الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

كلام في الذهاب إلى الأمم المتحدة والهدنة طويلة الأمد




أثار موقف خالد مشعل والمكتب السياسي لحركة حماس والذي قدم دعمًا مشروطًا لذهاب محمود عباس إلى الأمم المتحدة من أجل طلب عضوية مراقب لفلسطين جدلًا في الساحة السياسية الفلسطينية وخاصة بين مؤيدي حركة حماس والتيار المعارض للتسوية السلمية.

والسؤال المطروح ما هو وجه الاعتراض؟ وما مدى مصداقيته؟ وما هي الرؤية الأمثل للتعامل مع الحلول الديبلوماسية أو السياسية (وليس السلمية لأن السلام مبني على القبول بحق وجود الكيان الصهيوني ورفض هذا المسار أمر مفروغ منه ولا نقاش حوله من جانبنا).


خلفية تاريخية:

بدأت فكرة الحلول المرحلية مع برنامج النقاط العشر الذي تبنته منظمة التحرير في السبعينات، والتي نصت على إقامة دولة فلسطينية على أي جزء يتم تحريره، تمهيدًا للتحرير الكامل، والذي اتخذت منه التيارات الاستسلامية غطاءً لتمرر رؤيتها بالتخلي عن الكفاح المسلح والالتزام بعملية تسوية نهائية مع الكيان الصهيوني، وقد وجدت هذه التيارات في العزلة التي عانت منها منظمة التحرير بعد حرب الخليج الأولى وانهيار المعسكر الاشتراكي الفرصة، ومررت مخططها من خلال اتفاقية أوسلو، والتي كانت تجربة سيئة بالمجمل.

بناءً على هذه التجربة والتدرج من الدولة المرحلية وانتهاءً بسلطة التنسيق الأمني والدولة الوهمية، يشكك الكثير بكافة الحلول الجزئية أو المرحلية، ويرفضون أي جهود سياسية أو دبلوماسية ويرفضون اعتبارها وسيلة من وسائل الكفاح والنضال ضد الكيان الصهيوني، على اعتبار أننا جربناها مع سلطة أوسلو ومنظمة التحرير فكانت طريقًا إلى السقوط والانهيار.

والقياس هنا من حيث المبدأ باطل ولا يستقيم، لأنه إذا كانت الفكرة سليمة ومقبولة من حيث المبدأ، وجاء من فشل بتطبيقها فهذا لا يعني أنها أصبحت سيئة ومشبوهة، وحتى لا يكون كلامي نظريًا سأضرب مثالًا قريبًا وهو حكومة حماس في قطاع غزة، وهي عبارة عن شبه دولة أو كيان يحارب الاحتلال الصهيوني كخطوة مرحلية نحو التحرير الكامل، وانتقد الكثيرون التجربة وخاصة بعد التهدئة التي عقدت في نهاية حرب عام 2009م، وقاسوا تجربة فتح عليها، وقالوا أن حماس بتبنيها الحلول المرحلية فهي إذن ستسير على درب فتح وتنتهي إلى الحلول السلمية وتسوية القضية الفلسطينية وتصفيتها.

جاءت الحرب الأخيرة لتنسف هذه النظرية نسفًا، ولتثبت أن الخطوة المرحلية الأولى تبعتها خطوة مرحلية ثانية وثبتت حق المقاومة بالتسلح وألغت المنطقة العازلة في قطاع غزة، بدون أي تورط في حلول تصفوية أو تفريطًا بالحقوق.

فعندما نتكلم عن حلول مرحلية أو النضال والكفاح السياسي فهذه وسائل مشروعة ما دامت تخدم هدفًا مشروعًا، وما دامت لا تستخدم غطاءً لمشاريع مشبوهة، ولا يجوز أن نرفضها جملةً وتفصيلًا لخوفنا من المشاريع المشبوهة، لأننا نضيع من بين أيدينا أداة كفاحية هامة ضرورية في المرحلة القادمة، لأن مرحلة الحفاظ على شعلة المقاومة قد انتهت، وبدأنا مرحلة التقدم نحو التحرير وهذا يحتاج للدمج بين العمل المسلح والمقاومة الشعبية والعمل السياسي والديبلوماسي (ومرة أخرى نؤكد عملًا سياسيًا ليس على طريقة الحياة مفاوضات).

عدم الثقة بمحمود عباس والسلطة:

التخوف الآخر المطروح على الساحة هو أن تأييد خطوة عباس هي بمثابة إعطائه ورقة على بياض ليقوم بما يشاء، وتجربتنا كشعب فلسطيني معه سيئة إذ أنه هو الذي ورطنا بأوسلو والتنسيق الأمني وما نراه من توسع استيطاني وتهويد للقدس تحت مسمى عملية السلام، وهذا التخوف مشروع وفي مكانه، لكن السؤال المطروح هل أعطي عباس تفويضًا مطلقًا؟ وهل من المناسب أن نهاجمه في الوقت الذي يعارض به الصهاينة هذه الخطوة؟

حماس لم تعط عباس تفويضًا مطلقًا، وقالت أنها تؤيد خطوة التوجه للأمم المتحدة بشرط أن تكون ضمن إطار وطني فلسطيني متفق عليه، وهذا يعني أن حماس ليست شريكًا له، وهي تريد قبل كل شيء أن يتم التفاهم على ما يطرح في الأمم المتحدة، وزيادة في التوضيح والتأكيد أصدر عزت الرشق توضيحًا على صفحته بالفيسبوك أن ذلك مشروط بعدم التفريط بالثوابت الفلسطينية والتي على رأسها حق العودة وحق الشعب الفلسطيني بكامل فلسطين.

وهذا يعني أنه ما دام عباس يقوم بشيء يخدم الشعب الفلسطيني ويستفز الكيان الصهيوني فحماس تدعمه، مع احتفاظها بحق تقييم ما يقوم به أولًا بأول كونه لم يستشرها ولم يأخذ رأيها عندما ذهب، وقد يقول البعض أنه رغم هذه الاشتراطات قد يورط الشعب الفلسطيني باتفاقية وتنازلات مثل أوسلو التي فرضت بطريقة غير ديموقراطية وبدون أخذ رأي الشعب الفلسطيني.

وهذا كلام كان صحيحًا فيما مضى، أما اليوم فالوضع العربي الجديد لا يسمح بتمرير أي شيء مثلما كان في الماضي، وأي اتفاقية أو تنازل بدون دعم الجامعة العربية لن يستطيع عباس تمريره، واليوم مصر وتونس وليبيا فيها أنظمة جديدة لن تقبل أن تكون ممرًا لمخططات التسوية، كما أن حماس اليوم أكثر قوة في الميدان وتستطيع تعطيل أي تسوية جديدة، وتعززت مكانتها هذه بعد الحرب الأخيرة.

فبدلًا من انشغال عباس بمناكفة حماس واتهامها بإفشال "جهوده لتحقيق الاستقلال" أو تقديمه تنازلات مجانية على الفضائيات الصهيونية، لنتركه ينشغل بمواجهة (ولو كانت شكلية) مع الكيان الصهيوني، فهو في كل الأحوال لا يفعل شيئًا مفيدًا للشعب الفلسطيني، ولتعمل حماس وغيرها من أجل فلسطين مستخدمةً كافة الوسائل الكفاحية الملائمة.

ونأتي إلى جانب ثالث يطرحه المعترضون وهو أن القبول بعضوية غير كاملة في الأمم المتحدة يعني التفريط بباقي فلسطين أو بحق اللاجئين أو يلزمنا بقرارات الأمم المتحدة التي تتضمن الاعتراف بحق الكيان الصهيوني بالوجود، أو أن القبول بهدنة طويلة المدى مقابل دولة فلسطينية على حدود الـ67 هي تكبيل للمقاومة الفلسطينية تمنعها من تحرير ما تبقى من فلسطين.

لكي لا نورط أنفسنا باتفاقيات تفريط جديدة:

الكيان الصهيوني قام وفق قرارات أممية ألزمته بقيام دولة فلسطينية على نصف مساحة فلسطين تقريبًا، وألزمته بالسماح لمن شاء من اللاجئين بالعودة إلى فلسطين، فهل طبق الكيان شيئًا من هذه القرارات؟ ستقولون لأنه يفرض الأمر الواقع بقوة السلاح؟ إذن لماذا لا نعامله بالمثل، ونأخذ من القرارات ما يناسبنا ونفرض بالقوة ما نريده؟

ألا تلاحظون أننا نعود إلى نفس النقطة: الخلل هو في ضعفنا وليس في أسلوب العمل والكفاح، وعندما نكون أقوياء نستطيع فرض ما نريده عسكريًا وسياسيًا وديبلوماسيًا، وعندما نكون ضعفاء فلن نستطيع تحقيق أي شيء، فالحل هو في تقوية أنفسنا من كافة النواحي بدلًا من الجدل البيزنطي حول أشكال الكفاح والنضال.

من زاوية أخرى فأي تسوية وأي اتفاقية وأي تفاهم فإن الملزم بها هو ما وقع عليه الأطراف، أما الأوهام والتخوفات مما ربما يحصل في المستقبل أو ربما يترتب عليه فهي لا تلزم أحدًا؛ اتفاقية التهدئة الأخيرة في غزة لم تنص على وقف التسلح لذا قالها مشعل وبقوة نفس ووسط القاهرة أن حركته ستواصل التسلح في غزة، وهذا ما ستمارسه.

لذا عند تقييم أي مبادرة سياسية أو ديبلوماسية فيجب دراسة ما ورد فيها من تفاصيل قبل الرفض أو القبول، آخذين بعين الاعتبار الهدف الأبعد مدى الذي نريد الوصول إليه وهو الوصول إلى التحرير الكامل، وعليه فأخذ عضوية ناقصة أو كاملة في الأمم المتحدة بدون التزامات تجاه الصهاينة هي مكسب للقضية الفلسطينية مهما كان المكسب ضئيلًا.

وفي المقابل عندما نتكلم عن هدنة طويلة الأمد (عشرين عامًا) مقابل دولة على الضفة والقطاع، فقد أطلقها الشيخ أحمد ياسين في التسعينات كبديل عن اتفاقية أوسلو التي أريد منها أن تكون حلًا نهائيًا للقضية الفلسطينية، وهي كانت مناسبة لتلك المرحلة على اعتبار أن الوضع العربي لا يساعد والفلسطينيين لوحدهم لا يستطيعون تحرير كامل فلسطين.

لكن اليوم اختلف وتغير فلا كلام جدي عن تسوية نهائية، ومحيط عربي داعم وبقوة للشعب الفلسطيني ولكفاحه، وكيان محاصر وأقل قوة مما كان عليه قبل عشرين عامًا، بالتالي لا يقبل أن نقيد أنفسنا بعشرين عامًا من الهدوء مع وجود خطر تطبع الناس على فكرة وجود الكيان الصهيوني وتصبح بعدها حلًا أبديًا، اليوم الظروف تغيرت والفرص أصبحت أكثر وبالإمكان طرح خروج الصهاينة بدون تسويات واتفاقيات (مثلما حصل في غزة)، والجو العالمي اليوم مهيأ لشن حملة مقاطعة ضد الكيان الصهيوني وهذا غير ممكن في ظل أي اتفاقية ولو كانت هدنة طويلة الأمد.

الخلاصة:

لا يجب أن نقيد أنفسنا بوسائل وأشكال كفاح دون غيرها، ولا يجب أن نقيد أنفسنا بمخاوف سببها فشل غيرنا (والتعلم من فشل الآخرين طبعًا ضرورة)، ويجب أن ندرك المتغيرات المحيطة بنا وأن نستفيد منها وأن نعدل طرحنا وسلوكنا بناءً على تغيرها، وخصوصًا عندما تكون هذه المتغيرات في صالحنا فالأصل أن نرتفع بطموحاتنا وأن تزداد ثقتنا بنفسنا، والأهم من كل ذلك يجب الابتعاد عن القوالب النمطية التي قد تعمي أبصارنا عن رؤية الصورة بشكلها الصحيح.

ليست هناك تعليقات: