الأربعاء، 8 فبراير 2012

قصة قصيرة: قولوا بالله عليكم ما هي مصلحتي أن ...



وقف أمام القضاة والإدعاء بكلف صلف وعنجهية ولا مبالاة، بالأمس قدموا له استدعاء بالمثول أمام الشرطة لاستجوابه حول حادثة سرقة وضرب تورط بها، فما كان منه إلا أن قتل زوجته وأولاده صباح اليوم، "على الريق" كما يقولون.

أنكر أن يكون القاتل، وصاح قائلاً: "وما مصلحتي أن أقتل أولادي فلذات أكبادي؟ هل يعقل أن أرتكب جريمة قتل وأنا قادم للمثول أمام العدالة؟ هل يوجد عاقل في الدنيا يفعل ذلك؟"
فرد عليه أحد الحضور: "من الفاعل إذاً؟"

ضحك بسخرية واستهزاء "لست أنا، إنهم هؤلاء القادمون من المجهول، مندسين مجهولي الهوية والانتماء، لكن هدفهم واضح، إنهم يتآمرون علي منذ أن خلق الله السماوات السبع، وقبل أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام".

"والدماء التي وجدناها على ثيابك؟ وكاميرا جوالك التي صورت بها نفسك وأنت تقطع أجساد أبنائك الغضة وأنت تضحك؟"

صاح قائلاً: "ولماذا ترون بعينٍ واحدة فقط؟ هل رأيتم ماذا فعل هذا بزوجته ذاك اليوم؟"

(مشيرأ بسبابته إلى قائد الشرطة الذي جاء للشهادة)، وأضاف بكل ثقة "لقد ضربها ضربًا مبرحًا وكل الحي سمعها، لماذا عميت أبصاركم عنه وجئتم تنبشوا ورائي؟"

وقال لهم بكل ثقة: "فكروا ملياً، إنها مؤامرة كونية، وكل الأمور مرتبة ومهندمة بطريقة شيطانية، والهدف هو النيل من صمودي وثباتي، أيعقل يا سادة يا كرام أن يقتل رب الأسرة فلذات أكباده؟ اسألوا من المستفيد، أليس خصومي المستفيدين؟ إذن هم المجرمين ولست أنا". متبعاً كلماته بابتسامة صفراء حاول إخفاءها.

وقف المدعي العام وبدأ بعرض أدلة الإدانة: البصمات، ومقاطع الفيديو التي صورها المجرم بنفسه، وشهادة الجيران، وشهادة المحقق. وعند عرض كل دليل كان يصيح المتهم: "إنها مؤامرة كونية ضدي، ما مصلحتي أن أفعل هذا؟ ما مصلحتي أن أصور الجريمة؟".

اجتمع القضاة ليناقشوا الأدلة، اعترض اثنان وقالا "لم تدينوا زوجته وأطفاله فنحن لا نعلم لماذا قتلهم؟"، وأضاف أحدهما "لولا أنهم قاموا بفعل يستفز الأب لدرجة كبيرة، لما أقدم على هذه الجريمة البشعة، لا بد أن فعلتهم أكثر بشاعة من جريمته، فما مصلحته بقتلهم بلا سبب؟"، وقال: "من أجل سمعة الزوجة والأبناء أرى إغلاق القضية، لأنه لو سألنا عن دوافع الجريمة فنخشى أن تكون ثأرًا للشرف أو فعل قبيح لأحد الأبناء أو البنات وربما الزوجة". توقف برهة وأخذ نفس وتنهد قائلاً "من أجل مصلحة الضحية يجب إغلاق القضية."

هز القضاة رؤوسهم موافقين ومقرين، وصرح رئيس القضاة "يحكم بالبراءة نظرًا لعدم كفاية الأدلة وندعو المجرم – عفوًا المتهم سابقًا إلى أن يضبط أعصابه في المستقبل، وأن يتحاور مع أهل أسرته وأن يجلس معهم ويحل مشاكلهم بطريقة حضارية".

وإذا عرف السبب بطل العجب، فالقاضي صاحب الاقتراح متهم بأنه يسيء معاملة زوجته وأبنائه، ويبدو أنه يريد أن يحمي نفسه من المساءلة مستقبلاً!!

خرج المجرم من القاعة مسرعاً فقد كانت لديه مهمة غير منتهية، فقد نسي قتل طفله الرضيع، فقد كان ينام في مهده عند ارتكاب الجريمة، آن أوان إكمال مهمته، وإنهاء الحوار الحضاري مع أهل أسرته بطريقته الخاصة جدًا.

هناك 5 تعليقات:

عمر احمد يقول...

معبرة جدا بوركت الايادي اخي الكريم ياسين.. تعاقب الضحية بدل الجلاد هذه هي قوانين الانسانية الجديدة والامم المتحدة على الجريمة.. ومجلس الخوف..
لنا ولسوريا واهلها الثوار الابطال الله ولا حول ولا قوة الا بالله

أم كوثر يقول...

حقا شرّ البلية ما يبكي وليس ما يضحك
الله يحفظ يمينك وما تخطه أخي الكريم ياسين والله يبارك فيكم..
صحيح كلامكم الجلاد يسرح ويمرح ويقتل ويعطي تبريرات لأنه وجد من يصدقه والضحية تعاقب بدل الجاني
كان الله في عون سوريا وخلّصها من الطاغية وفرّج عنهاما من باب فتحه العرب ليخففوا عن الشعب إلا وأغلقه
حسبنا الله ونعم الوكيل

ياسين عز الدين يقول...

حياكما الله إخواني عمر وأم كوثر.

نسأل الله أن يفرج عن إخواننا في سوريا ويفرج عنهم كربهم. شر البلية ما يبكي.

غير معرف يقول...

بوركت يا استاذ ياسين..
معبرة جدا .. وبالفعل أحسنت عندما صورت القاضي بأنه يطالب القاتل بالحوار السلمي مع ابنائه الذين قتلهم وخرج من المحاكمة ليقتل الرضيع المتبقي منهم ... وهذا هو عالم اليوم .. واأسفاه!!!

ياسين عز الدين يقول...

شكراً على مرورك أختي امل.

بالفعل فعالم اليوم يحترم القوي ولا يحترم الحق.

هذه المفارقات التي تحكم عالمنااليوم يجب تغييرها.