الأربعاء، 27 فبراير 2013

هل هي انتفاضة ثالثة أم مجرد هبة عابرة؟




 
انتفاضة الأسرى الحالية تذكرني بانتفاضة الأسرى في أيار من عام 2000م والتي اندلعت لمؤازرة إضراب عن الطعام كان يخوضه الأسرى في حينه، وقد استمرت عدة أيام واستشهد شاب وأصيب العشرات قبل أن تتدخل السلطة وتوقف الحراك الشعبي.

كانت تلك الانتفاضة بمثابة النذير الأول لما سيحصل فيما بعد لكن لم يلتقطها الصهاينة وجاءت مفاوضات كامب ديفيد بعدها بقليل وفشلت بالتوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية بسبب الخلاف على الأقصى وتقسيمه بين المسلمين واليهود، لتأتي انتفاضة الأقصى بعد شهر تقريبًا من مفاوضات كامب ديفيد.

هنالك نقاط تشابه بالوضع بين ذلك الوقت ويومنا هذا كما أن هنالك نقاط اختلاف سأحاول إجمالها لكي لا تكون المقارنات سطحية.


نقاط التشابه:

1-    الانسداد بالأفق السياسي في المفاوضات بين السلطة والاحتلال الصهيوني، والانسداد الحالي أكبر وأصبح مزمنًا بعد أن كان طارئًا عام 2000م.

2-    قضية الأسرى وقضية الأقصى كانتا عامل توتير وتسخين عام 2000م وهما كذلك في السنتين الأخيرتين.
3-    التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية كان وما زال يقضي على أي أمل بالدولة التي تحلم بها السلطة.
4-    حماس مقموعة في الضفة والعمل العسكري ممنوع وملاحق ومحاصر (في العام 2000م كان القمع في كل من الضفة وغزة). 
5-    الاحتلال الصهيوني يتبع سياسة فرض الأمر الواقع بدون أي تفكير بعواقب سياسته.

نقاط الاختلاف:

1-    الاحتلال الصهيوني انسحب من الكثير من نقاط الاحتكاك مع الشعب الفلسطيني خلال وبعد انتفاضة الأقصى؛ مثل قبر يوسف في نابلس وحاجز المعلوفية في رام الله، وعدد من مستوطنات جنين وغيرها، والانسحاب من كامل قطاع غزة.
فأصبحت إمكانية المواجهة الشعبية مع الاحتلال أقل وأصبح الذهاب إلى أقرب نقطة للمواجهة أكثر صعوبة، واليوم يضطر الشبان والفتية في أكثر المناطق لقطع كيلومترات طويلة (وغالبًا مشيًا على الأقدام) من أجل الوصول إلى نقاط الاحتكاك مثل حاجز حوارة في نابلس وحاجز الجلمة في جنين وسجن عوفر في رام الله، مع وجود استثناءات قليلة مثل معبر قلنديا جنوبي رام الله وقبة راحيل شمالي بيت لحم وباب الزاوية داخل الخليل.
وقلة أماكن الاحتكاك تجعل الوضع يشتعل على نار هادئة دون أن ينفجر.

2-    في العام 2000م كان عرفات يريد استخدام الشارع ضد الاحتلال كوسيلة ضغط، ولم يمانع باستخدام أجهزته الأمنية السلاح ضد الاحتلال، مما صعد الوضع وفجر الأمور بما خرج عن السيطرة في نهاية المطاف.
أما اليوم فمحمود عباس والسلطة لا يريدون تصعيد الأوضاع لا عسكريًا ولا شعبيًا، لذا تقوم شرطته بقمع المتظاهرين المتوجهين إلى خطوط التماس.

3-    الوضع اليوم في غزة مختلف كليًا، فلا يمكن الكلام عن مواجهة شعبية في غزة، فدرجة التسليح على جانبي الحدود عالية جدًا وأي انفجار سيؤدي لحرب، وهذا ممكن أن يدعم الضفة في حال تصاعد الوضع في الضفة بأن تشعل غزة الوضع على الحدود بما يجبر الصهاينة على البحث عن تسوية حتى لا تنفلت إلى حرب لا يمكن السيطرة عليها.
4-    هنالك اختلاف جذري (وهو الفارق الأهم) فسكان الضفة الغربية اليوم ما زالوا يعيشون صدمة الهزيمة التي تلت عملية الجدار الواقي عام 2002م وإعادة احتلال المدن وضرب المقاومة بقوة.
فقد ولّد هذا إحباطًا كبيرًا في نفوس الناس (أو كما يسميه موشيه يعلون كي الوعي) وخاصة لمن عايشوا الانتفاضتين، حيث يسود الشك بقدرة المقاومة على فعل شيء من أجل تحرير الضفة أو حتى تغيير الوضع، وهذا المنبع الأساسي لضعف التفاعل مع ما يحدث في الشارع.
ولعلنا نلاحظ هذا الإحباط في الجيل الأكبر سنًا أما الأقل سنًا وهم من طلاب المدارس والجامعات فالدافعية أعلى، لكن أغلب القيادات الميدانية والتنظيمية هم من الجيل الأكبر المتأثر سلبًا بتجربة انتفاضة الأقصى.

5-    الوضع العربي والدولي حاليًا أفضل من عام 2000م عندما كانت أمريكا تنفرد بالقرار وهي التي تملي على الدول العربية ما تفعل وما تقوم به، ولهذا حوصر عرفات وتم اجتياح الضفة دون أي ردة فعل حقيقية من العالم، أما اليوم فقد رأينا تجربة غزة وكيف تدخلت مصر وتركيا وغيرهما لنجدتها.
ولعل هذا ما يعطي الناس دفعة أمل أنهم لو تحركوا فسيتغير الوضع ولن تتكرر التجربة السيئة لكن صفة التشاؤم هي الغالبة حتى اللحظة.

6-    الانقسام وأحداث عام 2007م ما زالت تلقي بظلالها على الوضع، ورأينا كيف تعمل السلطة وقيادات فتح على توظيف الخوف من حماس من أجل تثبيط الشارع الفتحاوي ووصف مواجهة الاحتلال بالفوضى وأن الفوضى هي مطلب حماس، وأن حماس تريد عودة العمل العسكري في الضفة لكي تقوم بانقلاب ضد السلطة، وبكلام آخر يقولون لقواعدهم الشعبية يجب أن نتعايش بسلام مع الاحتلال حتى لا تعود حماس.
وفي المقابل فإن المزايدات بين الطرفين تدفع أطرافًا داخل فتح وخاصة داخل الجامعات لأن تحرص على أن تكون في مقدمة المواجهات لتثبت أن فتح هي رائدة المقاومة وليست حماس.
فالتنافس والحساسيات تلعب بكلتا الاتجاهين وممكن أن تكون عامل محفز للفتحاويين وممكن أن تكون عامل تثبيط.

7-    الاستيطان والتهويد حيث حصل تسارع وتوسع بهذا المجال، وأصبح الصهاينة يسيطرون على المفاصل الحيوية في الضفة وقاموا بتقسيمها إلى كانتونات معزولة عن بعض، ووصلت جهود الاستيلاء على القدس والأغوار إلى مراحل متقدمة جدًا، وهذا يعيق أي عمل مسلح لتحرير الضفة لأنهم يحكمون السيطرة على المفاصل والمواقع الاستراتيجية وأهمها على الإطلاق غور الأردن الذي يشكل حدًا فاصلًا بين الضفة والأردن.

الخلاصة:

في ظل ما سبق نرى أن هنالك نقاط تشابه ونقاط اختلاف بالوضع بين عامي 2000م و2013م، وأن هنالك جملة أمور تدفع بالوضع في الضفة الغربية نحو الانفجار، وإن كان الوضع المعنوي داخل الشارع الفلسطيني لا يشجع على اندلاع انتفاضة واسعة بالمعنى الحقيقي وذلك بسبب التجربة المؤلمة التي مر بها الشعب الفلسطيني بالضفة خلال انتفاضة الأقصى وبسبب حرص السلطة على إفشال أي تحرك واستغلالها كافة العوامل لتهدئة الوضع مع الاحتلال، إلا أن تراكم الضغط وانسداد الأفق، واكتساب الشباب في الشوارع تجربة نضالية وكفاحية، والوضع العربي المحيط المشجع كلها عوامل ستشجع الناس على التوجه قدمًا نحو الانفجار والمواجهة، والأمر لا يعدو أكثر من مسألة وقت (قد تكون في الموجة الحالية وقد تكون بعد عام لا أحد يستطيع أن يعلم بالضبط).

وعند الكلام عن انتفاضة ثالثة فإن اندلعت شعبية فلن تستمر كذلك لأنه لا يوجد نفس طويل للتظاهر ولأن الأماكن التي يسيطر عليها الصهاينة هي معسكرات ومستوطنات وحواجز عسكرية في شوارع استراتيجية بعيدًا عن المدن وهذه لن تزول بسبب مظاهرات أو حتى من رشق الحجارة، فمن المتوقع أن تتطور الأمور إلى مواجهات مسلحة، ووقتها تكون الأمور قد وصلت لمرحلة الانفجار ونقطة اللاعودة وهذا سيدفع المقاومة في غزة للتدخل وأيضًا المحيط العربي لفرض معادلات جديدة، أما ما دون ذلك فستبقى مواجهات موسمية تشتد وتهدأ بين الحين والآخر.

ليست هناك تعليقات: