الجمعة، 13 يناير 2012

جماعة "بوكو حرام" ومخطط تدمير نيجيريا


بدأت الجماعة المعروفة ببوكو حرام حربها الطائفية في شمال نيجيريا ضد المسيحيين بتفجيرات الكنائس في نهاية الشهر الماضي، وبدأت المواقع المؤيدة للقاعدة والجماعة حملة إعلامية مؤازرة لهذه الحرب، استخدمت فيها القليل من الحقائق والكثير من الأكاذيب والتضليل.
والمصيبة التي لا يدركها الكثير من الناس أن حرب بوكو حرام لا تستهدف المسيحيين فحسب، بل تهدف إلى تفتيت نيجيريا وتدمير مقدراتها بما يعزل المسلمين في مناطق فقيرة بلا نفط وبلا موارد طبيعية أو منافذ على البحار.

حقائق عامة عن نيجيريا:
بداية سأضع بين أيديكم بعض الحقائق عن نيجيريا حتى نفهم صورة الوضع: عدد سكان نيجيريا يقارب الـ160 مليون نسمة (ضعف عدد سكان مصر)، ومساحة نيجيريا 924 ألف كيلومتر مربع (أقل قليلاً من مساحة مصر)، ونيجيريا أغنى دول أفريقيا بالنفط إلا وأنه بكل أسف لا يستفيد أغلب مواطني نيجيريا من هذه الثروة النفطية بسبب الفساد المستشري في جميع مستويات الدولة هذا من ناحية.
يتراوح عدد المسلمين في نيجيريا ما بين 50% و60%، ويعيش أغلبهم في شمال نيجيريا، وأبرز قبائلهم الهوسا (عددهم في نيجيريا حوالي 24 مليون) والفولاني، بينما أغلب سكان الجنوب من المسيحيين والوثنيين، وأبرز قبائلهم اليوروبا.
منذ استقلال نيجيريا كان المسلمون المتحكمون بمقاليد السلطة، وجميع رؤساء نيجيريا منذ الاستقلال كانوا من المسلمين باستثناء الرئيس السابق أولوسون أبوسانجو والرئيس الحالي (جود لاك جونثان) وقد جاء للحكم عام 2010م بعد وفاة الرئيس عمر يارادو حيث كان نائبه، وأعيد انتخابه العام الماضي.
وشهدت نيجيريا عام 1966م محاولة انقلاب قام بها قادة عسكريون من الجنوب، لكن سرعان ما استعاد الشماليون السيطرة على الحكم، تلته حرب أهلية انتهت بتثبيت سيطرة الشماليون على الحكم (أي المسلمون).
يتركز جميع نفط نيجيريا جنوبي البلاد، وبشكل خاص في دلتا نهر النيجر، فيما يفتقر الشمال المسلم للنفط ويعاني من انحسار مساحة الأراضي الزراعية بسبب التصحر وزحف الصحراء الناجم عن التغيرات المناخية.
عاشت نيجيريا تحت الحكم العسكري لقادة الجيش منذ عام 1966م وحتى عام 1999م حيث نشر قادة الجيش الفساد في الدولة، ونهبوا ثروات البلاد.
بسبب التجاذب العرقي والطائفي بين المسلمين والمسيحيين اعتمدت نيجيريا عام 1999م النظام الفيدرالي القائم على إعطاء الولايات الـ36 صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية، وبناء عليه تطبق 12 ولاية شمالية الشريعة الإسلامية، وكانت اولى الولايات المطبقة للشريعة هي ولاية زمفرة عام 1999م.

التوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين:
بالرغم من جنوح الوضع العام بنيجيريا نحو الاستقرار بعد انتهاء الحكم العسكري عام 1999م إلا أن التوتر الطائفي بقي موجوداً والفساد بقي منتشراً وعلى جميع المستويات، وكانت أبرز محطات التوتر الطائفي هي المجازر التي ارتكبت بحق المسلمين في مدينة جوس الواقعة في ولاية بلاتو (الهضبة) وسط نيجيريا عام 2010م.
واندلعت أول موجة مواجهات بين المسلمين والمسيحيين في مدينة جوس أواخر عام 2008م بسبب الخلاف على نتائج الانتخابات المحلية والتي فاز بها المسلمون وكان أكثر القتلى من المسلمين، وتجددت المواجهات في بداية عام 2010م بسبب اعتراض الجماعات المسيحية على بناء مسجد في حي يعتبرونه حكرًا للمسيحيين، وتطورت المواجهات إلى ارتكاب مجزرة قتل بها مئات المسلمين على يد العصابات المسيحية المتعصبة.
تمت السيطرة على الوضع في مدينة جوس وأرسل الجيش لحماية المدنيين وانتهت الأمور بعد بضعة أسابيع دامية، ومنذ ذلك الحين لم تتكرر المجازر بالرغم من بقاء الاحتقان الطائفي بدرجات متفاوتة.
وجذور المشكلة في ولاية بلاتو تعود إلى حقيقة أن المسلمين في الولاية أغلبهم وافدون جدد قادمون من الشمال طلباً للزرق والعمل، مما أدى لقلب الميزان السكاني الأمر الذي أغضب الجماعات التبشيرية التي تريد إبقاء الولاية مسيحية بأي ثمن كان.

جماعة بوكو حرام:
أما جماعة بوكو حرام فقد تأسست عام 2002م، ومن اسمها نكتشف الخلل الفكري المتجذر، فمعنى الاسم بلغة الهاوسا "التعليم الغربي حرام" أو "منع التعليم الغربي"، وحتى نفهم سبب تأسيس الجماعة فنشير إلى أنه لا يوجد تعليم حكومي إلزامي في أغلب الدول الأفريقية جنوبي الصحراء، والمدارس تقوم عليها مؤسسات أهلية وبالغالب تكون مؤسسات دينية.
وفي نيجيريا يوجد مدارس إسلامية لكن أكثر تدريسها يركز على الدين الإسلامي واللغة العربية، فيما تهمل تدريس العلوم والرياضيات، كما توجد مدارس تبشيرية وأخرى ذات نظام تعليم غربي، ولكي يضمن أهالي المسلمين مستقبلاً مهنياً لأبنائهم في الوظائف العامة أو الشركات والمؤسسات فيرسل الكثير منهم أبناءهم إلى المدارس التي تتبنى نظام تعليم غربي.
وبدلاً من يعالج مؤسسو جماعة بوكو حرام أصل المشكلة ويعملوا على طرح البديل للمدارس الغربية فكرسوا أنفسهم لمحاربة هذه المدارس ومنع الناس من إرسال أبنائهم إليها، وفي عام 2009م بدأت الجماعة بتسليح نفسها وخاضت في شهر تموز (7) مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية في عدد من الولايات الشمالية، أدت لمقتل المئات من الجماعة أغلبهم أعدموا بدم بارد بعد استسلامهم أحياء.
وبعد أكثر من عامين من هذه المواجهات، سواء المجزرة التي ارتكبت بحق المسلمين في جوس أو بحق أسرى بوكو حرام، قررت الجماعة البدء بحملة تطهير عرقي وطائفي ضد المسيحيين الموجودين في شمال نيجيريا بدأتها بتفجيرات الكنائس في شمال البلاد ثم إنذار المسيحيين بمغادرة الشمال وطلبها من المسلمين مغادرة الجنوب والقدوم إلى الشمال.
وهنا نشير إلى أوجه الخلل الخطيرة في مخطط بوكو حرام:
1-    الزعم بأنهم يريدون الدفاع عن المسلمين غير صحيح، فمن ناحية المجازر أصبحت من الماضي، ومن ناحية أخرى الجماعات التي ارتكبت المجازر موجودة وعناوينها معروفة وموجودين في ولايات وسط وجنوب نيجيريا، وهذه المناطق لم تشهد أي عملية لبوكو حرام، وكانت العمليات فقط في الشمال النيجيري وفي ولايات تطبق الشريعة الإسلامية.
2-    الطلب من المسيحيين مغادرة شمال نيجيريا هو تطهير عرقي وأخذ الأبرياء بجريرة غيرهم.
3-    الطلب من المسلمين مغادرة جنوبي نيجيريا هو تطهير عرقي، بل ويضر جميع مسلمي نيجيريا فالجنوب أغنى من الشمال، ووجود الكثير من المسلمين هناك من أجل طلب الرزق، فهل تريد بوكو حرام مكافأة من ارتكبوا مجازر مدينة جوس وأن تخرج المسلمين من المدينة؟ هذا ما أرادته الجماعات المسيحية، وهذا ما تريده بوكو حرام!!
4-    تفتح الجماعة بوابة الصراع الطائفي على مصراعيه في نيجيريا، مما سيقود لا سمح الله إلى تقسيم نيجيريا، مثلما حصل في السودان، وبدلاً من أن تكون نيجيريا بلداً يسيطر المسلمون على أكثر سياساته، ستصبح دولتين مسلمة فقيرة ومعزولة في الشمال، وأخرى أقل فقراً (نظراً لوجود النفط) ومعادية لكل قضايا المسلمين في الجنوب.
5-    فتحت جرائم بوكو حرام بوابة الانتقام من المسلمين في جنوب البلاد، حيث بدأت تصريحات من قيادات مسيحية بأنهم لن يسكتوا على ما يرتكب في شمال البلاد، وحاولوا الاعتداء على عدد من المساجد في الجنوب، وتم الاعتداء اليوم على أحد المساجد شمال شرق نيجيريا.
6-    تقوم الكثير من المواقع الإلكترونية ببث الأكاذيب والتهويل من أجل مؤازرة الجماعة إعلامياً، من بينها نشر صور لأشخاص كان يتم إحراقهم أحياء والزعم بأنهم مسلمون يحرقون في نيجيريا فيما هي بالحقيقة صور لمجازر في دولة رواندا (عامي 1998م و1999م) وهي مجازر لا علاقة للمسلمين بها، فلم يكونوا ضحاياها ولا مرتكبيها.

في الختام:
سواء من حيث المبدأ أو من حيث النتيجة والآثار ما تقوم به جماعة بوكو حرام مرفوض ومستهجن، وقد استشعرت الجماعة رفض المجتمع النيجيري لما تقوم به، وخرجت مؤخراً ببيان يتبرأ من بعض ما نسب إليها من عمليات، وهذا لا يشفع لها لأنها تتحمل كل قطرة دم نزلت فهي من مهد الأجواء لهذه العمليات وهي من حرضت عليها، وهي من بدأت الفتنة، وعليه تتحمل وزر كل قطرة دم تسيل بها.
نيجيريا تعاني من العديد من المشاكل وأولها الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، وهي سبب فقر وشقاء الشعب النيجيري (مسلمين ومسيحيين)، وبدأت بالفترة الأخيرة حركة شعبية في نيجيريا للاحتجاج على رفع أسعار الوقود وعلى الفساد المستشري بالدولة تسمى "احتلوا نيجيريا" – على غرار حركة "احتلوا وول ستريت" الأمريكية المتأثرة بالثورات العربية.
كان الأحرى بجماعة بوكو حرام أن تصبح جزءً من هذه الحركة الشعبية، وأن تعمل على محاربة الفساد الإداري والمالي، والمطالبة بمؤسسة تعليم حكومي تشرف عليها الولايات تدمج بين التعليم الديني والتعليم العصري، لأن تجربة 12 عاماً من تطبيق الشريعة بشكلها الضيق أثبتت أن تطبيق الحدود لا تكفي للنهوض بالمجتمعات المسلمة.


هناك 6 تعليقات:

ابو عبد الله يقول...

"تحرير فلسطين يحتاج لأن نرتقي بأنفسنا وأن نجدد أفكارنا وأن نبتكر الجديد من وسائل مقاومة العدوان، وهذه تحتاج الشباب المتحمس والمتوقد والمبدع. نأمل أن تكون هذه المدونة عوناً على تفجير طاقات الشباب والانطلاق نحو الارتقاء بأنفسنا على طريق تحرير فلسطين والأرض السليبة. "


وهل الارتقاء بالنفس هو خذلان المسلمين في غير فلسطين ام انك من اتباع طريقة " الشيشان شأن داخلي "

ومئات الجثث المسلمة الملقاه في الشوارع الى تحتاج لمن يأخذ بحقها

أم صرنا كالنصارى من صفعك على خدك اليمين ادر له خدك اليسار

عجيب والله ..

ياسين عز الدين يقول...

سبحان الله.

هل أنت القيم على مصالح المسلمين، فإن خالفتك الرأي أصبحت مثل النصارى أو خاذلاً للمسلمين؟

أين ذكرت أن ما في نيجيريا شأن داخلي؟ وهل فهمت من كلامي ذلك؟ عجيب ولماذا أكتب عن نيجيريا إذا كانوا لا يهموني؟

أرى مجموعة ضالة تخرب مصالح المسلمين، ومن واجبي أن أشير لأخطائهم، حفظاً لمصالح المسلمين أولاً وقبل أي شيء آخر.

عمر يقول...

هههههههههه
الحمد لله ان حماس ما في مكاتب لها بنيجيريا لكان صارت شأن داخلي
...................
اللهم مكن للمسلمين فكل كل مكانمشكلة العالم الاسلامي الاولى الجهل و التخلف أسألك اخي ياسين اين علماء المسلمين في نيجيريا او العلماء ؟اليس فيهم رجل رشيد

>>>>>>>>>>>>>>
بعد أشهر أو سنوات يمكن أن تطل علينا بمقال أخر (جماعة عروعور وخطط تقسيم و تدمير الدولة السورية بسبب قتلها للعلوية ....و كأن اي عمل من هذا القبيل يتحمل أوزاره غير محور الممانعة مع العلم أني لا أؤيد أو وادع أفعال بوكو حرام الاجرامية

ياسين عز الدين يقول...

ما دخل مكاتب حماس بالموضوع؟ أين ذكرت أنه شأن داخلي؟ سواء بنيجيريا أو غيرها؟
ما تلزم حماس نفسها به، لا يلزمني.

الثورة السورية مطلبها بالإطاحة بالبعث وال الأسد هو مطلب مشروع بل وواجب، لأنه لم يعد بالإمكان القبول بمثل هذه الأنظمة، لكن أن تصبح حرباً طائفية فهذه مزالق ستدمر سوريا، وأنا قد تطرقت لهذه المحاذير في مقالات سابقة.

Oday4peace يقول...

السلام عليكم أخي ياسين
أعتقد أنك أفرطت في مهاجمة الجماعة المناهضة للتعليم الغربي في نيجيريا المسماة "بوكو حرام". في اعتقادي أن هذه الجماعة يمكن أن يكون لديها اخطاء و لكن في نفس الوقت لم نعرف بعد ما هي الاسباب التي جعلتهم معارضين للتعليم الغربي و الذي اقره لهم اذا كانت هذه مطالبهم.
لا احد يتخيل انهم ضد كل شيء غربي من صناعات و تكنولوجيا و غيرها بل انهم ضد الثقافة الغربية الهابطة باعتراف الغرب انفسهم..
أخ ياسين لتقريب الصورة اكثر لك لناخذ وضعنا نحن كشعب فلسطيني هل نعارض و نحارب التعليم الصهيوني ام لا؟؟؟؟ انا بالنسبة لي ادخال النظام التعليمي و التربوي الصهيوني للشعب الفسلطيني حرام!! على كل حال انا لست ملم بالوضع في نيجيريا و للكن بكل تأكيد انا لا اصدق الدعاية الصهيوغربية التي تقول بان النصارى نصف السكان هناك!! الشمال فقير و لا يتم توزيع عائدات النفط على جميع المواطنين... هناك مليشيات و كتائب مسلحة تابعة للكنيسة لا نسمع عنها و لن نسمع باي وسيلة اخبار عالمية...

باختصار شديد في امريكا الشمالية يوميا تحدث عشرات بل مئات عمليات قتل و ارهاب على شكل جريمة منظمة او فردية و لا نسمع عنها اطلاقا, و المفارقة العجيبة انه اذا كان شخص والديه او احدهما مسلم و قام بعمل اجرامي مثل سرقة او قتل وقتها تقوم الدنيا و فورا كل الشبكات الاخبارية تعمم انه عمل ارهابي و يكون العنوان ان المجرم يكون مسلم!!! المجرمون الاخرون لا يتم نشر معلومات عن دياناتهم او اصولهم و لكن المسلم او الشخص ذو خلفية مسلمة و ربما لا يعرف شيئا عنه يكون صيدا ثمينا للبروبيغاندا الاعلامية ضد الاسلام.

اسف على الاطالة و بارك الله فيك يا اخ ياسين

ياسين عز الدين يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله أخ عدي.

معارضة التعليم الغربي تأتي من حقيقة أن القائمين عليه في غالب الأحيان مؤسسات تبشيرية تعمل على تنصير الناس أو على الأقل تشويه فكرهم.

المشكلة بالنسبة لي ليست معارضة التعليم الغربي في حد ذاته، وأنا أيضاً أرفضه بالطريقة التي تتم في نيجيريا. لكن اعتراضي على طريقة معالجة الجماعة للأمر.

واعتراضي على طريقة تعامل الجماعة مع المظالم التي يتعرض لها المسلمون.

فالتفجيرات ليست حلاً، ولا القتل، ولا تهديد الآخرين وتهجيرهم من بيوتهم.

كان الأجدى الاهتمام بوضع المسلمين وبناء مدارس حديثة لهم.