الاثنين، 14 يناير 2013

قرية باب الشمس: هل تكون بوابة العودة أم مجرد نشاط موسمي؟



قرية باب الشمس


بعد أقل من 36 ساعة من تشييد قرية باب الشمس داهمتها قوات الاحتلال ودمرت الخيم المنصوبة واعتقلت سكان القرية وطردتهم إلى حاجز قلنديا، في مشهد يختزل المخطط الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني بالضفة الغربية: "مكانكم داخل المعازل العنصرية (مدن رام الله ونابلس والخليل)، هذه دولتكم لكن خارجها لنا وسنأخذه قطعةً قطعة".


خلفية عن قرية باب الشمس:

كانت قرية باب الشمس أحدث وآخر ما توصل له نشطاء المقاومة الشعبية الفلسطينية في مواجهة أخطبوط الاستيطان والتهويد الذي تواجهه الضفة، فقد قاموا قبل فترة بإغلاق طرق الضفة سلميًا أمام سيارات المستوطنين ورفعوا لافتات تؤكد أنها طرق تعود للشعب الفلسطيني ولا يسمح للمستوطنين بدخولها، كما قاموا باقتحام مستوطنة بيت إيل ورفعوا أعلام فلسطينية على جدرانها، وقاموا بقص أجزاء من جدار الفصل العنصري عند رافات (القدس)، وقبلها اقتحموا محلات رامي ليفي المقامة داخل أحد المستوطنات.

وبانتماء النشطاء لكافة التيارات السياسية الفلسطينية فهم يؤكدون على أن الشعب الفلسطيني قادر على العمل بشكل موحد من أجل إنجاز مهمات محددة كما حصل خلال حرب غزة الأخيرة.

كما شهدنا توحدًا إعلاميًا من حماس وفتح في دعم هذه المبادرة، وألقت حماس بثقلها الإعلامي وراء مبادرة قرية باب الشمس بالإضافة لمشاركة عدد من المحسوبين عليها في بناء القرية والسكن داخلها، مما يؤكد على سياستها (والتي أعلن عنها مشعل أكثر من مرة) في تبني كافة أشكال العمل المقاوم وعلى رأسها المقاومة الشعبية.

خريطة توضح المنطقة E1
لقد كان اختيار المكان والتكتيكات موفقًا، فالمكان الذي اختير شرقي مدينة القدس والقريب من بلدة العيزرية وحي جبل المكبر ومستوطنة معالية أدوميم (والذي يطلق عليه الصهاينة اسم E1)، هو البقعة الوحيدة في محيط القدس والتي لا يوجد بها مستوطنات، حيث أحاط الصهاينة القدس بكافة جهاتها بالمستوطنات محولةً الأحياء العربية داخل المدينة إلى جيتوهات معزولة.

فالصهاينة يخططون لإقامة مستوطنات ومقر لقيادة شرطة الاحتلال في المنطقة، لإكمال الطوق وقطع الطريق على أي دولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس، فضلًا عن أنها ستقطع أي تواصل بين شمال وجنوبي الضفة الغربية، وفي نفس المنطقة تسكن عشيرة عرب الجهالين البدوية.

ولعرب الجهالين قصة تلخص مأساة الشعب الفلسطيني فقد طردوا من صحراء النقب عام 1948م واستقروا في المنطقة الممتدة بين شرقي القدس والبحر الميت، وبعد حرب عام 1967م أعلنت أغلب المنطقة عسكرية مغلقة وطردوا من أماكن سكناهم أكثر من مرة من أجل إقامة وتوسعة مستوطنة معالية أدوميم لينتهي بهم المطاف أخيرًا عند مكب نفايات مركزي قريب من بلدة أبو ديس، وحتى مكب النفايات استكثره عليهم الصهاينة وقاموا ببناء أجزاء من الجدار تقطع أراضيهم وتمهد لطردهم من المكان؛ هذه باختصار قصة الشعب الفلسطيني مع المشروع الصهيوني الذي سيلاحقه حتى آخر رمق ولن يعطيه حتى مكب نفايات.

كما اختار القائمون على قرية باب الشمس أرضًا خاصة فلسطينية لبنائها ولم يقوموا ببنائها على أرض حكومية (أميرية) لكي لا تعترض حكومة الاحتلال كونها تعتبر نفسها صاحبة الأحقية بالأراضي الحكومية، وعند التوجه للمحكمة العليا الصهيونية قال أصحاب المبادرة أنهم في سياحة وأنهم لم يبنوا بالحجر بل نصبوا خيامًا فأمهلتهم المحكمة ستة أيام حتى يخلو المكان.

