الاثنين، 21 يناير 2013

السلطة الفلسطينية وركضها وراء وهم الانتخابات الصهيونية


بنيامين نتنياهو، شيلي يحيموفتش، تسيبي لفني، يئير لبيد


إنّ متابعة الانتخابات الصهيونية والرهان على فوز "القوى اليسارية" هي من الثوابت لدى قيادي حركة فتح وديناصورات منظمة التحرير وذلك منذ فترة الثمانينات، وذلك تحت ذريعة اللعب على تناقضات المجتمع الصهيوني الداخلي لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته.

وبالرغم من أنّ فكرة اللعب على التناقضات هي فكرة صائبة وفي مكانها، لكن ما تمارسه فتح والسلطة لا تمت لللعب على التناقضة والتخطيط بأي صلة، وإنما هي مجرد ملهاة يبددون فيها وقتهم وجهودهم وتذبح من خلالها حقوق الشعب الفلسطيني على مذبح الأوهام الساذجة.

وكان مما صدمني أكثر مرة خلال الأسابيع الأخيرة هي تصريحات مسؤولين في السلطة ومحللين محسوبين على السلطة تناولت أملًا بفوز تحالف لليسار والوسط الصهيوني ينضم إليه حزب شاس الديني والأحزاب العربية، وذلك من أجل إزاحة نتنياهو وحلفائه، وتجدهم منهمكين بمتابعة الاستطلاعات وحساب الأرقام.
 
ما أثار صدمتي ليس رهانهم على الصهاينة (فهذا متوقع من قوم استلبت إرادتهم)، ولا تعاملهم على أن فوز فريق صهيوني أفضل من آخر (فهذا كما ذكرت بالبداية لعب على التناقضات وهو أمر محمود لو أجيدت فنونه)، ولا حتى المتابعة المحمومة للحملات الانتخابية (فمعرفة العدو وما يدور في بيته الداخلي فرض كفاية كما أرى)، لكن الصادم أن القوم لا يعيشون في القرن الحادي والعشرين، لا يعيشون في العام 2013م، بل يعيشون بأواخر الثمانينات وأوائل التسعينات.

أذكر جيدًا كيف أن فتح راهنت على فوز حزب العمل في انتخابات عام 1988م، وكيف كانت ردة الفعل عنيفة على عملية حصلت في أريحا قبل الانتخابات بأيام قليلة عندما ألقى شبان فلسطينيون زجاجة حارقة على حافلة للمستوطنين أدت لاحتراق مستوطنة وأطفالها الثلاثة عندما حشروا في مؤخرة الحافلة ولم يستطيعوا النزول، لقد شنعت فتح وقتها على منفذي العملية واتهمتهم بأنهم ساهموا بفوز الليكود بتلك الانتخابات وأنها مؤامرة لصالح الليكود.

*للعلم فقط منفذو العملية وهم: جمعة وأحمد التكروري ومحمود الخرابيش، سجنوا وعذبوا تعذيبًا شديدًا في المسكوبية لمدة 70 يومًا، وحكم عليهم بالمؤبد وهدمت منازلهم، وثلاثتهم ينتمون لفتح أو قريبين منها، أفرج عن أحمد التكروري في صفقة وفاء الأحرار فيما ما زال الآخرين في سجون الاحتلال.

وفي انتخابات عام 1992م راهنت على فوز رابين وحزب العمل، وكم كانت فرحت فتح ومنظمة التحرير عندما فازوا، وما زلت أذكر شعارات كانت تكتبها حماس على الجدارن ساخرة من هذا الفرح "للأسف لا نستطيع التصفيق لفوز رابين لأن أيدينا مكسرة" وذلك في إشارة لسياسة تكسير الأيدي التي كان قد أعلن عنها رابين أثناء الانتفاضة عندما كان وزيرًا لحرب الكيان الصهيوني.

المأساة الصادمة هي أن هذه الشخصيات ما زالت تعيش في أجواء المنافسة بين حزبي العمل والليكود التي ميزت سنوات الثمانينات والتسعينات، ولم يدركوا حجم التغيرات داخل المجتمع الصهيوني، وأنهم يسقطون أحلامهم وأوهامهم على الواقع آملين أن يتحقق شيء منها بمجرد كثرة تكراره واجتراره.

أولًا، حزب العمل واليسار الصهيوني انهار بعد انتفاضة الأقصى، انهيارًا تامًا وأصبح حزبًا هامشيًا لا وزن له، وحتى محاولة زعيمته الجديدة شيلي يحيموفتش اللعب على وتر الاقتصاد والإصلاح الاجتماعي لن يكتب لها النجاح، فالقواعد الأكثر فقرًا داخل المجتمع الصهيوني هي مؤيدة بشكل تلقائي إما لحزب الليكود أو لحركة شاس والأحزاب الدينية، وتنظر لحزب العمل على أنه ناد مغلق لنخبة المجتمع الصهيوني.

ثانيًا، خلال زعامة أريه درعي لحركة شاس الدينية كانت الحركة لا  تحمل مواقف سياسية واضحة (مع ميل طفيف إلى اليمين) وكانت تهتم بميزانيات المعاهد الدينية والقضايا الاجتماعية، لكن بعد سجنه (بتهمة الاختلاس) وقدوم إيلي يشاي إلى رئاسة الحركة تبلورت لديها مواقف سياسية يمينية متطرفة، وعندهم مبدأ سياسي مقدس وهو رفض التفاوض على يهودية القدس (وعلى رأسها جبل الهيكل – الاسم الذي يطلقونه على المسجد الأقصى).

وحتى نفهم ما هي حركة شاس اليوم فقد خرجت من ائتلاف حكومة أولمرت عام 2009م وأطاحت به فقط لأنه قبل التفاوض مع محمود عباس على القدس، وحتى عندما تعهد أولمرت بأن تكون هذه المفاوضات بدون نتيجة (مجرد دردشة) رفضت الحركة هذه الدردشة حول القدس، مؤكدة على أن يهودية القدس لا يجوز مجرد التفكير بالدردشة حولها.

هذه حركة شاس التي يراهن عليها البعض، ولا أحتاج للتذكير بمواقف زعيمها الروحي عوفاديا يوسف الذي وصف العرب بأولاد الأفاعي والعقارب، والذي دعا لهلاك العرب وإبادتهم مثلما تباد الأفاعي السامة.

ثالثًا، بعد انشقاق شارون عن حزب الليكود وتشكيله حزب كاديما، وما رافقه من انهيار لحزب العمل واليسار الصهيوني، برز إلى الساحة الصهيونية ما يسمى بتيار الوسط، ولو استعرضنا قادة الوسط الصهيوني نجد أغلبهم إن لم يكن كلهم قد أتوا من خلفيات فكرية يمينية، وبعضهم يؤكد على إخلاصه لأفكار جابوتنسكي (مؤسس اليمين الصهيوني).

لا يوجد ما يميز الوسط الصهيوني عن اليمين الصهيوني سوى أمرين اثنين: الوسط الصهيوني عبارة عن قيادات (أشخاص) تبحث لها عن مجد شخصي وسط الساحة السياسية، فنراها كلها أحزاب تدور حول أفراد: موفاز وليفني ويئير لبيد، والأمر الآخر الذي يميزها هو أنها على عكس اليمين التقليدي الصهيوني ترفض التعايش مع الأحزاب الدينية وتريد التأكيد على علمانية الكيان الصهيوني (وهذا لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لنا كفلسطينيين).

وأبرز أجندات الوسط الصهيوني هو محاربة إعفاء المتدينيين اليهود من الخدمة العسكرية ومحاولة فرضها عليهم (وعلى الفلسطينيين أيضًا)، ومحاربة الميزانيات الواسعة للمدارس التوراتية، هذا ما يطرحونه للتميز عن الليكود واليمين وأقصى اليمين.

أما كمواقف سياسية فلم أجد للوسط الصهيوني أي موقف سياسي "طري" تجاه الفلسطينيين وأحيانًا نسمع لهم تصريحات إلى يسار نتنياهو قليلًا وأحيانًا تكون إلى اليمين قليلًا، وأغلب الأحيان تتطابق مع مواقفه.

وإذا أخذنا أكثر قادة الوسط بعدًا عن اليمين وهو يئير لبيد زعيم حزب "يوجد مستقبل" نراه قد خرج على الصهاينة بنظرية جديدة، وهي أنه مثلما أجبر عباس والسلطة على التنازل عن حق العودة "لأن الفلسطينيين وجدوا تماسكًا يهوديًا رافضًا لحق العودة"، بالتالي فإنه من الممكن دفعه للتنازل عن القدس (والمقصود هو القدس الشرقية) عندما يجد أن اليهود متماسكين في رفض المساومة على القدس، وأكّد على أن القدس يجب أن تكون خارج النقاش.

رابعًا، وجود الأحزاب العربية داخل الكنيست الصهيوني هو مجرد ديكور لكي يقول الصهاينة للعالم أنهم ديموقراطيين ويسمحون لأعدائهم بالجلوس في الكنيست، لكن من ناحية الممارسة العملية فلا يسمح لهم بمجرد المشاركة بتشكيل الحكومات، وهنالك "مبدأ أخلاقي" تسير عليه الأحزاب الصهيونية وهو أنه يجب أن تأخذ أي حكومة يتم تشكيلها على أغلبية يهودية داخل الكنيست (فإن كان أغلب النواب اليهود ضدها فيجب أن ترحل ولا يجوز أن تستعين بأصوات النواب العرب).

ورئيس الوزراء الصهيوني الوحيد الذي استعان بالصوت العربي كان إسحق رابين، وهو لم يدخل الأحزاب العربية حكومته، لكن عندما جاءت لحظة إسقاط حكومته بالتصويت أنقذه النواب العرب عندما صوتوا لصالح حكومته (بدون أي وعود منه لكن نكاية بالليكود)، وعدت هذه في عرف الصهاينة جريمة ومثلبة بحقه ولم يشفع له تاريخه في محاربة الشعب الفلسطيني، بل وكلفه هذا الموقف حياته لأنه انطلقت حملة تحريض ضده رافقت تطبيق اتفاقية أوسلو واتهم بأنه عميل للفلسطينيين إلى أن اغتيل وقتل.

الخلاصة، من يريد أن يتابع الانتخابات الصهيونية فيجب أن يفهم جيدًا خريطة الأحزاب الصهيونية وحركة المجتمع السياسي الصهيوني، وأن يحدث معلوماته وأن يخرج من قوقعة الأوهام والأحكام المسبقة.

ويجب أن ندرك أننا بصدد الكنيست الأكثر يمينية والأكثر فاشية بتاريخ الكيان الصهيوني، وإن استعرضت مواقف الوسط الصهيوني فلم استعرض مواقف الليكود وإسرائيل بيتنا، والأحزاب الأكثر فاشية وعدوانية مثل البيت اليهودي والذي يضم أحزاب المستوطنين والتيار الصهيوني الديني (حزب الاتحاد الوطني)، وهي كلها أحزاب وقوائم يتوقع أن تكتسح الكنيست بأغلبية مريحة، فهذا ما ينتظر الشعب الفلسطيني وليست أحلام ديناصورات منظمة التحرير.

ليست هناك تعليقات: