الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

رداً على المغالطات التاريخية لمرشح الرئاسة الأمريكية جينجرتش ومزاعمه بأن الشعب الفلسطيني تم اختراعه



أثارت كلمات مرشح الرئاسة الأمريكية نيوت جينجرتش عن الشعب الفلسطيني ضجة  كبيرة نظراً لما تحمل من جهل مدقع بالتاريخ وتحريضه على الشعب الفلسطيني وتبرير عمليات الإبادة العرقية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني.

جوهر كلام جينجرتش يدور حول أنه لم يكن هنالك شعب فلسطيني قبل عام 1948م وأنه تم اختراعه من قبل "الجيران الأشرار للإسرائيليين المساكين"، حتى يكون أداة لمحاربة دولة إسرائيل.

وأود التنبيه إلى أنني لن أرد على جميع مغالطاته التاريخية، حيث يفضل أن يرد عليه باللغة الإنجليزية فما يحمله من أفكار منتشر بين الأمريكان والغربيين بشكل كبير وبحاجة لمن يوضح الصورة ويصححها، ولن أتكلم عن كيف قامت "دولة إسرائيل" على أنقاض شعب آخر بعد أكبر عملية تطهير عرقي شملت طرد مئات الآلاف من بيوتهم قهراً وبالقوة ومنعهم من العودة بحجة الحفاظ على يهودية الدولة، ولن أتكلم عن الحق التاريخي بفلسطين فهذا يطول الكلام فيه.

أريد تناول حديثه من زاوية محددة تتعلق بالرواية التاريخية المزورة التي يحملها، والتي تنكر أنه كان هنالك شيء اسمه فلسطين أو الشعب الفلسطيني قبل المشروع الصهيوني، والتي تنكر أن هنالك شعباً قائماً بحد ذاته كان يعيش على الأرض، وأن الفلسطينيين بالتالي مجرد وافدين عرب على هذه الأرض، و"قد أساؤوا أدب الضيافة فاستحق طردهم".

وللعلم فقد تخلى أغلب الصهاينة عن هذه الرواية التاريخية لركاكتها ومناقضتها لأبسط بديهيات التاريخ، ويتبنون رواية أكثر واقعية وصراحة وأيضاً أكثر وقاحة، وهي أن الشعب الفلسطيني خاض حرب وخسرها والخاسر يجب أن يدفع الثمن.

سميت هذه الأرض بفلسطين نسبة إلى القبائل التي أتت من بحر إيجة واختلطت بالكنعانيين ويبدو أن الغلبة والسيطرة كانت لهم، فأصبحت تعرف الأرض باسمهم، وقد خاضوا في وقت لاحق حروب مع اليهود، وللمفارقة التاريخية كان الفلسطينيون وقتها يتمركزون في الساحل بينما اليهود في المناطق الجبلية، على العكس تماماً من يومنا هذا حيث يتمركز اليهود في الساحل وتحديداً ما حول تل أبيب وهي مناطق لم تكن يوماً تحت حكم اليهود حسب إجماع الروايات التاريخية، فيما يتمركز الفلسطينيون في المناطق الجبلية بالضفة الغربية ومرتفعات الجليل (المنطقة التي قامت عليها مملكتي يهودا وإسرائيل في العصور القديمة).

وكان الرومان من رسخوا اسم فلسطين وعندما جاء العرب استخدموا أيضاً اسم فلسطين، مثلما نجد مثلاً في الفلس الأموي بالصورة أدناه، وقد كتب عليه أنه ضرب في فلسطين، فقد كانت فلسطين في العصر الأموي ولاية مستقلة، واهتم الأمويون العرب بفلسطين حيث شهدت في العصر الأموي عصر ازدهار كبير، وما زالت آثارهم باقية حتى اليوم، ومن بينها القصور الأموية الأربعة الملاصقة للجدار الجنوبي للمسجد الأقصى والتي استولى عليها الصهاينة تمهيداً لضمها لمشاريع تهويدية مع تغيير معالمها وتاريخها.

والقبائل العربية سكنت فلسطين قبل الفتح الإسلامي، عندما استقرت قبيلتي لخم وجذام في فلسطين، بالإضافة لقضاعة وعاملة وغيرها من القبائل التي نزحت من اليمن وجنوب الجزيرة بعد خراب سد مأرب، وقد سماها بعض المؤرخون المعاصرون لتلك الفترة ببلاد لخم وجذام، وقدمت القبائل العربية التي تعود أصولها إلى شمال الجزيرة إلى فلسطين مع الفتوح الإسلامية، وعرفت القبائل القادمة من جنوب الجزيرة باليمنية والقادمة من شمال الجزيرة بالقيسية.

ولحد يومنا هذا أغلب العائلات والعشائر الفلسطينية هي مقسومة بين القيسية واليمنية، مع وجود نسبة اختلاط ومصاهرة كبيرة بينهم، بما فيها تلك العشائر والعائلات من الأصول غير العربية والتي وفدت إلى فلسطين في عصور لاحقة، فقد اندمج الجميع في نظام اجتماعي عشائري لم يتغير كثيراً منذ الفتح الإسلامي.

وإن لم تكن هنالك دولة مستقلة باسم فلسطين طوال هذه السنوات فهذا لا يلغي وجود كيان فلسطيني، فعلى مدار التاريخ الإسلامي كانت ولاية مستقلة وانتهاء بالعهد العثماني، حيث كانت تعرف بسنجق القدس، وإن كان جينجرتش يقول أن فلسطين كانت تابعة للدولة العثمانية ولم تكن دولة مستقلة، فهل كانت فارغة من السكان وأصبحت أرضاً مشاع بعد زوال حكم العثمانيين؟

وهنا نتوقف مع أكبر المفارقات في طرح جينجرتش، فعند قدوم الاحتلال البريطاني وإعطائه لليهود وعد بلفور، والبدء بتنفيذ المشروع الصهيوني وبنائه، كان المهاجرون الصهاينة يستخدمون مسمى فلسطين في معاملاتهم وأشغالهم وحتى مطالبهم السياسية، فهل كانوا هم أيضاً جزءً من مؤامرة اختراع الشعب الفلسطيني؟



ولمن يتكلم عن شعب تم اختراعه أريد أن أحيله إلى صورة عملة الجنيه الفلسطيني أدناه، وهي ليست عملة فلسطين أثناء الاحتلال البريطاني، بل هي أول عملة لدولة "إسرائيل"! وهي صورة مأخوذة من موقع "بنك إسرائيل" الحكومي المسؤول عن إصدار العملة في الكيان الصهيوني.

ويروي الموقع قصة هذه العملة وسبب تسميتها بالجنيه الفلسطيني (مما يتناقض مع سعي الصهاينة بعد عام 1948م لطمس كل ما يشير إلى فلسطين وحذفه)، فعندما كان الصهاينة يحضرون لقيام دولتهم عام 1947م قرروا أن يرسلوا لأحد المطابع المختصة في أوروبا لكي تطبع عملة دولتهم الجديدة، لكن واجهتهم مشكلة وهي أنه لم يكونوا قد استقروا على اسم هذه الدولة بعد، فاتفقوا على طباعتها حسب اسم العملة الموجودة أي الجنيه الفلسطيني.

فاعتمدوا مسمى الجنيه الفلسطيني واستمرت هذه العملة بالتداول لحد عام 1955م عندما استبدلت بعملة تخفي أي إشارة لفلسطين، بمعنى آخر لم يكن الصهاينة يعرفون ماذا سيسمون دولتهم حتى آخر لحظة، ولم يكن لهم شيء يبنون عليهم حاضرهم سوى فلسطين التي أخذوها غنيمة حرب بعد أن طردوا أهلها وشردوهم شر تشريد.

هناك 8 تعليقات:

أم كوثر يقول...

جزاكم الله خيرا على هذه الإفادات

لا جينجريتش ولا غيره ممن لم يقرؤوا التاريخ الحقيقي لفلسطين سيلقننا دروسا في فهم الصراع بين العرب والصهاينة أو من لهم الحق بالأرض فمن كتاب ربنا نستقي الأحقية لمن تكون فالأرض أولا وآخرا لله يرثها عباده الصالحون فالقرآن فيه من الشواهد على كينونة وطبيعةهذا الكيان الكثير فهم لا زالوا يحلمون بالهيكل المزعوم ولازالت تعشعش في عقولهم مقولة أنهم شعب الله المختار رغم ما أحدثوه من أعمال مشينة إستحقوا غضب الله واللعنةوالطرد من رحمة الله ليس ظلما لهم بل بما كسبته أيديهم فما من بلد حلوا فيه إلا ونفثوا فيه سمومهم هذا ليس تجنيا عليهم بل الشواهد التاريخية هي التي تحكي وهي الشاهد عليهم وعلى أعمالهم فهم زوروا الحقائق فقرآننا الفيصل بيننا وبينهم الأرض إن تاريخيا فهي للفلسطينين فهم من سموا بالكنعانيين أما هيكلهم فما هو إلا معبد أحدثوا فيه من المناكر مالا يحصى ومن الموبقات الكثير فدمّر فهم لا همهم لا أرض ميعاد ولا وعد السماء كما يدّعون هم همهم السيطرة على العالم وخلق قوة شر تتحكم في كل البشرية ألم يملؤوا كتابهم المحرف بخزعبلات قالوا فيها أننا أممين وما خلقنا الله على صورة بشر فقط إلا لنخدم الشعب المختار !!!!أما نحن في الأصل حسب زعمهم حيوانات أستغفر الله فيا أخي الكريم لا تعوزنا الإثباتات أننا معنا الحق ما يعوزنا هو كيف نوصل الحق ونكشف زيف الغرب وزيف الصهاينة ونرجع حق المسلمين كل المسلمين في مقدساتنا وأقصانا والله يا أخي الكريم العيب فينا لا فيهم نحن من بلغ بنا الضعف والهوان كل مبلغ وإلا أخبرني عبر الزمان هل فتح اليهود بلدة ؟؟!!والتاريخ يروي لنا جبنهم وخوفهم وعجزهم ومكرهم هم لا يجيدون غير فن إشعال الفتن والمؤامرات والدسائس هذا فن يتقنوه جيدا..أمام ضعفنا وتشردمنا وتناحرنا وبعدنا عن عزتنا بديننا الذي هو عصمة أمرنا وفيه كرامتنا فليقولوا ماشاؤوا هذا لن يغير من أننا أصحاب الأرص وأصحاب ولنا الحق إن شاء الله في مقدساتنا وسنورث هذا الحق لأولادنا لحتى يدودون عنه ويحققوا ما عجزنا عن تحقيقه نحن ..ياربي آمين

ياسين عز الدين يقول...

شكراً لك أختي الفاضلة على مداخلتك الطيبة.

لسنا بحاجة لمعلوماته أو قناعاته لا هو ولا غيره، فنحن مقتنعين بعروبة وإسلامية هذه الأرض.

لكن أحببت الإشارة إلى بعض المعلومات التاريخية، لأن فهم التاريخ يساعدنا في معركة الحاضر. والله الموفق.

أم كوثر يقول...

أخي الكريم ياسين والله أنا لم أعترض علاما جاء في مقالك
لذلك حتى لا يفهم مداخلتي على أنها معارضة مني لمقالك حطيت قبل أن أتطرق للرد حطيت جزاكم الله على كل الإفادات
بالعكس المقال وصاحب المقال يساهامان في تنويرنا ومعرفة كل جزئيات تاريخنا جزاك الله خيرا فمن خلال مقالاتك زدت علما بقضية فلسطين . المقال أنار لي أحداث كنت أجهلها لا والله ليس إنتقاصا من المقال ولا صاحبه معاذ الله كل ما أقرءه في مقالاتك إلا وأحكيه لأولادي لحتى يعرفوا كل ما فاتهم وإذا كنت أنا أو غيري يعرف بأحقية فلسطين فالكثير لا يفهمون حقيقةالصراع وهناك الكثير يجهل جوهر الصراع هناك من يشعرك باليأس ويدعي لليهود ما ليس لهم خصوصا وأن اليهود لا يجيدون غير الحكي عن هلكوست ويستجدون الغرب بمظلوية كاذبة والمظلومية الحقة هي الشعب الفلسطيني وأكبر هلكوست هي حرب على غزة يا أخي لو الكل عنده وعيكم بالقضية لتحررت الإرض ونعرف أن هناك بعض يحسب على الفلسطينيين للأسف يجهلون كل ما تفضلت به وما أفدتمونا به بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا وأنا أعتذر منكم يمكن لم أعرف أن أوصل فكرتي جيدا لكم ..أرجو المعذرة

غير معرف يقول...

السلام عليكم استاذ عز الدين ...
كما عودتنا ... تكتب ما يستحق القراءة !!

ولأن المقالة فيها من الرد الموضوعي والهادئ والعلمي على ادعاءات جينجرتش ما هو جدير بالاطلاع ... كما انه من المهم ان تصل الصورة الى غيرنا ممن يستمع الى هذا المرشح من الشعب الامريكي وغيره
فقد قمتُ بترجمة المقالة الى الانجليزية ( وسامحنا على التاخير لاني قرأته اليوم فقط )ولكن اريد الاستفسار عن كيفية ارسال المقالة المترجمة لكم ... وشكرا!!

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله أختي أم كوثر، وشكراً على كلامك الطيب. ولا داعي للاعتذار مطلقاً لأن كلامك كان واضحاً.

وفهمت أن كلامك كان موجهاً لجنجريتش وخزعبلاته. لم يكن هنالك لبس.

لكن أردت الاستطراد بالإجابة لأن هذه الأمور التي كتبتها يتطرق لها البعض.

ياسين عز الدين يقول...

شكراً لك أختي أمل الياسين. يمكنك وضع الترجمة هنا كتعليق، أو تضعيها على مدونتك وسأقوم بنسخها من هناك.

أتصور هكذا أسهل طريقة للتواصل.

غير معرف يقول...

استاذ ياسين .. وضعت المقالة المترجمة على مدونتي مع رابط للمقالة الاصلية في نهاية التدوينة !!

ياسين عز الدين يقول...

مشكورة جداً أختي الفاضلة.
سآخذ الترجمة واستخدمها بوركت ويعطيك العافية.