لماذا تحركت حكومة الاحتلال بسرعة؟
قوات الاحتلال تقمع سكان قرية باب الشمس

لكن حكومة نتنياهو لم تمهلهم أكثر من ست ساعات وسارعت لاقتحام القرية وتفكيكها وتدميرها، فحكومة الاحتلال لا تريد أن تكسب المبادرة زخمًا شعبيًا وإعلاميًا يعطيها قوة دافعة شعبية فلسطينية وربما تدفع أطراف خارجية للتدخل لصالح أهالي القرية.

إن قفز حكومة الاحتلال عن القوانين الصهيونية وعن قرارات المحكمة العليا (رغم أن القوانين مطوعة بشكل كبير لخدمة العنصرية الصهيونية) لا يعني إلا شيئًا واحدًا، أن هذه مبادرة خطيرة يجب قمعها ووأدها في مهدها.

الأرض عند الصهاينة خط أحمر لا يدركه أغلب الفلسطينيون والعرب، لأنه عند وضع الأمور على المحك: محك الحق والباطل سيتعرى الصهاينة أمام العالم وتظهر لصوصيتهم أمام الجميع، موقفهم ضعيف وهزيل في قضية الأرض وحق الفلسطيني في استعادة أرضه المهددة بالمصادرة أو التي طرد منها آباءه وأجداده.

ولعل في قرى الغابسية وأقرث وكفر برعم توضيحًا لما أريد أن أصل إليه، فقد طرد سكان هذه القرى بين عامي 1949م و1950م بأوامر عسكرية من جيش الاحتلال بترك قراهم لأسباب أمنية لمدة أسبوعين، وانتهى الأسبوعين وشهرين ومرّ أكثر من ستين عامًا ولم يعودوا، بالرغم من أنه صدرت بعد ذلك قرارات من المحكمة العليا الصهيونية تقضي بعودة أهالي القرى.


وبعد نقاشات في الكنيسيت الصهيوني وواسطات وأخذ ورد قالوا سنسمح بعودة أهالي قريتي أقرث وكفر برعم فقط، وحتى لا يفتح ملف عودة اللاجئين الفلسطينيين جاء في قانون الكنيسيت أنها أول وآخر مرة يسمح بعودة اللاجئين (هكذا بكل وقاحة وصلافة)، ومع ذلك لم يطبق قانون الكنيست ولم يطبق قرار الحكومة وكانت هذه المرة الحجة أن أبقار المستوطنة المجاورة للقريتين لن تجد مكانًا ترعى به وتم تمييع القضية وإماتتها.



الصهاينة يرتعبون خوفًا من حق العودة كما يرتبعون من وقف الاستيطان في الضفة الغربية، لأن ذلك يعني بداية موت مشروعهم وفتح المجال لعودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه، لهذا كان التصرف السريع والصارم بتدمير القرية.

مع أنه في الحالات المقابلة عندما يقوم المستوطنين الصهاينة بالاستيلاء "غير القانوني" على أراضي حكومية (حسب تعريف حكومة الاحتلال لأنه حسب تعريفنا كل الكيان غير قانوني) فإنها تبدأ مسرحية مساومتهم والتوسل لهم لكي يغادروا وفي النهاية تتم تسوية الموضوع بأن يقدموا طلبات للترخيص وتسوية الوضع القانوني.

ما الذي حققته قرية باب الشمس؟

أولًا، ساهمت بفضح الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني، تاركةً أداة بيد القوى الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية في الغرب تحديدًا، لتشرح طبيعة الكيان الصهيوني المماثلة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ثانيًا، وهي أهم نقطة فقد ساهمت بتعريف الشعب الفلسطيني على مكامن القوة لديه، فلا شك أن فتح ملف الاستيطان وحق العودة هي أداة قوية بيد الفلسطيني، لم تستغل مطلقًا والذي تعود على اللجوء والتشريد والمصادرة بدون كثير مقاومة وكأنها قدر محتوم لا فرار منه.

بأيدينا مستندات قانونية، وأوراق ملكية، بل واعتراف صريح من الصهاينة بالأراضي التي سرقت في فلسطين (حيث تصنف على أنها أملاك غائبين) لماذا لا يتقدم الغائبون ويطالبوا بها في كل المحافل ومن خلال مبادرات مماثلة لباب الشمس؟ بأي حق وبأي قانون يمنع "الغائب" من حقه القانوني والموثق؟ إنها قوانين عنصرية مطابقة تمامًا لقوانين ألمانيا الهتلرية وجنوب أفريقيا العنصرية، موقف الصهاينة ضعيف وهزيل لكن أحدًا لم يبادر للآن.

ثالثًا، لا شك أن الحدث يأتي ضمن عمل تراكمي يستنزف الصهاينة نفسيًا وإعلاميًا، وهذا يؤثر على مسيرة الاستيطان في الضفة الغربية وفي الكيان الصهيوني ككل، لكن بشرط استمراره وتراكمه، فحدث أو حدثين لن يعملا أي شيء.

رابعًا، قد تكون هذه الفعاليات شرارة انطلاقة لانتفاضة فلسطينية أكثر عنفًا وقوة في وجه المحتل الصهيوني، وإن كان من المستحيل التنبؤ بمكان أو زمان انطلاق أي شرارة، لكنها تبقى احتمالية قائمة.

أوجه القصور في النشاط الشبابي:

أولًا، ما زالت الفعاليات بعيدة عن الزخم الشعبي الذي يعطيها قوة الاستمرار والديمومة اليومية التي تستنزف الاحتلال بحق، وخاصة أن العنصر الأساسي لأي حراك شعبي وهم طلاب المدارس الثانوية غائبين عن أغلب هذه النشاطات وخاصة ما يتم تنظيمه في مناطق بعيد عن التجمعات الفلسطينية مثل الطرق الالتفافية أو قرية باب الشمس أو المستوطنات.
وعليه يضطر النشطاء نظرًا لمحدودية العدد والإمكانيات إلى المباعدة بين نشاطاتهم مما يفقدها الزخم اللازم ليكون مؤثرًا ومزعجًا بالنسبة للاحتلال.

ثانيًا، بالرغم من تظاهرها بدعم المقاومة الشعبية ومشاركة عناصر من حركة فتح بهذه النشاطات إلا أن السلطة الفلسطينية لا تريدها أن تخرج عن خطوط حمراء حددها الصهاينة، فقامت أجهزتها الأمنية في أكثر من مرة باستدعاء نشطاء باللجان المقاومة للجدار وتهديدهم، وقامت بقمع أكثر من مظاهرة انطلقت من رام الله نحو مستوطنة بيت إيل الملاصقة لها، وأخيرًا قام عناصر الأمن الوقائي يوم أمس باعتقال أحد المشاركين بقرية باب الشمس بعيد الإفراج عنه من عند الصهاينة وهو الشاب قتيبة عازم من نابلس.
وحتى في حرب غزة الأخيرة حاولت السلطة منع الصدام مع الصهاينة لكنها فقدت السيطرة على الأرض، ووجهت رسالة للصهاينة يجب أن توقفوا الحرب على غزة لأننا لا نسيطر على الميدان وقد تفلت الأمور نهائيًا من بين أيدينا.
فالسلطة ما زالت تفكر بعقليتها الديناصورية القديمة وما زالت أجبن من أن تغضب الصهاينة، وحتى شهدنا استغلالًا مقرفًا من جانب صائب عريقات "كبير المستكشفين" لقرية باب الشمس عندما قال أنها تعبير عن إيمان القائمين عليها بحل الدولتين، علمًا بأن جميعهم تقريبًا (بما فيه المحسوبين على فتح) يرفضون هذا الحل جملةً وتفصيلًا.

ثالثًا، بدون زخم شعبي يصعد الموقف مع المحتل وبدون رفع السلطة يدها عن الشارع، فلن نرى تدخلًا عربيًا أو دوليًا يضغط على الاحتلال، كما رأينا في غزة حيث لم يتدخل العالم إلا بعدما قصفت تل أبيب فجاءت أمريكا وقدمت حلًا فيه تنازلات للفلسطينيين، وما لم يتأزم الوضع في ميدان الضفة الغربية بما يزعج الصهاينة ستبقى هذه المبادرات مجرد حراك إعلامي يساهم يرفع المعنويات ويساهم بالتعبئة الإعلامية.

ليست هناك تعليقات: