الثلاثاء، 26 مارس 2013

أين هو الإنجاز في اعتذار نتنياهو للأتراك؟


الكثير يطرح هذا التساؤل حول اعتذار نتنياهو نيابة عن حكومة الاحتلال للأتراك على جريمة اقتحام السفينة مرمرة وقتل تسعة من المتضامنين الأتراك، بل ووصل الأمر بالبعض للتهجم على أردوغان ووصفه بأنه باع دماء الأتراك لقبوله الاعتذار وكأن الجيوش التركية كانت على مشارف القدس فقام أردوغان بسحبها مقابل الاعتذار.

كما وجدنا قيادات سياسية مثل خالد البطش القيادي في الجهاد الإسلامي يهاجم الاتفاق ويصفه بالانتصار الزائف، وهنا يجب أن نضع النقاط على الحروف حتى لا نبقى أسرى لعادة التشكيك بكل شيء نسمعه بسبب أو بدون سبب، ولنخرج من حالة الخوف المرضي (الفوبيا) من كل ما يحصل حولنا.
 
وهنا يجب الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية أن الصفقة التي أنجزت تدور حول الاعتداء الصهيوني على السفينة مرمرة، وإغلاق هذا الملف، فقط لا غير، فلا هي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية ولا هي فاتحة علاقات جديدة بين الكيان وتركيا.

وللتذكير فقط فكل مرة يرتكب الصهاينة جريمة بحق العرب والفلسطينيين فإننا عادة ندين ونستنكر ثم يطوى الأمر ولا تتم ملاحقة أو محاسبة الصهاينة، ولا يعتذرون لنا ولا يدفعون التعويضات، أفلا نعتبر وجود دولة استعدت لملاحقتهم حتى النهاية من أجل الإعتراف بجريمتهم إنجازًا؟ أم المطلوب أن يكون الأتراك مثلنا نغضب ونشتم اليهود في سرّنا وبعدها تستمر الحياة وكأن الصهاينة لم يفعلوا شيئًا؟

ما هي الصفقة التي تم التوصل إليها؟

الصفقة التي جرت برعاية أمريكية نصت على: أن يعتذر الصهاينة بشكل رسمي وعلني لتركيا على جريمة اقتحام السفينة وقتل المتضامنين الأتراك، وأن تدفع تعويضات لأهالي الشهداء الأتراك، وأن ترفع الحصار المفروض على الفلسطينيين (والمقصود قطاع غزة) وذلك من خلال السماح بدخول جميع البضائع إلى القطاع، وليس كما هو الحال الآن حيث توجد قوائم لبضائع ممنوعة من الدخول.

وفي المقابل يسقط الأتراك الملاحقة القضائية للجنود والمسؤولين الصهاينة، وتعود العلاقات الديبلوماسية بين البلدين إلى طبيعتها قبل حادثة السفينة مرمرة (أي تتم إعادة الديبلوماسيين الذين تم سحبهم).

ما هي الاعتراضات؟

في ظل ما سبق فإن المعترضين على الصفقة يطرحون عددًا من الاعتراضات وهي:

أولًا، تطبيع العلاقات بين الكيان وتركيا وعودة العلاقات الحميمة بينهما، والمناورات العسكرية المشتركة (مثلما كان في فترة التسعينات).

ثانيًا، التخلي عن محاكمة القتلة الصهاينة وما يعنيه ذلك من تبرئة لهم.

ثالثًا، لا توجد فائدة تذكر من الاعتذار فهو مجرد كلام كما يقول المعترضون.

رابعًا، الصهاينة سيتنصلون من تطبيق الجانب الخاص بهم في الاتفاق.

وبماذا نرد عليهم؟

أولًا، لا يوجد صفقة في العالم تحصل فيها على كل ما تريده.

ثانيًا، العلاقات الديبلوماسية لم تكن مقطوعة بين البلدين، بل كان هنالك خفض بدرجة التمثيل الديبلوماسي، والصفقة متعلقة فقط بعودة درجة التمثيل الديبلوماسي إلى طبيعته، ولا توجد أي خطوات تطبيعية أخرى.

ثالثًا، لا يوجد بالصفقة أي كلام عن عودة التحالف الاستراتيجي القديم بين تركيا والكيان، ولا  عن عودة المناورات العسكرية المشتركة، وهنالك شبه إجماع من قبل المتابعين للعلاقات بين البلدين (من أتراك وصهاينة وعرب) على أنّ العلاقات لن تعود مثلما كانت في عصرها الذهبي بسنوات التسعينات.

رابعًا، إسقاط محاكمة الصهاينة هي خطوة أثرها قليل، لأن المحاكمة أصلًا لن تترجم إلى أحكام تنفذ، فالصهاينة المتورطون بالجريمة لن يتم سجنهم حتى لو صدرت أحكام، وليس في الإسقاط تبرئة لهم لأن هنالك تعويضات ستدفع وهنالك اعتذار علني وهذين الأمرين يدينان الكيان بأنه ارتكب جريمة ولم تتم تبرئته مطلقًا.

وبالتالي فيمكن ملاحقة الكيان إعلاميًا بأنه مجرم وباعترافه نفسه، فإسقاط الحكم القضائي لا يلزم الإعلام ولا يلزم مشاعر الناس أو آراءهم.

خامسًا، البند الوحيد الذي نفذ من الاتفاق هو اعتذار نتنياهو، فالخوف من تنصل الصهاينة من باقي البنود ليس في مكانه، لأنه لو لم ينفذوها فبإمكان تركيا أن لا تنفذ جانبها من الصفقة بكل بساطة، فبإمكانها الاستمرار بمحاكمة الصهاينة لم تدفع التعويضات أو إبقاء العلاقات منخفضة فيما لو لم يرفع الحصار.

والصهاينة لا يمكنهم سحب الاعتذار، لأنه ليست مجرد كلمة، بل هي اعتراف بارتكابهم جريمة، وهو إقرار منهم على أن ما قاموا به هو خطأ، فلو جاء نتنياهو وقال سأسحب الاعتذار فلن يحسب أكثر من تصرف صبياني منه، وفي المقابل لو قررت تركيا العودة لمحاكمة الصهاينة (في حال تعرف تطبيق المتفق عليه) فلن يكون تصرفًا صبيانية، لماذا؟ لأنها  هي تنازلت عن المحاكمة مقابل تعويض مادي ومعنوي وليس لأن المحاكمة غير محقة.

سادسًا، مجرد اعتراف الصهاينة بالخطأ يدينهم في حصار غزة، فالمتضامنون الأتراك لم يكونوا في رحلة سياحة واستجمام ولم يكونوا في بلدهم، بل كانوا متوجهين لفك الحصار عن غزة، واعتراف الصهاينة بأن اعتراضهم وقتلهم هو خطأ واعتذارهم عن ذلك، يعني أن ما كان يقوم به ركاب السفينة مرمرة كان أمرًا مشروعًا، وبالتالي ففك الحصار عن غزة هو أمر مشروع وحصار غزة هو جريمة.

فانطلاقًا من ذلك يمكننا كفلسطينيين أن نطالب بإدانة الكيان على حصار غزة، وأن نطالب بمحاسبة الكيان على حصار غزة، وإن كنا فاشلين في اغتنام هذه الفرصة، وإن كان التضييق على حماس أهم عند سلطة رام الله من فك الحصار عن غزة، وإن كان الانتقاد لأجل الانتقاد أهم عند خالد البطش، فهذا ليس ذنب أردوغان ولا ذنب تركيا، فهم قد وفروا لنا الفرصة ونحن علينا استغلالها.

سابعًا، اعتذار الصهاينة عن جريمة ارتكبوها هي سابقة، فلحد اليوم لم يعترفوا بأي جريمة ارتكبوها ولم يعتذروا عنها، وفي أحسن الأحوال كانوا ينسبون الخطأ إلى تقصير فرد ويعاقبوه عقابًا شكليًا أو يصفوه بأنه خطأ غير مقصود.

وهذه فرصة أخرى لنرفع مطالبات باعتذار الصهاينة عما ارتكبوه بحق الشعب الفلسطيني من جرائم طوال السنوات الستين، والاعتذار في لغة السياسة والديبلوماسية ليس مجرد كلمة، بل له تبعاته واستحقاقاته، وهذا باب واسع لو أجبرنا الصهاينة على القبول به فسيعني إمكانية تطبيق حق العودة وحق التعويض لأهالي الشهداء والأسرى وما إلى ذلك، ولو رفض الصهاينة فستكون مادة لحصاره إعلاميًا وسياسيًا ودوليًا، فلماذا اعترف بخطئه للأتراك ولا يريد الاعتراف للفلسطينيين؟ لماذا هذه العنصرية؟

ومرة أخرى ليس ذنب أردوغان إن فشلنا بالتقاط الفرصة واستغلالها، هنالك فرصة أمامنا إما نستغلها ونترجم الإنجاز الذي حققه أردوغان إلى واقع وإما أن نضيعها ووقتها نحن الملومون فقط لا غير.

ليست هناك تعليقات: