الاثنين، 31 ديسمبر 2012

إلغاء زيارة وزراء الخارجية العرب إلى رام الله: حتى لا تمر الأكاذيب مرور الكرام



بعد قبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، وإعلان الاحتلال سلسلة من العقوبات على رأسها وقف تحويل الضرائب المقتطعة إلى السلطة، والتي بدأت بالصراخ والولولة مطالبةً الدول العربية بدعم صمودها في معركتها أمام الاحتلال الصهيوني، علمًا بأنه عمليًا لم يحصل شيء، وتحويل دفعة الشهر الحالي لم تحن بعد، لنختبر جدية الاحتلال باحتجاز أموال السلطة.

بدأت السلطة منذ اليوم بالمطالبة بالمظلة المالية وزيادة مخصصاتها لتصبح 100 مليون دولار تمنحها الدول العربية شهريًا للسلطة لدعم موازنتها بشكل مباشر، كما طلبت السلطة زيارة وزراء الخارجية العرب إلى رام الله من أجل دعم السلطة في قضية العضوية بالأمم المتحدة.

إلا أن زيارة وزراء الخارجية العرب تأجلت لأسباب تبدو غير واضحة، واكتفى نبيل العربي ووزير خارجية مصر بزيارة رام الله، وحسب وزير خارجية السلطة رياض المالكي فإن زيارة وزراء الخارجية العرب ستتم فور الترتيب لها، كما أكد نبيل العربي أنها ستتم خلال الفترة القادمة، ويبدو أن سبب التأجيل جاء لأنه لم يكن هنالك ترتيب أصلًا فالدعوة صدرت قبل أيام فقط ومثل هذه الزيارات لا تتم بيوم وليلة.
 
لكن السلطة أطلقت وسائل إعلامها لتنشر الإشاعات وتولى ذلك أيضًا بعض أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير من الفسائل المجهرية التي تدور في فلك فتح والتي لا وجود لها سوى على الورق، مثل تصريحات "التيس المحلل" واصل أبو يوسف أمين عام جبهة التحرير العربية، والذي اتهم فيها الدول العربية بالرضوخ لضغوط أمريكية بعدم زيارة رام الله.

سبحان الله، صدرت دعوات الزيارة، ووافقت عليها الدول العربية، وتم الترتيب لها بشكل تام، وصدرت بعدها ضغوط أمريكية سرية لمنع الزيارة، وتسربت المعلومات حول هذه الضغوط إلى واصل أبو يوسف، وكل ذلك في بضعة أيام وأقل من أسبوع؟!؟!

ليس جديدًا هذه التصريحات التي تلقي باللائمة على العرب، وتعلق فشل السلطة على شماعة الدول العربية، كما نسمع هذه الأسطوانة دائمًا من مسؤولي السلطة بخصوص المظلة المالية العربية، فإن كان صحيحًا أن الدول العربية لا تلتزم بكامل المبلغ الذي تعهدت به (مع اختلاف من دولة لأخرى) إلا أن مسؤولي السلطة لا يكفوا عن التصريح في وسائل الإعلام الموجهة للمواطن الفلسطيني عن أنه لم يصل ولا أي فلس من الدول العربية، وتكرر هذا النفي (مع التركيز على عدم وصول أي فلس) على لسان أكثر من مسؤول في السلطة وتيوسهم المحللين مثل حنان عشراوي وغيرها.

فليس صحيحًا أن الدول العربية لا تدفع شيئًا من التزاماتها، بل هي تدفع جزء كبير منه، وعلى عكس الأمريكان والأوروبين الذين لا يدفعون إلا لمشاريع محددة ويجب أن تقدم لها دراسات جدوى (بروبوزل)، وأن يراقبوا كل سنت يدفعونه من ألفه إلى يائه، فإن الدول العربية تدفع مباشرة لميزانية السلطة وبدون أي رقابة على طريقة الإنفاق.

وفيما يلي قائمة ببعض الدفعات التي تم تحويلها فعلًا إلى حساب السلطة من الدول  العربية، خلال العام الأخير فقط (2012م) وباعتراف مسؤولي السلطة أنفسهم، وأتحدى سلام فياض أو نبيل قسيس أن يقول لي أني كاذب ولم تصل أي منها، وأتحداهما أن ينشرا قائمة بكل ما يصل لهم من الدول العربية (وهذه مجرد أمثلة نتيجة جرد سريع وهنالك الكثير من الدفعات غيرها لم أحصرها):

في شهر حزيران (6) الماضي حول العراق 25 مليون، وفي شهر تموز (7) حولت السعودية مبلغ 100 مليون، و22 مليون دولار من البنك الدولي في الشهر نفسه، وفي شهر آب (8) تلقت من الجزائر مبلغ 26.4 مليون دولار، وفي شهر تشرين ثاني (11) حولت الإمارات 42 مليون دولار، وكلها أموال ذهبت مباشرة لميزانية السلطة وقيل وقتها أنها صرفت على الرواتب.

وخلال الأعوام 2002-2010 قدمت الجزائر وحدها مبلغ 475 مليون دولار دعمًا مباشرًا لميزانية السلطة، وخلال الأعوام 2008 – 2010 قدمت الكويت مبلغ 130 مليون دولار لمشروع البرنامج الفلسطيني للإصلاح والتنمية بإشراف صندوق النقد الدولي والذي تستفيد منه السلطة الفلسطينية، وفي شهر آب (8) للعام الحالي حولت الكويت مبلغ 50 مليون دولار لهذا البرنامج.

هذا مجرد جرد سريع لما قدم للسلطة، والتي لا تنكر ذلك أمام مسؤولي الدول العربية، فبعد إشاعات عن قطع الإمارات التمويل للسلطة في شهر أيلول الماضي صدر في 11/9 بيان عن مكتب فياض ينفي فيه الأخبار التي تتكلم عن قطع أموال المساعدات الإماراتية وقال بالحرف الواحد "دولة الإمارات أوفت بالتزاماتها دومًا، وتواصل مساعدتها لشعبنا ووقوفها إلى جانبه في سعيه لنيل حقوقه المشروعة." وذلك لأنه خشي أن تؤثر تلك الإشاعات على ما يقدم للسلطة.

أما أمام الشعب الفلسطيني فيكررون نفس الأسطوانة: "العرب لا يدفعون فلسًا واحدًا، والعرب لا يساعدونا، والعرب لا يدعمونا"، ليوصلوا فكرة واحد ووحيدة "العرب دفعونا للارتماء بأحضان أمريكا واليهود"، و"لا تلومونا بل لوموا العرب"، فأصبح العرب شماعة يعلقون عليها فشلهم السياسي والاقتصادي.

وهنا من الضروري التأكيد على أن الدعم العربي يجب أن يكون موجهًا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وليس لدعم السلطة الفلسطينية وأجندتها الحزبية الضيقة التي تطبق رؤية مجموعة أشخاص ترتبط مصالحهم بالاحتلال.

لا يجوز أن تعطى السلطة الأموال بدون حسيب أو رقيب، ومثلما تفعل الدول الأوروبية لتطلب الدول العربية من السلطة "بروبوزل" لخطة تحرر وطني (ما دام تطلب الدعم من أجل إقامة الدولة الفلسطينية والتحرير)، ولتفهم هذه الدول أين تذهب الأموال، ولتتأكد أنها لن تذهب لتمويل فاتورة الاحتلال الصهيوني وفاتورة حماية مستوطناته، ولتتأكد أن الثقب الأسود المسمى موازنة السلطة ليس مليئًا بالفساد الذي يلتهم الأخضر واليابس.

فهل المطلوب من الدول العربية دفع تكاليف حماية أمن المستوطنين؟ وهل المطلوب من الدول العربية دفع الأموال لتجميل شكل الاحتلال؟ وللتستر على جرائمه وعلى سطوه على أموال الشعب الفلسطيني؟ ليتحمل نتنياهو وأمريكا عبء ذلك وليدفعوا هم الفاتورة للسلطة.

كل دولة عربية تدفع أغورة واحدة للسلطة (وأؤكد على كلمة أغورة لأن هذه لغة السلطة)، هي شريكة للسلطة ولكل أخطائها وخطاياها وعلى رأسها التنسيق الأمني والتفريط بالحق الفلسطيني، وأخص بالذكر الدول العربية التي يحكمها الإخوان والإسلاميون بحكمها منفردين أو بالشراكة مع آخرين، ابتداءً من المغرب إلى تونس والسودان ومصر وليبيا، فأنتم تمثلون السياسة الجديدة في العالم العربي فهل ترضون لأنفسكم السير على نهج السياسة القديمة؟

ليست هناك تعليقات: