الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

العدوان على غزة المسار والمآل




كيف انفجرت الأوضاع في قطاع غزة؟ وكيف تطورت إلى المواجهة التي نراها اليوم؟ وإلى أين ستسير بنا التطورات؟ وما هي التداعيات المتوقعة من المواجهة؟ وأين هي نقاط قوة وضعف المقاومة الفلسطينية؟ وكيف من الممكن أن تكون هذه المواجهة خطوة إضافية إلى الأمام في حرب التحرر الوطني؟
 
لماذا اندلعت المواجهة:

لا شك أن حرب عام 2008-2009م لم تنته بشكل حاسم، وأوقفت بدون أن يحقق الصهاينة أيًا من أهدافهم الأساسية وعلى رأسها كسر قدرات المقاومة العسكرية وإصابتها بالشلل لسنوات طويلة ودفع الشعب الفلسطيني للانتفاض والثورة على مشروع المقاومة، وفي نفس الوقت لم تستطع المقاومة كسر إرادة الاحتلال ودفعه للقبول بالأمر الواقع الجديد والاستسلام له.


لذا كان من الطبيعي أن يحتفظ الاحتلال لنفسه (وبقرار أحادي الجانب) بحق دخول قطاع غزة لتمشيط المناطق الحدودية، واستمرار حصاره بحرًا وجوًا، وفرض منطقة أمنية عرضها بحدود الـ300 متر، وشن غارات محدودة بين الحين والآخر، وبنفس الوقت لم يكن لدى المقاومة القدرة على وقف هذه التجاوزات أو حتى الرد عليها بدون أن يؤدي ذلك إلى انفجار بالموقف.

خلال السنوات الأربع الماضية ومنذ انتهاء الحرب، وبدلًا من أن تتراجع قدرة المقاومة التسليحية تضاعفت وبشكل كبير جدًا، وساء الوضع بالنسبة للاحتلال مع سقوط نظام مبارك ونظام القذافي وتقديرات المخابرات الصهيونية أن قسمًا من السلاح الليبي وصل قطاع غزة، وأن الوضع الجديد بعد الربيع العربي قد لا يتيح للصهاينة ضرب غزة مثل السابق.

لذا وصلت القيادة السياسة والعسكرية الصهيونية إلى نتيجة مفادها أن الوقت ينفد منها، وأنه عند مرحلة معينة ستجد نفسها في مواجهة عسكرية مع الأنظمة العربية الجديدة (وليس فقط مواجهة اقتصادية وسياسية)، وهنالك يقين لدى هذه القيادة أنه كلما تقدم الوقت كلما كان الوضع أسوأ وأصعب بالنسبة للكيان الصهيوني، لكن في نفس الوقت وبعد تجربة الحرب السابقة هنالك إقرار بعدم القدرة على القضاء على المنظومة التسليحية للمقاومة، وأن كل ما يستطيعونه هو استنزاف المقاومة كلما حانت الفرصة لذلك.

ويبدو أن هنالك وجهة نظر لدى قطاع داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الصهيونية كانت تقول أنه يجب الإسراع بتوجيه ضربة قاصمة للمقاومة تعيق تطورها العسكري لعدة سنوات قادمة، قبل فوات الأوان، وتعززت هذه النظرية مع دخول القبة الفولاذية الخدمة وما ظنه الصهاينة أنه تحييد للقوة الصاروخية التابعة لحماس وخاصة صواريخ غراد وتلك الأبعد مدى منها، لتجد وجهة النظر هذه نفسها مطروحة بقوة بعد سلسلة تغيرات في الجانب الفلسطيني وما يظهر أنه قرار لدى المقاومة بتغيير قواعد اللعبة.

فالمتتبع لتطورات الأحداث قبيل اغتيال الشهيد الجعبري يجد أن حماس كانت تسعى لتغيير قواعد الاشتباك، فقد كانت تريد كسر الحصار الصهيوني وإنهاء الحق الصهيوني بدخول مختلف مناطق قطاع غزة متى ما أراد الاحتلال، ووقف سياسة الاغتيالات والاستهدافات، وإلغاء المنطقة الأمنية، وإطلاق النار العشوائي على المناطق الحدودية وقوارب الصيادين، لذا في الأيام التي سبقت اغتيال الشهيد الجعبري كانت تتعمد الرد بقوة على أي اعتداء صهيوني حتى لو كان من النوعية "المسموح بها" سابقًا، بل وتعمدت القيام بعمليات إطلاق صواريخ مع تنظيمات أخرى بشكل استعراضي وأكثر من مرة.

وبكل تأكيد أن حماس كانت تدرك أن الاحتمال الأقوى هو أن لا يقبل الاحتلال بالقواعد الجديدة التي تريد فرضها حماس، وبالتالي كان لا بد أن تعد نفسها لتصعيد من جانب الاحتلال كالمعتاد، لأن العقيدة السياسية والعسكرية الصهيونية تقوم على أنه إذا فشلت القوة بتحقيق الهدف فيجب استخدام المزيد من القوة.

اغتيال الجعبري والمفاجأة الناقصة:

في ظل محاولة حماس تغيير قواعد الاشتباك مع الاحتلال، وجد قادة الاحتلال أنه لا بد من استغلال فرصة ربما تكون الأخيرة من أجل قصم ظهر المقاومة وتأخير تطورها لسنوات وتغيير قواعد اللعبة لكن لصالح الاحتلال.

ومن الواضح أن الخطط الصهيونية كانت موضوعة منذ فترة، والدليل أنهم كانوا يرصدون تحركات الشهيد الجعبري منذ أكثر من شهرين، وأكاد أجزم أن ضرب مصنع السلاح في السودان له علاقة بالتمهيد لهذه المعركة، حيث يؤمن الصهاينة بأن السودان هو جزء أساسي من منظومة التسلح الحمساوية، مما يدل على أن الهدف الرئيسي للعملية هو سلاح المقاومة وتجفيف منابعه، لكن ما أريد له أن يكون ضربة قاصمة معنويًا وعملياتيًا، تحول لخيبة كبيرة.

فالجعبري لم يكن وحده المستهدف، وكان هنالك عدد من القادة العسكريين مستهدفين مثل رائد العطار ومروان عيسى وغيرهما، بالإضافة لتدمير القوة الصاروخية وخصوصًا تلك القادرة على الوصول إلى تل أبيب مثل فجر5، وتسرع الصهاينة وأعلنوا أنهم اغتالوا عددًا كبيرًا من القادة وذكروا أسماء وأكّدوا قضائهم على كامل المنظومة الصاروخية للقسام.

إلا أنه سرعان ما تبين أنهم نجحوا بأمرين فقط لا غير: اغتيال الجعبري، والظهور بمظهر المدعي الكذاب، فكان فشلًا قاتلًا في الحرب الإعلامية والنفسية، وحتى تسمية عمليته "عامود الغيمة" لم يكونوا موفقين فيه، فبالرغم من الخلفية التوراتية لهذه التسمية إلا أن الفلسطينيين لم يتلقوا الرسالة وفهموها بالمقلوب وبدلًا من أن يقابلوا اسم العملية بالخوف والذعر، تلقوها بالسخرية والنكت ووصف عامود الغيمة بأنه الخازوق الذي سيجلس عليه نتنياهو وسائر الصهاينة.

وحققت حماس مفاجآت متتالية لم تكن متوقعة حتى عند أكثر المتفائلين، فوصلت صواريخها إلى تل أبيب والقدس، والقبة الفولاذية لم تعمل بالفعالية التي كان يروج لها، فقدرتها على إسقاط صواريخ الغراد لا تتجاوز الـ50% على أكثر تقدير، أما الصواريخ الأقصر مدى فقدرتها أقل بكثير، وتتكلم الإحصاءات الرسمية عن اسقاط 342 صاروخ من أصل 1147 أطلقوا منذ بدء العدوان (ويشمل ذلك الصواريخ من كافة الطرز).
فقد وجدت المقاومة تكتيكات مختلفة للتقليل من فاعلية القبة الحديدية مثل إطلاق وابل من الصواريخ بحيث تستنزف وتربك المنظومة.

وحتى نفهم حجم الخيبة العسكرية الصهيونية التي تكشفت خلال الأيام الماضية فنشير إلى أنه أطلق خلال الأيام الخمسة ونصف اليوم من العدوان أكثر من 1700 صاروخ وقذيقة للمقاومة (رقم تقديري) مقارنة بحوالي 1500 صاروخ وقذيفة خلال الأيام الـ23 لحرب عام 2008 و2009، طبعًا مع القفزة النوعية والتركيز على استخدام صواريخ الغراد بدلًا من صواريخ القسام الأقل مدى وكفاءة، ودخول صواريخ فجر5 وأم 75 إلى الميدان.

ولحد الآن ميزان القتلى بين الفلسطينيين والصهاينة هو 110 شهيد فلسطيني مقابل 3 قتلى صهاينة، بمعدل 35 إلى 1، مقابل 100 إلى 1 في الحرب السابقة، وإن كان عدد القتلى والجرحى الصهاينة متدنيًا نسبيًا (3 قتلى وأكثر من 200 جريح) إلا أن له تكلفة مادية عالية حيث أن الحياة اليومية متعطلة في كامل المنطقة الجنوبية وبالأخص مصانع تنوفا وأوسم في كريات ملاخي والمنطقة الصناعية والميناء في أسدود، فلكي تقلل من حجم الخسائر البشرية يجب أن تجلي السكان وأن يعيش الناس في الملاجئ، وأن تعطل المدارس والأعمال والمصانع.

كما أن استخدام القسام للصواريخ المضادة للطيران قلبت المعادلة، بالرغم أنها فيما يبدو عجزت للآن عن إسقاط طائرات حربية مقاتلة، إلا أن هذا متوقع في ظل أن الأسلحة المحمولة على الكتف مداها قصير نسبيًا والطيران الصهيوني مسلح ببلالين حرارية وأنظمة تشويش مختلفة.

وكل هذا لا يقلل من أهمية إنجازات المقاومة على صعيد التصدي لسلاح الطيران، ابتداءً من إسقاط الطائرة بدون طيار (والتي يبدو أنه تم إسقاطها من خلال التشويش الإلكتروني عليها) وانتهاءً بإجبار الطيران الحربي والمروحي على التحليق على ارتفاعات عالية جدًا لتفادي صواريخ المقاومة، حيث أن هذا يقلل من دقة وفعالية الطائرات (نسبيًا) كما أن أي عملية برية لا يمكن خوضها بدون تحليق طائرات مروحية على ارتفاعات منخفضة تكون في مرمى الصواريخ والمضادات الأرضية.

بالرغم من المفاجآت التي أظهرتها كتائب القسام وقدرتها على تقليص الفجوة بينها وبين قوات الاحتلال، وقدرتها على تحسين أدائها العسكري، وبالرغم من كسبها للمعركة الإعلامية والنفسية بامتياز، إلا أن الفجوة القتالية ما زالت هائلة بين الطرفين ولا يجوز أن نشط بالخيال ونتوقع انتصارًا حاسمًا وصريحًا للمقاومة، فهذا ما زال فوق طاقة وقدرة المقاومة.

نقاط القوة والضعف لدى المقاومة الفلسطينية:

ما زالت الترسانة القتالية للمقاومة متماسكة وأقوى مما ظنه أغلب الناس، ويبدو أنها لم تخرج كل أوراقها حتى الآن، وما زالت تحتفظ ببعض من قدراتها الأقوى لمراحل متقدمة من الصراع، لكن وكما أوضحنا فالميزان يبقى مختلًا وبشكل كبير لصالح الكيان فعلى سبيل المثال وحسب تقديرات مراكز الدراسات العسكرية فتقدر قوة القسام بما بين 7آلاف و10 آلاف مقاتل "محترف" وهنا الاحتراف لا يعني التفرغ فالمتفرغين أقل بكثير من ذلك، بينما يستطيع القسام الاستعانة بما يقدر بـ20 ألف مقاتل أقل كفاءة وقدرة.

في المقابل هنالك 175 ألف جندي نظامي صهيوني، ومعهم 445 ألف جندي احتياط، وقام جيش الاحتلال باستدعاء حوالي 40 ألف جندي احتياط مع وجود صلاحيات باستدعاء ما يصل عدده إلى 75 ألف جندي احتياط، يضافون إلى فرقة غزة المسؤولة عن حصار غزة من الناحية البرية والتي تقدر بـ20 ألف جندي صهيوني.

فنرى هنا قوة عسكرية صهيونية يمكن أن تصل إلى حوالي 100 ألف مقاتل يتم حشدهم حول غزة، مقابل 10 آلاف من القسام يضاف إليهم 3 آلاف على الأكثر من باقي الفصائل، وإن كان المقاتل الفلسطيني يقاتل عن عقيدة وإيمان وداخل أرضه، ففي المقابل المقاتل الصهيوني مدجج بترسانة أسلحة ومدعوم بقوة مدرعات وقوة طيران ضاربة، وصحيح أن القسام أجبر الطيران على الابتعاد عاليًا في السماء وربما يستطيع إسقاط طائرة أو اثنتين، لكن الطيران الصهيوني ما زال موجودًا ويستطيع الضرب من أعلى وبشكل موجع وقاسي.

تتمتع المقاومة بدعم عربي بقيادة مصرية، وحجم تعاطف ودعم ديبلوماسي وسياسي غير مسبوق، مما يعزز من معنوياتها ويعطيها أريحية في الصمود والمقاومة، لكن ما تستطيع الدول العربية تقديمه ما زال محدودًا، فالصهاينة لا يلقون بالًا للضغوط السياسية والديبلوماسية، ومستعدين لمعادة كل العالم ما عدا أمريكا.
وبالتالي فبدون ضغط أمريكي فلن تستطيع هذه الخطوات الديبلوماسية العربية أن تحقق شيئًا جوهريًا وحاسمًا على الميدان، ولا يبدو على المدى المنظور أن أمريكا من الممكن أن تقدم على هكذا خطوة، وإن حصلت فستكون نقطة تحول مصيرية في المنطقة ككل وفي الوضع الاستراتيجي للكيان.

ولعل التضارب في المواقف بين مصر وتركيا وتونس من جهة وأمريكا والاتحاد الأوروبي حول المسؤول عن التصعيد في غزة، ينبهنا إلى وجود صراع خفي ومنخفض الوتيرة (حاليًا) بين النظام العربي الجديد وأمريكا، ولعل الطريقة التي تنتهي بها المواجهة في غزة ستحدد مستقبل العلاقة بين أمريكا والعالم العربي، فإما تصبح الدول العربية هي صانعة القرار الأول، وإما تخسر هذه الفرصة وتبقى العلاقة القديمة.

ولعل صمود المقاومة في غزة يعطي تركيا ومصر قوة في المفاوضات مع أمريكا، وورقة ضغط عليها وعلى أوروبا، وهنا نرى الفرق بين التفاوض مع امتلاك أوراق قوة تضغط على الخصم، وبين مفاوضات التسول والاستجداء التي اعتدنا عليها طوال السنوات الماضية.

هنالك ورقة قوية أخرى تمتلكها المقاومة وهي تصاعد المظاهرات الشعبية في الضفة الغربية وتحولها إلى صدام مع قوات الاحتلال، وازدياد عمليات رشق الحجارة على سيارات المستوطنين والزجاجات الحارقة، وهي نقاط ضاغطة على الصهاينة ليس فقط من كونها تأزم حياة المستوطنين وتزيد من العبء الأمني الصهيوني في الضفة، بل أيضًا كونها تشكل نواة لانتفاضة ثالثة قد تشهد أعمالًا أكثر عنفًا وتطيح بمنظومة التنسيق الأمني، وهذا لن يكون بصالح الاحتلال خاصة في ظل التغيرات المتوقعة في الأردن.

باختصار إن اندلعت انتفاضة جديدة في الضفة وإن سقط النظام الأردني فستكون ضربة قاصمة يتلقاها الصهاينة بكل معنى الكلمة، لكننا نرصد محاولات من الأجهزة الأمنية من أجل منع إلقاء الحجارة على الحواجز واحتواء الغضب الشعبي (وهي مهمة صعبة في ظل المزاج العام داخل الشارع الفلسطيني بما فيه داخل صفوف القاعدة الشعبية لفتح) فلو نجحت بذلك فستخسر المقاومة نقطة قوة هامة جدًا.

ويبقى من الضروري الإشارة إلى البعد الاستراتيجي لضرب المستوطنات الصهيوني حيث تحقق المقاومة هدفين بعيدي المدى:

أولًا: الحياة الصعبة التي يعيشها مستوطنو جنوب فلسطين وصحراء النقب، تشكل عائقًا كبيرًا أمام حكومة الاحتلال، والتي تسعى لاستقطاب المزيد من المستوطنين إلى الجنوب حيث أن أغلب الصهاينة يعيشون بمنطقة المركز (نصف اليهود يعيشون في تل أبيب الكبرى)، فيما باقي المناطق تعاني من نسبة سكن يهودي متدنية نسبيًا (نصف سكان النقب اليوم من الفلسطينيين)، والصورة التي ترسخها هذه المواجهة هي أن النقب ليس مكانًا آمنًا للسكن اليهودي.

ثانيًا: يعاني الكيان الصهيوني من ضعف الهجرة القادمة إليه، وخاصة أن أغلب يهود العالم يعيشون في دول مستقرة نسبيًا (أمريكا وروسيا وفرنسا وأرجنتين)، وفي ظل صورة نمطية عن الكيان الصهيوني أنه مكان مضطرب أمنيًا وغير آمن، فستجد الوكالة اليهودية صعوبة مضاعفة بإقناع اليهود للقدوم والاستيطان في فلسطين.

المواجهة إلى أين:

قد يظن البعض أنه في ظل حقيقة عجز الصهاينة عن وقف الصواريخ (وهم يعترفون بذلك)، وفي ظل أن عملية اجتياح برية لن تكون سهلة وتوجد لها معارضة أوروبية ودولية (باستثناء أمريكا)، فربما يجنح الصهاينة إلى التهدئة حتى لو ضمن الموازين السابقة وبدون أي تغييرات جوهرية.

لكن لو درسنا العقيدة السياسية والأمنية الصهيونية نجد أن هذا الخيار خارج الحسبان، وأنصح بقراءة كتاب "على الجدار الحديدي (نحن والعرب)" لفلاديمير جابوتنسكي وهو الأب المؤسس لليمين الصهيوني والذي يعتبر مرجعية فكرية لليكود وكاديما وإسرائيل بيتنا وغيرها من أحزاب اليمين، وهو صاحب نظرية الجدار الحديدي والتي نلمسها في الممارسة العملية لجيش الاحتلال.

تقوم نظرية الجدار الحديدي على تكبيد الخصوم (أي العرب) خسائر كبيرة تؤدي لتحويلهم من خصوم "متطرفين عنيدين" إلى "معتدلين على استعداد للمساومة"، ويضيف أنه في اللحظة التي يشعر بها العرب أنهم أقوى قليلًا من اليهود فإنهم سيعودوا للتفكير بالقضاء على المشروع الصهيوني، لذا يجب على الصهاينة أن يكونوا أقوياء دومًا وأن يردعوا العرب دائمًا وأبدًا، والردع في العقيدة الصهيونية هي ممارسة وليست مجرد تخويف.

ونجد تجليات هذه النظرية في نظرية "الردع المتراكم" ليغئال ألون وزير الخارجية الأسبق، ونظرية "كي الوعي" لموشيه يعالون رئيس أركان الحرب في السنوات الأولى لانتفاضة الأقصى والوزير الحالي، ونظرية "عقيدة الضاحية" لجادي أيزنكات قائد المنطقة الشمالية، والتي تنص على تدمير أي منطقة تطلق منها النيران تجاه الكيان تدميرًا كاملًا (مثلما تم تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت في حرب 2006م).

بالتالي يمكن القول بأنه يستحيل على الصهاينة التسليم بالهزيمة بهذه السهولة، وسيقابلوا فشلهم بمزيد من القوة والعدوانية والوحشية، وعندهم قناعة شبه راسخة أن الهزيمة في أي معركة تعني نهاية المشروع الصهيوني، لذا يحرصون في أي مواجهة أو معركة (وحتى لو أرادوا الانسحاب أو الاستسلام) أن تكون لهم الكلمة الأخيرة واليد العليا في أي ترتيبات جديدة.

وفي ظل الحشد العسكري واستدعاء قوات من جبعاتي وقوات الهندسة، وفي ظل فهمنا للعقيدة الأمنية الصهيونية، فالاجتياح البري خيار قائم وموجود، وربما يكون على شكل اجتياح سريع وخاطف وتحقيق بعض الانجازات الاستعراضية التي تحفظ ماء وجه الصهاينة، وربما لن يكون هنالك اجتياح بري ويكتفي الصهاينة بحرب قصف جوي طويلة الأمد وقد يشجعهم على ذلك قدرة السلطة على احتواء الوضع في الضفة وقلة الخسائر البشرية في صفوف المستوطنين، لكن في ظل الموازين الدولية الجديدة هل سيستطيعون شن حرب برية أو إطالة أمد العدوان؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل المنطقة ومستقبل القضية الفلسطينية.

هناك 4 تعليقات:

الكوثر يقول...

لا أومن كثيرا بمبدأ المؤامرة لكن الناظر للأحداث المتسلسة يشم رائحة مؤامرة على حماس بالذات ، الإحتلال يعي أن حماس إن خاضت انتخابات حتما ستنتصر فالشعب ملتف حولها بشكل كبير ، والغرض من ذلك حتى يحكم الحصار ، ما إن فازت حماس حتى جاء الحصار وبعده الحرب على غزة ووو.....الغرض إضعاف شعبيتها وتدجينها واشغالها بدهاليز السياسة وأفشال نهجها المقاوم
لكن أتت الرياح بما لا تشتهيه سفنهم ، زاد الإلتفاف حول حماس وحول المقاومة ككل ، استطاعت حماس أن تسيّر القطاع بطريقة ملفتة لنظر ، أفشلت خطط الأحتلال وخطط السلطة التي انقلبت على الفوز الكاسح لحماس
وكان الغرض من العملية الجبانة التي أودت بحياة الشهيد أحمد الجعبري أن يوجه الإحتلال ضربة لحماس تم يمرر الأمر ، فقد دأب على هكذا أفعال ، لكن أخفق في الحسابات ، فلم يضع في حسبانه التغيرات التي جرت والتطورات التي أعقبت الربيع العربي ، فانقلب السحر على الساحر ، وأمطرت المقاومة الكيان بوابل من الصواريخ أربكت حساباته ، وعندما يتحدث عن حرب برية لرد اعتبار لجيشه المقهور وهي للداخل أكثر منها لخارج ، ولا زلنا نسمع عنها وقد أرجئت لحين ، هي تعلم تكلفتها ، يبحثون عن هدنة حسب مقاسهم يخرقونها متى شاؤوا ، لكن المقاومة والتي بدت أكثر اتقان وأكثر توازن وأكثر إيلاما في صفوف الإحتلال عما سبق تمسكت بأطراف اللعبة ، تنشد هي أيضا هدنة لكن هدنة دائمة مع كسر للحصار الجائر ، فالمقاومة حققت انجازات لماذا نتحدث عن إنجازات لأننا نقارن آداءها اليوم بآداءها السابق ولا ننسى الحصار ورغم ذلك ثابتة وتسجل نقاطا مهمة على الأرض ، الإحتلال يخاف أن يغرق في الوحل لذلك هو يريد مخرج لكن مخرجا بعنترية حتى يبدو منتصر ! أمام شعبه لذلك جاءت المجازر التي ارتكبها في حق المدنيين ليضغط على حماس لقبول هدنة يفصلها حسب هواه ، قبته الحديدية فشلت في صد العديد من صواريخ المقاومة مع تكلفتها الباهضة
وشيئ آخر بالإضافة لماتقدم أن الإحتلال يسابق الزمن ، بتهويد ممنهج وماض على قدم وساق هذا مرده أنه يعمل حساب للمتغيرات ،
الإحتلال لا حليف له حتى أمريكا يوم أن تخرج عن طوعه سينقبل عليها ونعرف أنه هو من يوجهها لحروب يدفع الشعب فاتورته الغالية ، بدأت اصوات هناك تتحرك لكن تحرك بطيئا غير مسموع ، اليوم المقاومة صلبة وتحتاج لتقويتها اكثر حتى تواجه الإحتلال
لكن الخوف هو أن تكون هناك قرارات كما جنوب لبنان ويكون الإحتلال ألجم المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة ، الإحتلال يؤمن بالغاية تبرر الوسيلة فقد يوقف العدوان بالمرة على أساس أن تموت المقاومة لا قدر الله يعني يقبر المقاومة في غزة كما أقبرها الآن في جنوب لبنان لذلك جيد أن تدرس كل الأمور حتى نقف على ما يفكر فيه الإحتلال

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله أختي الكريمة.
شكرًا على مداخلتك الطيبة.
الحمد لله لم يحصل مثل جنوب لبنان، ولا وجود لقوات دولية ولا التزامات، إنما مجرد فض اشتباك انتظارًا للمعركة القادمة.

بوركت.

الكوثر يقول...

ما أثلج الصدر وأفرح القلب : مواقف القائدين الكريمين خالد مشعل ورمضان شلح مواقف كريمة ثابتة ، أن المقاومة صامدة وجاهزة دوما وأنها ستبقى الحامي والمُدافع عن حمى الوطن ، ولن تركن لأنها تدرك أن لها أرض مغتصبة وأن لها حقوق مسلوبة ..

نقلت هذا الرد من موضوع كتبته في الشبكة عندما استمعنا لكلمات القائدين في القاهرة حقا زادت فخرنا بالمفاومة الباسلة وهذا يعلي الهمم ونعلم أن المقاومة باقية إن شاء الله

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله أختي
وإن شاء الله سأكتب عدة مقالات حول هذه الحرب الفاصلة والمميزة.