الأربعاء، 14 مارس 2012

ما حقيقة (لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا)؟




الكثير منا سمع الرواية عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: "أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه"، فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: "الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه"، وما تحمله من معاني ثقة القائد المسلم العادل بنفسه، فلا يخشى أن يقول له الناس سنقومك بحد السيف إن وجدنا بك خطأ أو انحرافًا لأنه أسرع منهم في تقويم انحراف نفسه.

إلا أنّ القليل ينظرون إلى الرواية من الجانب الآخر، جانب الرجل الذي قال هذا الكلام، ما دافعه لأن يقول هذه العبارة وما معناها بالنسبة له، وما معناها بالنسبة لنا نحن في زمننا هذا؟
حاولت الرجوع لأصل هذه الرواية لأعرف عن الحادث بشكل أوسع، فلم أجد لها أصلاً وتوجهت لموقع "إسلام ويب"، حيث جاء في إجابتهم:

"فلم نجد هذه الرواية في كتاب مسند، وقد عزوها في موسوعة نضرة النعيم لكتاب تاريخ الخلفاء لابن الجوزي".

كما احتوت الإجابة على روايات أخرى قريبة في المعنى وتطلعنا على جوانب أخرى من المسألة، تفيدنا في بحثنا هذا، حيث سنحاول فهم الطرف المقابل للحاكم (عادلًا كان أم ظالمًا) أي المواطن والشعب- بلغتنا اليوم.
 
وإن كانت الرواية لا تعطينا أي خلفية عن الرجل صاحب الكلمة أو بماذا كان يفكر عندما قالها (هذا إن صحت الرواية كلها أصلًا)، لكنها تطرح نقطة بدهية تصح في كل زمان ومكان، وهي أن صاحب الحق الحر سيحمل سيفه (أو يستخدم القوة) لينتزعه من الذي ظلمه حتى لو كان هذا الظالم هو الحاكم والخليفة وولي الأمر.

والرجل لم يستدل لا بآية ولا بحديث وإنما أقر حقيقة، وهذه سنة من سنن الحياة، فمن يقع عليه الظلم لا ينتظر من أحد أن يقول له مسموح لك بانتزاع حقك، ففطرة الإنسان مجبولة على رفض الظلم والانتفاض في وجه الظالم (إن توفرت الشجاعة اللازمة).

وهنا بيت القصيد فالكثير بعد أكثر من عام من اندلاع الثورات العربية ما زال يسوق الأدلة الشرعية والعقلية على حرمة الانتفاض في وجه الحاكم، ويستدلون بالدماء التي سالت في ليبيا وسوريا، وأن الحياة في ظل سلطان جائر أفضل من انفلات البلد ووقوعها في براثن الفوضى.

ولست بصدد المفاضلة بين الاستبداد والفوضى، فكلاهما شر وكلاهما لا نريده، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تحرم على المظلوم أن ينتفض في وجه الظالم بحجة المصلحة والفتنة، ولا تحرم الظلم أصلًا؟ فلو لم يظلم الحاكم رعيته فهل سيفكر الناس بالثورة والانتفاض؟

لو كان المرء آمناً في مأكله ومشربه ومنامه، محفوظ الكرامة، معززًا مكرمًا، يشارك باتخاذ القرار ويحس أنه ابن البلد وليس غريبًا يمشي على أرضه، فهل هذا سيفكر بالتظاهر أو الثورة؟
وحتى لو تنازلنا وقلنا لنحتكم لفقه الموازنات وأنه من الأفضل القبول بظلم الحاكم حتى نتحاشى ما هو أكبر من ذلك، فمن قال أن الناس ستستمع لنا؟ البعض يحرم التظاهر بما فيه التظاهرات السلمية، وذلك بحجة التخريب والتكسير والحرق واستغلال البعض لهذه المظاهرات من أجل إشعال الوضع الأمني.

لكن المتتبع للمظاهرات في عالمنا العربي يرى أن المظاهرات التي تنظمها أحزاب وتنظيمات نادرًا ما تنتهي بسقوط ضحايا أو أعمال حرق وتخريب وتكسير، أو فلنقل بشكل أقل بكثير من المظاهرات العفوية التي تنطلق بدون تخطيط أو تنظيم، وذلك لأن مسؤولي الأحزاب والتنظيمات لديهم حسابات واعتبارات تدفعهم لمحاولة كبح جماح الغاضبين وضبط العناصر المنفلتة.

أما عندما يخرج الناس بشكل عفوي يحركهم الشعور بالقهر والغضب والكراهية، فعندها يجب أن نتوقع كل الموبقات التي يخشاها محرمو المظاهرات، لكن الناس وقتها لا يستمعون لأحد ولا تهمهم لا فتاوي ولا نداءات عقلانية.

ونستدل هنا بمن وصفهم الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بـ "شباب النواصي" (نسبة إلى من يقفون على ناصية الشارع)، وهم الشباب المصري غير المنتمي لأحزاب ولا مجموعات شبابية، حيث وصفهم بأنهم سبب نجاح الثورة المصرية، عندما هاجموا رجال الشرطة وأحرقوا مركبات الأمن ومقرات الأجهزة الأمنية.

يقول الشيخ حازم أبو صلاح (ويمكن سماع كلامه في الفيديو أدناه) أنه لو سأل شباب النواصي قادة الأحزاب والتنظيمات، ولو سألوه هو، لرفضوا أن يحرقوا أي شيء أو أن يهاجموا أي شيء، ويقول حسنًا فعلوا عندما لم يسألونا، لأنه لو فعلوا ذلك لما انتصرت الثورة المصرية.

وكذا في المظاهرات بالجزائر العام 2011م فالمظاهرات العفوية التي خرجت احتجاجًا على رفع أسعار الغذائية أو الانقطاع المتكرر للكهرباء كانت أكثر عنفًا ودموية (من جانب المتظاهرين) مقارنة بالمظاهرات المسيسة التي حاولت إشعال ثورة ضد النظام الجزائري.

فإن كانت حجة محرمي المظاهرات والمجاهرة بالآراء السياسية هي درء المفاسد، فالواقع يقول أن مفاسد المنع والكبت أكبر من منافعها، وبالتالي يصبح فقه التخويف وإسكات الناس "بالتي هي أحسن" أبعد ما يكون عن درء المفاسد، بل أداة في يد المستبدين والطغاة كما نرى اليوم حيث تسعى الأنظمة المستبدة للاستفادة من هذه الفتاوى والآراء من أجل إدامة عهد الاستبداد.

وسواء كان من يردد هذه الفتاوى يفعل ذلك خدمة لنظام معين أو عن حسن نية، فهو يساعد المستبدين، ويتجاهل حقيقة أن الناس لن تسمع له ولا لموازناته، ما دام ساكتًا عن ظلم الحاكم واستبداده، ولربما كان من الأولى التصدي للحكام والمطالبة بالإصلاح (سرًا وعلنًا)، فمعالجة المشكلة من جذورها أفضل بألف مرة من معالجة أعراضها، فالناس لم تكن لتنفجر وتخرب وتكسر وتخاطر بحياتها لولا أن ما يقع عليها أكبر وأعظم من أن يحتمل.

وهكذا نفهم قول الرجل "لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا"، في إطار أن الناس الأحرار لا يسكتون على ظلم الحاكم كائنًا من كان، وإن اعتبر البعض هذا التفسير متعسفًا فنحيلهم إلى ما رواه أبو يعلى والطبراني وصححه الألباني، عن أبي قبيل قال: "وأما ذكر السيف فلم نجده في أثر صحيح، إلا في ما رواه أبو يعلى والطبراني عن أبي قبيل قال: خطبنا معاوية في يوم جمعة فقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا, ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا, بل المال مالنا والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس, إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد علي أحد، وفي الثانية فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيأتي قوم يتكلمون, فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة ـ فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني, أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم".

فهنا نرى رجلًا يقف ويتحدى أمير المؤمنين وخليفة المسلمين معاوية رضي الله عنه، بل ويهدده علنًا وباستخدام السيف، ولم يناقشه ولم يجادله، فما الذي فعله معاوية ومن كان معهم من رجال (ربما كان بينهم من الصحابة فالرواي لم يوضح لنا من كان موجودًا)؟ لم ينكر عليه أحد ما قام به ولا ما قاله، ولا حتى أسلوبه الحاد لم ينتقده أحد، بل شكره معاوية ووصف فعل الرجل بأنه "إحياء له".
هذا الفرق بين حكام صنعوا مجد المسلمين وبين حكام صنعوا العار، فالصنف الأول فهموا أن العدل أساس الملك وأن الحاكم موجود ليخدم الشرع، أما الصنف الثاني فلم يفهموا الشرع إلا أداة لخدمتهم وخدمة مصالحهم الضيقة.

هنا تجدون جواب موقع إسلام ويب عن إسناد المقولة المنسوبة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:
http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Id=2342720&Option=QuestionId&lang=A




هناك تعليق واحد:

deen nor يقول...

هذ كلام ناس محترمين يقدرون انفسهم وحقوقهم وواجباتهم ـ وعسى الله ان يثلج صدورهم وينهى امور الفساد التى تعيش فيها الامة.