السبت، 5 مايو 2012

فهم الانتخابات الجامعية بالضفة بين الموضوعية واتباع الأهواء



تميز موسم انتخابات مجالس الطلبة في الضفة الغربية هذا العام بعودة الكتلة الإسلامية للمشاركة بعد غياب دام نحو خمس سنوات بعد الحسم عام 2007م، ولما كانت الحياة السياسية العامة شبه معطلة بحكم الإنقسام كانت الانتخابات الطلابية فرصة لقياس مدى قوة التنظيمات والفصائل على أرض الواقع في الضفة الغربية على الأقل.

بدأت المشاركة في بيرزيت ثم جامعة القدس والخليل والبوليتكنك، كما ستشمل قريبًا جامعة فلسطين التقنية (خضوري) وغيرها من جامعات الضفة.

كانت الانتخابات الجامعية دومًا تعتبر مقياس القوة السياسية لأي تنظيم أو فصيل فلسطيني، وذلك رغم من وجود أبعاد نقابية وأبعاد قدرة كل جماعة طلابية على الحشد والتخطيط للانتخابات الجامعية، وذلك نظرًا لأن العامل السياسي له الوزن الأكبر في تقرير نتيجة الانتخابات.


وتراوحت نتائج الكتلة الإسلامية المحسوبة على حماس في الجامعات التي جرت بها الانتخابات بين الحصول على 34% و45% من الأصوات (مع استثناء جامعة القدس حيث حصلت على 25% وهو استمرار لأداء سيء قديم في هذه الجامعة)، في تراجع عن نتائجها قبل 6 و7 سنوات عندما كانت تتجاوز الكتلة نصف عدد المقاعد بقليل.

تراوحت تفسيرات هذه النتائج بين تفسيرات عقلانية تحاول دراسة الواقع بطريقة علمية، وتفسيرات رغائبية (تعبر عن رغبات وليس حقائق) غير عقلانية.

لا شك أن مؤيدي فتح تحت تأثير فرحة الانتصار وبعد مخاوف بأن ممارسات الأجهزة الأمنية في الضفة قد تكون أودت بشعبيتهم، يعتقدون أن النتائج تعبر عن تأييد الشارع لحركتهم وربما تعطيهم مؤشرًا بأنهم سيفوزون بالانتخابات التشريعية.

وفي ظل هكذا مناخ صدرت من مؤيدي فتح تفسيرات مثل أن أخطاء حماس في غزة هي السبب بهزيمة الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة، وهذا تحليل رغبائي يعبر عن أمنيات أكثر مما يعبر عن الواقع، لسببين: الأول أن طلاب جامعات الضفة الغربية ينظرون لحماس في الضفة فهي الأقرب إليهم من حماس في غزة بحكم الحياة اليومية، وهي لم ترتكب أخطاء غزة التي يشيرون إليها، والسبب الثاني (وهو الأهم) أنّ فتح ليست أصلح حالًا من حماس، والناس جربت فتح ما قبل 2006م وبعدها ورأت الويلات، فإن كان الناس غاضبين من حماس فلن يعودوا إلى ما هو أسوأ من حماس (أي فتح)، بل سيبحثون عن بديل ثالث.

لم تقدم فتح والسلطة شيئًا لأهل الضفة خلال السنوات الخمس الماضية، إلا شيئًا واحدًا تقريبًا؛ وهو أنّ أعمال الانفلات الأمني التي كان يقوم بها منتسبو فتح قد خفت، وهو إنجاز على طريقة المافيا "وجودنا ضروري لحمايتكم وإلا قمنا بإيذائكم"، أما فيما يتعلق بالاستيطان والمشروع الوطني أو الوضع الاقتصادي أو الحريات العامة فالوضع إن لم يتراجع فما زال كما هو.

وفي الجهة المقابلة نرى من مؤيدي حماس تفسيرات مختلفة، منها ما هو غير منطقي مثل القول بأن الانتخابات مزورة وتم اللعب بها، وقد أحسنت الكتلة الإسلامية في جامعة القدس عندما هنأت الشبيبة بالفوز، وعندما خرج بيان عن الكتلة الإسلامية في الضفة يعترف بالنتائج ويهنئ الفائزين، وهذا على غير ما اعتاده العرب في العقود الأخيرة من اتهام الخاسر للفائز بأنه زور الانتخابات وتلاعب بها.

الطلاب لم يعطوا أغلبية للكتلة الإسلامية وهذه حقيقة واقعية ويجب أن يعترف بها مؤيدو الكتلة وحماس، حتى يستطيعوا معالجة الأمور في المستقبل بعيدًا عن خداع أنفسهم بأنّ الانتخابات مزورة وغير حقيقية.

إذن أين الحقيقة؟ الفرق بين التفسير العلمي والتفسير الرغائبي، هو أنّ التفسير العلمي يأخذ بعين الاعتبار كافة الأسباب المحتملة ويعرضها ويدرسها ثم يقرر درجة تأثيرها، أما التفسير الرغائبي فغالبًا ما يأخذ سببًا واحدًا يلائم أهواء المرء ويحاول ليَّ الحقائق ليصل إلى النتيجة التي يريد.

لا شك أنّ الوضع السياسي العام له تأثيره على نتائج الانتخابات فتراجع عمليات حماس، وأخطاء حماس التي لا ننكر وجودها لها تأثيرها، لكنها لا تفسر وحدها النتيجة، ولا شك أيضًا أن أسلوب التهديد والوعيد لمن ينتخب الكتلة وجو الخوف العام في الضفة الغربية يجعل الكثير يحجم عن التصويت لصالح الكتلة، ولا شك أيضًا أنّ طول غياب الكتلة عن الساحة الطلابية له أثر (وهو أثر كبير) فالطلبة غير المؤطرين لا ينتخبون أسماء مجهولة لهم.

ولا شك أنّ تجفيف مصادر التمويل عن الكتلة بحجة أنها "غسيل أموال" وسجن كل من يساهم بإيصال الأموال للكتل الإسلامية، وتغييب ممثلي الكتل الإسلامية الممنهج في سجون الاحتلال والسلطة، وتأخر الكتل الإسلامية في الإعداد للانتخابات قد أثرت على أدائها الانتخابي وأثرت على قدرتها على التعبئة والحشد الانتخابي.

ولا شك أن لتوحد حركة فتح وعدم السماح بوجود انشقاقات داخلية قد أسهم بتماسك أداء الشبيبة الطلابية في الجامعات، ولا شك أن نفس الخوف الذي ما زال موجودًا عند العديد من منتسبي الكتلة الإسلامية قد كان له أثر، فمثلًا رأينا نسب مشاركة متدنية في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس وكلية الشريعة بجامعة الخليل تراوحت بين 30% و45%، وهي أرقام تظهر إحجام من طلبة هذه الكليات عن المشاركة، وبما أنها من معاقل الكتلة الإسلامية فمن الواضح أنّ العديد من أبناء الكتلة الإسلامية لم يكونوا مقتنعين بالمشاركة (أو متخوفين ربما).

هنالك أسباب عديدة قد لا أكون عددتها جميعًا، لكن من الضروري أن لا نسمح لرغائبنا بإملاء الأسباب علينا، وإلا خرجنا بتفسيرات وتعليلات لا تمت للمنطق بصلة.

ليست هناك تعليقات: