الاثنين، 18 مارس 2013

إبعاد الشراونة وخطورة شرعنة الإبعاد



أولًا، المسؤول الرئيسي عن الوضع السيء الذي وصل إليه الشراونة وأجبره على قبول الإبعاد هو كل من تخاذل عن نصرته ونصرة إخوانه الأسرى، سواء من الشعب الفلسطيني أو من الأمة العربية والإسلامية، وربما كانت القاصمة التي قضت على آمال الشراونة هو إفشال هبة الأسرى الأخيرة التي كانت وسيلة الضغط الوحيدة على الاحتلال، ولما أنهيت الهبة الجماهيرية بدون نتائج فكان من الطبيعي أن يستفرد الاحتلال بالشراونة وغيره من الأسرى.
 
ثانيًا، لا أقصد من هذا المقال المزايدة على الشراونة أو غيره من الأسرى الذين يوضعون في أحوال نفسية وبدنية صعبة للغاية، وخصوصًا عندما تتم مساومتك على قضاء عشرين عامًا قادمة في السجن أو الإبعاد، فالخيارات ضيقة جدًا، وإنما القصد هو إبراز خطورة فكرة الإبعاد وضرورة مواجهتها.

تشكل عملية إبعاد الأسير أيمن الشراونة آخر حلقة من مسلسل إبعاد الأسرى والمقاومين الفلسطينيين، وكان الصهاينة قد اعتمدوا الإبعاد القسري منذ احتلال الضفة والقطاع عام 1967م، إلى أن جاءت عملية الإبعاد إلى مرج الزهور وصمود المبعدين لتكسر هذه السياسة وتجمدها لسنوات طويلة.


إلا أن المحتل لم ييأس وحرص على الاحتفاظ "بحقه" في الإبعاد وتحقق له ذلك عندما وافق ياسر عرفات على إبعاد عدد من المقاومين كانوا يختبئون في كنيسة المهد، وتنكر المحتل لمن وعد بعودتهم بعد عام وعامين وهاهم مبعدو كنيسة المهد ما زالوا بعيدين عن أرضهم لأكثر من عشر سنوات (وبعضهم لو سجن وقتها لما أمضى نصف هذه المدة).

وجاء إبعاد عدد من الأسرى بعد صفقة التبادل ثم إبعاد الأسيرة هناء الشلبي والآن أيمن الشراونة ليعطينا فكرة عن مستقبل الضفة الغربية كما يراها الاحتلال الصهيوني، وما هذه الصفقات بالصدفة ولا هي رحمة أو شفقة على الأسرى، بل تأتي ضمن تصور صهيوني أشمل يقتضي تفريغ الضفة من سكانها الفلسطينيين تمهيدًا لضمها، وهو مخطط طويل الأمد وليس مجرد خطوات عشوائية.

فهنالك الصفقات التي تعقد مع عدد من النشطاء الممنوعين من السفر بأن يسمح لهم بالسفر من أجل الدراسة أو العمل بشرط أن لا يعودوا إلا بعد ثلاث أو خمس سنوات، وهي صفقات لا يحترمها الاحتلال مطلقًا فيمنع الشخص من العودة للضفة بعد انتهاء هذه الفترة (هذا في حال إن تجرأ وعاد لأنه غالبًا ما يتم تلفيق له قضايا في محاكم الاحتلال لكي لا يجرؤ على العودة)، وبفضل هذه السياسة استطاع الاحتلال التخلص من مئات النشطاء السياسيين والميدانيين.

كما تتم عمليات تطهير عرقي أكثر وقاحة وفجاجة وعلى نطاق أوسع مثل تهجير سكان الأغوار وصحراء النقب، من خلال منع الخدمات عنهم (الماء والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات) ومن خلال هدم بيوتهم، حيث يعيشون في هذه المناطق في سقائف وخيام لا تنتمي للقرن الحادي والعشرين، ومن خلال إجراءات تعجيزية ومنها على سبيل المثال تغريم أحد رعاة الأغنام ومصادرة قطيعه لأن أغنامه قطعت الشارع من مكان غير مخصص لها!!

يهدف الصهاينة من خلال هذه الإجراءات دفع سكان الأغوار والتجمعات البدوية جنوب الخليل إلى ترك قراهم إلى مدن الضفة الغربية، وتهجير بدو النقب إلى مدن النقب ليستفرد الاحتلال بالأرض ويصادرها.

وسواء كنا نتكلم عن تهجير أسير إلى قطاع غزة أو ناشط سياسي إلى دول الخليج وماليزيا أو عشيرة بدوية من غور الأردن إلى طوباس ونابلس، فكلها تهدف إلى تنظيف فلسطين من الشعب الفلسطيني وتجميعه في مناطق محصورة (مراكز مدن الضفة الغربية وقطاع غزة) بحيث يحصل الصهاينة على أوسع نطاق من الأرض بأقل عدد من الفلسطينيين.

ولهذا طالما حرّم الأسرى على أنفسهم القبول بمبدأ الإبعاد، فمساومة الأسير على حريته أو الإبعاد هي ممارسة قديمة قدم الاحتلال، لكن أحدًا من الأسرى لم يكن ليجرؤ ليفكر بهذا الخيار، ولم تكن تسمح قيادة الحركة الأسيرة بمثل هذه الجريمة.

إلا أننا بتنا نشهد سياسة جديدة بدأت مع مبعدي كنيسة المهد ثم صفقة الوفاء للأحرار وإبعاد قسم من الأسرى إلى غزة والخارج، والآن مع عمليات الإبعاد الطوعي والتي افتتحتها الأسيرة هناء الشلبي بالرغم من أنه لم يكن متوقعًا أن تقضي أكثر من بضعة أشهر في سجون الاحتلال إلا أنها استسهلت هذا الحل، والخوف أن تكرّ المسبحة وأن يصبح الإبعاد هو الحل لكل مشاكل الأسرى أصحاب الملفات المعقدة.

صحيح أنه في الحالات التي يكون مخيرًا فيها الأسير بين قضاء مؤبد في السجن أو عشرين عامًا وبين الإبعاد فالإبعاد يعتبر أهون الشرور، لكن يجب أن نكون حذرين كل الحذر هنا:

1-    فالإبعاد لا يجب أن يكون انتصارًا ولا يجوز الاحتفال به، فهو بأحسن أحواله أقل الشرور سوءًا، ولا يجوز تجميله بمسميات تلفه مثل "أننا وطن واحد" أو "أن هذا أفضل من البقاء في الضفة"، فما دمنا وطن واحد لماذا لا يبقى في أي مكان يريد بوطنه الواحد!!
2-    مقاومة الاحتلال لها ثمن ولا يوجد مقاومة بدون أذى من المحتل، فلا يجب أن يكون معيارنا أن كل ما يجنب الإنسان أذى المحتل هو مقبول وضروري، لأن هذا يشجع المحتل على إيقاع الأذى بنا أكثر وأكثر حتى يشجعنا على الرحيل تحت مبرر الاضطرار.
3-    إبعاد الشراونة إلى غزة جريمة يتحمل الاحتلال مسؤوليتها الكاملة، ولا يجوز تبرأته منها وبالتالي يجب أن تبدأ المرحلة التالية ألا وهي مرحلة النضال من أجل عودته حرًا إلى بيته.
4-    كان هنالك تقصير كبير مع الأسرى عمومًا ومع الشراونة خصوصًا إعلاميًا وسياسيًا وميدانيًا، ويجب أن يحاسب كل من قصر في دعمه، لأنه لو وجد دعمًا حقيقيًا لما اختار هذا الخيار السيء، نعم هو خيار سيء لأنه كان هنالك أسوأ منه، ومن يلام هو من تركه وحده ليواجه مصيره.
5-    يجب الانتباه لمخطط الاحتلال القادم والقائم على تنظيف مناطق واسعة من الضفة وفلسطين المحتلة عام 1948م من الوجود الفلسطيني، والأمر لا يقتصر على بضع أسرى يتم إبعادهم بين الحين والآخر، ويجب أن يكون هنالك موقف واضح وحاسم من هذا المخطط.

وخلاصة الكلام أنه من المحرم أن نطبع أنفسنا على القبول بفكرة الإبعاد، ويجب أن تبقى جريمة نحاربها بكل ما أوتينا من قوة، حتى لو تفهمنا اضطرار البعض للقبول بالإبعاد لعدم وجود حلول أخرى.

ليست هناك تعليقات: