الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

مصر: عندما يطالب أهل الاستبداد بالديموقراطية

 
 
عند تشكيل الهيئة التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور، كنت أضع أحيانًا اللوم على الإخوان المسلمين وحزب النور كونهم لا يسعون بما فيه الكفاية لاستيعاب التيارات الأخرى، أو هكذا كنت أظن، لكن التطورات الأخيرة أثبتت أن من يسمون أنفسهم بالتيار المدني (وهم أبعد ما يكونوا عن المدنية) لم يكن احتجاجهم نابعًا من شعور بالمظلومية بقدر ما هي نوايا مبيتة لرفض كل شيء.

ولو رجعنا بالزمن إلى عام ونصف من الزمن وبعيد الإطاحة بحسني مبارك يمكننا أن نستشعر ونفهم ماذا يريد هذا التيار الخليط المكون من ناصريين وفلول مبارك (عمرو موسى مثلًا – وما حد يحكيلي أنه مش فلولي) وليبراليين وعملاء سابقون لأمريكا (البرادعي) ويساريين، ولم يجدوا جامعًا يجمعهم سوى مسمى فضفاض وكذاب "التيار والقوى المدنية".

لقد رفض أمثال البرادعي والقوى المدنية انتخابات مجلس الشعب وطالبوا وقتها بأن يتم صياغة الدستور قبل الانتخابات، وكانوا يرفعون شعار "الدستور أولًا"، وعند الانتخابات الرئاسية طالبوا بمجلس رئاسي، وقبل تقرير وقت الانتخابات الرئاسية وعندما كان المجلس العسكري يماطل بتنظيمها كانوا يطالبون بمجلس رئاسي "توافقي"، وإذا تتبعنا مواقفهم في كل المحطات نجدهم يرفضون الاحتكام لصندوق الاقتراع، وكل مرة بذريعة مختلفة.
 
أرادوا صياغة دستور قبل الانتخابات لأنه لو حصلت انتخابات فستقوم الجهة المنتخبة بصياغة الدستور، ونظرًا لهزالة وزنهم الجماهيري فسيكون صوتهم داخل هيئة صياغة الدستور ضعيفًا ولن يستطيعوا التأثير عليه، وهو ما حصل فعلًا، لذلك حرصوا على الالتفاف على كافة الخيارات الديموقراطية وفرض أنفسهم تارة تحت مسمى مجلس رئاسي وتارة تحت مسمى دستور توافقي (وما هو بتوافقي)، ليس لأنهم يخشون الإسلاميين كما يزعمون بل لأن نزعة الاستبداد والطغيان مزروعة في أغلب عناصر هذا التيار (والعناصر الأكثر تشددًا فيه بالتحديد)، وكل ما يرفعونه مجرد شعارات جوفاء لا تعبر عن قناعات حقيقية.

لقد أثبت الإسلاميون أنهم أكثر "ديموقراطية" من أغلب هذه القوى المدنية، بما فيه العناصر التي تظهر عداءً ورفضًا للديموقراطية مثل التيار السلفي، والتي أثبتت أنها بالممارسة أكثر استيعابًا لخصومها (ولا يعني أنها بلا عيوب ولا أخطاء أو أن التسامح لدى الإسلاميين في حال مثالي)، فعلى سبيل المثال المادة الدستورية المتعلقة بالشريعة لم يطرأ عليها أي تغيير حقيقي مقارنة مع الدساتير السابقة (باستثناء إعطاء اليهود والمسيحيين حق الاحتكام لشريعتهم).

لو نظرنا لمكونات التيار المدني التي تهاجم الرئيس محمد مرسي والإخوان والتيار الإسلامي وتتهمهم بالاستبداد والسير على طريق مبارك، لوجدنا أن خلفيتها الفكرية والتاريخية لا تحترم التعددية ولا تعترف بالديموقراطية، ابتداءً من الناصري حمدين صباحي حيث أن مثله الأعلى جمال عبد الناصر هو من أدخل مصر في عصر الديكتاتورية والاستبداد والفساد وحكم العسكر، ولم يظهر أي انتقاد لإرث جمال عبد الناصر الاستبدادي.

أما اليساريين والليبراليين ممن وقفوا مع حسني مبارك بأكثر من محطة وساندوه بخطواته الاستبدادية المحاربة للتيار الإسلامي فليسوا أفضل حالًا، ولنا بتجارب القوميين والقوى التقدمية بالحكم في عالمنا العربي والإسلامي ما يثير الرعب والخوف أكثر من أي حكم طالباني مهما بلغ في تشدده وأخطائه.

ابتداءً من حكم حزب البعث بجناحيه: العراقي والسوري، وحمامات الدماء التي خضبت بها أجساد الشعبين العراقي والسوري على يد البعث القومي، وللعلم الكثير من القومجيين المعتصمين بالتحرير يناصرون النظام السوري ويدعمونه في مواجهة شعبه، ومرورًا بنظام القذافي وجعفر النميري، ولا ننسى التجربة اليسارية الوحيدة في العالم العربي اليمن الجنوبي (أو كما كانت تسمي نفسها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ففي خلاف بين رفاق الحزب الاشتراكي الحاكم قتل الآلاف بالنزاع بين جانحي الحزب عام 1986م وقصفت عدن بالطائرات، هذه ديموقراطية اليسار والقومجيين التي يبشروننا بها: ديموقراطية جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي.

وربما كان الليبراليون أصلحهم حالًا عندما يبشروننا بنماذج تونس الحبيب بورقيبة وتركيا كمال أتاتورك، وهي بالطبع ليست بالنماذج الصالحة أو الجذابة، لكن تظل أقل سوءًا من حكم الإرهاب والإجرام الوحشي للقوى التي كانت تسمي نفسها بالتقدمية بالأمس، وأصبحت اليوم تسمي نفسها بالقوى المدنية.    

من يسمي نفسه بالقوى المدنية يجب أن يحتكم إلى القانون، وأن يحتكم للشعب، وأن يحتكم للطرق الحضارية في حل المشاكل والحوار، لا أن يحتكم للغة الشارع والحرق والتكسير، ولا أن يحتكم لأسلوب إما أن تلعبوا على طريقتي او سأخرب كل شيء، ولا أن يحتكم لأسلوب "الشعب جاهل وسأتخذ القرارات بدلًا عنه"، هذه أساليب المستبدين والطغاة.

ولا أريد التكلم عن الأموال الطائلة التي يتلقاها قادة هذا التيار ورموزه لمراكز أبحاثهم و"دكاكينهم الحقوقية" من الخارج والداخل، والرواتب الخيالية التي يتلقاها العالمين بها بغير وجه حق، ليتحفونا بعدها بالكلام عن العدالة الاجتماعية، فالحديث هنا يطول ويطول.

أما محاولة إضفاء الثورية على أنفسهم (والعجيب أن أغلبهم ممن رفضوا الثورة في بداياتها أو ترددوا بالانضمام لها ابتداءً من عمرو موسى إلى أحمد شفيق الذي يطلق التصريحات العابرة للحدود من مقر إقامته الجديد، إلى حزبي الوفد والتجمع اللذين تمسكا بنظام مبارك وحاولا التغطية عليه إلى الرمق الأخير)، هي محاولة مبتذلة وسخيفة لاستجلاب النصر من خلال الروابط العجيبة.

فالثورة المصرية لم تنتصر لأن مجموعة من الأشخاص قرروا الاعتصام بالتحرير، ولم تنتصر لأن الناس سئمت الانتخابات وأرادت الاحتكام إلى الشارع من باب التغيير أو أنه أسلوب يناسبها أكثر من صندوق الاقتراع، الثورة نجحت لأن الناس سئمت من مبارك واستبداده وتزويره للانتخابات وفساده، وليس لأنها أرادت إيصال البرادعي ولا حمدين صباحي ولا محمد مرسي للحكم.

وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة لمحمد مرسي وأسلوبه والإعلانات الدستورية وعمل الهيئة التأسيسية، إلا أنه لم يثبت استخدام التزوير أو النية باستخدامها في صناديق الاقتراع، فلماذا لا يتم الاحتكام للتصويت بإقرار أو رفض الدستور؟ هل عجزكم عن إقناع الشعب المصري برفضه هو مبرر كافي؟ نعم كنا نرفض صناديق الاقتراع في عهد مبارك لأنها كانت تزور، والآن هل يوجد تزوير؟ لماذا لا تطلبوا ضمانات إن كنتم لا تثقون بنزاهة الرئيس الجديد؟

من الواضح أن للقوى المدنية وزنًا بالشارع، ومن خرجوا للتظاهر في التحرير أو أمام القصر الرئاسي يمثلون تيارات سياسية، لكن لن يكتب لهم النجاح في مسعاهم للانقلاب على محمد مرسي وفرض تصوراتهم العوراء، فمن الواضح أن أعدادهم لا تقارن بأعداد الإخوان المسلمين أو التيار الإسلامي، والأهم من ذلك أنه لا توجد لديهم مطالب يفهمها أو يتفهمها الشارع المصري، وبالنهاية ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن يفتقر للديموقراطية في فكره وممارسته لا يمكن أن يعطيها لمصر أو للشعب المصري.

هناك 3 تعليقات:

فلسطين الثورة يقول...

وضع مصر قديما فترة الخمسينيات يختلف عن الوقت الحاضر الوضع مختلف

http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=378350942258572&id=100002510076443&ref=notif&notif_t=like

فلسطين الثورة يقول...

اخي الكاتب السلام عليكم لطفا لست ضد الرئيس مرسي ..لكن نسيت ان اوضح بعض الامور
اولا بالنسبة لهؤلاك الذين يدعون الناصرية اوفقك الرأي فقراء هذة المقال
http://shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=30092012&id=f312559d-ff3e-46db-b5c9-52a4046bcff5
وكذلك انصحك بقراءة هذة لتبين وجه النظر
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=35576
شاكرا لك حسن التفهم والتفاهم واتمنى ان يتسع صدرك لرأي الاخرين فمن يخالفك بالرأي ليس بالضرورة ضد اتجاهك وفكرك ونشرخ لك رأي دون تعصب ضدك او شتم اراء الاخرين..اول مرة ادخل الى هنا مصادفة ابحث في مدونة لكني لاحظت بانك تناقش ما تدونه الاخرين فناقشتك

ياسين عز الدين يقول...

حياك الله يا طيب. وشكرًا على مرورك ومشاركتك.
عندما أقيم تجربة عبد الناصر فلا أحكم على حادثة معينة أو حتى عداءه للإخوان واضطهاده لهم، فالدولة المصرية في عصره كانت دولة مستبدة قامعة للحريات بكافة ألوان الطيف.
وهو من أسس لدولة الاستبداد التي ثار عليها الشعب المصري، وهو من أسس للفساد المالي والإداري الذي ازدهر في عهدي مبارك والسادات.
الرجل له إيجابيات وخصوصًا من الناحية الوطنية ومواجهة الاستعمار وله مشاريع تنموية في مصر، لكن هذا لا يلغي طبيعته المستبدة. وهنا اتفق مع الأستاذ فهمي هويدي في جزئية أن من يدعون اتباع منهجه يسيئون له بتصرفاتهم الضيقة والمنغلقة أكثر مما يستمدون من شرعيته التاريخية القوة.
وشكرًا لك على مرورك وبوركت.