السبت، 1 سبتمبر 2012

أمية الإنترنت والقمر الأزرق



مرت الليلة (31/8) ظاهرة فلكية اعتيادية (لا أدري كل متى تتكرر) واسمها القمر الأزرق، وهو مصطلح مترجم عن الانجليزية (Blue Moon)، ويستخدم للإشارة إلى ظاهرة تكرار ظهور البدر مكتملًا في السماء مرتين خلال الشهر الشمسي الواحد، حيث يسمى ظهوره الثاني بالقمر الأزرق.

والتسمية هي تسمية مجازية إذ أن لونه لا يختلف عن لون القمر في أي ليلة كانت، لكن ما شهدته خلال هذا اليوم كان طامة لغوية ومفاهيمية، فإن كان الجهل بظاهرة القمر الأزرق هو أمر عادي حيث أن أغلبنا ليس بعالم فلك كما أن الظاهرة تنتمي إلى الثقافة الغربية، فثقافتنا العربية تربط حركة القمر بالأشهر القمرية وليس الأشهر الشمسية.

إذن أين المشكلة؟ وأين هي الطامة اللغوية والمفاهيمية؟ المشكلة تكمن في الطريقة التي يحصل الكثيرين معارفهم، والكيفية التي يتعرفون بها على المعلومات الجديدة، والنتائج الغريبة التي يصلون إليها.
 
الكثير نشر خبر القمر الأزرق في المنتديات والفيسبوك، والكثير نقل نص الخبر حرفيًا من مواقع إلكترونية كثيرة، وبالرغم من أن متن الخبر في كافة المصادر تقريبًا يحتوي على تأكيد أن القمر الأزرق لا يعني أن لون القمر سيصبح أزرقًا، مع شرح وافٍ عن الظاهرة؛ إلا أن الكثير أصر على فهم الظاهرة على أنها تحول القمر إلى اللون الأزرق!! ونجد عناوين تقول القمر بلونه الأزرق الليلة أو اليوم القمر يتحول للون الأزرق.

وهنا تبرز لنا أكثر من إشكالية: فبعض المواقع والصحفيين يبحثون عن الإثارة بأي طريقة كانت، فأحدهم أجرى لقاءً مع إحدى المختصات بعلم الفلك، وبالرغم من أنها أجابته في البداية أن تعبير القمر الأزرق هو تعبير مجازي، إلا أنه أصر وأكمل بالأسئلة سائلًا عن إمكانية تحول لونه!! فهو يريد أن يلحق بالموجة ومعني بكتابة خبر عن تغير لون القمر، وحتى لو تبين أن القصة كلها لا أساس لها فلن يضيع الفرصة لجذب الزبائن (أو أنه لا يفهم معنى التعبير المجازي).

الإشكالية الثانية هي ظاهرة عدم قراءة كامل الموضوع سواء كان خبرًا أو تقريرًا أو مقالًا أو خاطرة، والاكتفاء بقراءة قسم منه أو حتى الاكتفاء بقراءة العنوان، لأنه من الواضح لو أن الكثيرين قرأوا الخبر كاملًا لما تكلموا عن أن لون القمر سيتغير الليلة!! فهل هذه ظاهرة مرتبطة بثقافة الإنترنت والفيسبوك، والتي خلقت طوفانًا من المعلومات والأخبار يضطر معها الكثيرون لاختصار ما يقرأونه والاكتفاء برؤوس الأقلام أو رؤوس رؤوس الأقلام؟؟

الإشكالية الثالثة هي تسطيح الفهم، وفهم النصوص بحرفيتها حتى لو كانت مجازيتها أو رمزيتها فاقعة وواضحة وضوح الشمس، وهذه إشكالية واسعة النطاق في عالم الإنترنت، ولم أتفاجأ كثيرًا بما حصل مع القمر الأزرق لأنها ظاهرة تتكرر يوميًا في عالم الإنترنت؛ فعلى سبيل المثال انتشر خبر عن غارة لجيش الاحتلال الصهيوني على هدف في سيناء، وذلك بعد المجزرة التي ارتكبت في رفح المصرية والتي قتل فيها جنود مصريون، والتي اتهمت غزة وأنفاقها وأهلها بالمسؤولية عنها من قبل الماكنة الإعلامية المصرية (والتي ما زال لفلول مبارك فيها نفوذ واسع)، ومن باب السخرية من هذه الماكنة الإعلامية قامت احدى صفحات الفيسبوك بعمل بوستات ساخرة تتهم الفلسطينيين، مثل: الطيران الفلسطيني يقصف سيناء، وصدقوا أو لا تصدقوا، كان هنالك كم كبير من الردود التي تدل على سطحية مفرطة في الفهم: بين من صدق الخبر الساخر وبدأ بشتم الفلسطينيين وطيرانهم، وبين من ظن أن الخبر جاد وأن الصفحة جزء من الماكنة الإعلامية الفلولية وبدأ بتفنيد الأخبار والرد عليها!!

كما أننا نجد التسطيح المفاهيمي في من يختصر القضية الفلسطينية أو الثورة السورية بصورة فلان يصافح علان، ويأتي من يرد عليه وينشر له صورة الخصم وهو يسلم على علان، وعلنتان تكلم مع فلان فهو شريك معه وخائن للقضية، أما فلنتان فقد ابتسم بوجه علنتان فهو عميل ومدسوس وشبيح.

فهل لصغر أعمار متصفحي الإنترنت ووجود كم كبير من الفئات العمرية  دون السادسة عشر في ساحات الفيسبوك هو المسؤول عن هذا التسطيح المفاهيمي؟؟ أم أن الإنترنت يتيح المجال لأشخاص كانوا محسوبين على "العوام" والأمية الثقافية لأن يقرأوا ويعبروا عن رأيهم ولو بطريقة ركيكة؟؟

لا شك أن عالم الإنترنت فتح مجالًا معرفيًا واسعًا، وخلق طوفانًا معلوماتيًا جارفًا، يجعل التحدي ليس في الحصول على المعلومة، بل بغربلة المعلومات واستيعابها وهضمها بالطريقة الصحيحة، حتى لا نكون كحاطب ليل نجمع الغث والسمين، أو مثل بعض الناس يجمعون السمين فيحولونه في عقولهم إلى غث!!

ليست هناك تعليقات: