكل أنصار القضية الفلسطينية وهي أن رضا الصهاينة والأمريكان أهم منكم ومما تقومون به.

وهنا نشير إلى المقابلة مع أمير قطر والتي بثتها فضائية الجزيرة مساء الأمس حيث ذكر وجود اتصالات أمريكية طلبت منه إقناع السلطة بالتراجع عن الاستحقاق، فرفض وقال لهم هذا حق للفلسطينيين، ومثل الأمير حمد هنالك العشرات من الرؤساء والقادة تعرضوا لنفس الضغوط، ما سيكون موقفهم وهم يرون أن ما دافعوا عنه بقوة يتنازل عنه محمود عباس بكل سهولة؟

السلطة أخذت عشرات الفرص، وكل مرة تقول هذه المرة الحاسمة لتأتي وتمدد وتطلب فرصة جديدة، آن الأوان لأن نقول انتهى عهد الفرص يا سلطة محمود عباس.


ليست هناك تعليقات: