الاثنين، 13 مايو 2013

في ذكرى النكبة: الشعب يريد اعتذار بريطانيا



ينظم نشطاء حملة من أجل اجبار بريطانيا على تقديم الاعتذار على اصدارها وعد بلفور، كونها المسؤولة عن مأساة الشعب الفلسطيني عام 1948م وتشريده وقتل مئات الآلاف من أبنائه على مدار أكثر من 95 عامًا، منذ أن احتل البريطانيون فلسطين أواخر عام 1917م وحتى يومنا هذا.
 
وجريمة بريطانيا تبدأ عند وعد بلفور ولا تنتهي به، وهنا من الضروري التأكيد على أننا لا نستجدي تعاطفًا من بريطانيا أو الغرب، ولا نطلب منهم تحيزًا إلى جانبنا في صراعنا "مع جيراننا الإسرائيليين"، كما يحلو للغرب تصوير صراع الشعب الفلسطيني ضد الفاشية والعنصرية الصهيونية.


نحن نطالب وبكل بساطة من بريطانيا والغرب إصلاح الخطيئة التاريخية الكبرى التي ارتكبوها، ليكفروا عن الجريمة التي سهلوا ارتكابها ودعمهم للكيان الصهيوني طوال مراحل تطوره وتتالي اعتداءاته على الشعب الفلسطيني.


وأوضح هنا أهمية الاعتذار فهو ليس مجرد كلمة تقولها الحكومة البريطانية، وإلا فنحن أغنياء عنها لأننا نؤمن جيدًا بحقنا ولسنا بحاجة لاعتراف الآخرين به، بل لأنه سيكون مقدمة لتصحيح الخطيئة المرتكبة والتعويض عن آلام الماضي ووقف الانتهاكات التي ما زالت ترتكب حتى يومنا هذا.


وإن كان حل القضية الفلسطينية سلميًا كما يطرح الغرب، فهذا يعني ضرورة الاعتراف بأن هنالك شعب كامل اقتلع من أرضه وله كامل الحق بالعودة لها كمقدمة لأية تسوية سلمية حقيقية، وإن كان الحل هو من خلال محاربة الاحتلال بقوة السلاح كما نراه الحل الوحيد في ظل المعطيات الحالية، فهذا يعني أن يتوقف الغرب عن دعم الكيان الصهيوني بالسلاح والمال والمواقف الديبلوماسية والإعلامية.


عندما استجابت الحكومة البريطانية لطلب الحركة الصهيونية بإقامة وطني قومي لليهود على أرض فلسطين عام 1917م، فهي أسست لقيام واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي عام 1948م، وما زال حتى اليوم حوالي 7 ملايين فلسطيني لاجئين ومشتتين، منهم من هو لاجئ خارج وطنه وممنوع من مجرد العودة إليه، حتى لو كانت العودة إلى رام الله أو غزة، ومنهم من هو لاجئ في أرضه ممنوع من العودة إلى قريته التي حولت إلى غابة أو "محمية طبيعية" أو مزرعة للأبقار.


لقد ساهمت سياسة حكومة الاحتلال البريطاني بين عامي 1917م و1948م بخلق هذه المأساة، من خلال فتح الأبواب لهجرة مئات الآلاف من اليهود إلى فلسطين، ولو كانت هجرة بدوافع إنسانية لحماية الهاربين من النازية (كما تزعم الدعاية الغربية) لما حصل ما حصل، ففلسطين وأكثر المنطقة العربية في حوض البحر المتوسط استقبلت اليهود المطرودين من الأندلس في القرن السادس عشر ميلادي، وعاشوا في المجتمعات العربية الإسلامية واندمجوا فيها وأصبحوا جزءًا منها.


لكن دعم الاحتلال البريطاني للحركة الصهيوني حوّل هذه الأعداد الضخمة من المهاجرين اليهود إلى واقع مسموم على أرض فلسطين، وأكثر من ذلك لقد تسببت الحركة الصهيونية بإحداث شرخ بين اليهود والمجتمعات العربية الذين عاشوا فيها مئات السنين بسلام وتفاهم مع جيرانهم المسلمين، وغادروا مجتمعاتهم وتوجهوا إلى فلسطين في مراحل مختلفة إما طمعًا بالحلم الصهيوني أو تعاطفًا مع أبناء ديانتهم أو خوفًا من انتقام المسلمين الغاضبين مما حل بإخوانهم الفلسطينيين (عام 1948م)، واليوم بعد خمس وستين عامًا أصبح الوضع أكثر تعقيدًا فلا هؤلاء اليهود قادرون على العودة إلى مجتمعاتهم العربية ولا يقبل أيضًا أن يعيشوا على حساب الشعب الفلسطيني المشرد.


ومنذ حرب عام 1948م أصبحت ما تسمى بدولة إسرائيل تجلب اليهود من كافة أنحاء العالم ليحضروا إليها وليسكنوا فيها، وقدمت لهم كافة التسهيلات المادية من مسكن وملبس، ذلك المسكن الذي سرق من الفلسطيني الشريد، بينما بقي الفلسطيني مطرودًا من بلده محرومًا من العودة لها، بدعوى بقاء "دولة إسرائيل" نقية عرقيًا ذات غالبية يهودية.


ولم تتوقف جريمة الاحتلال البريطاني عند فتح المجال للهجرة اليهودية أو إتاحة حرية العمل للحركة الصهيونية داخل فلسطين، بل غضت النظر عن تسلح العصابات الصهيونية سواء كان بشكل رسمي "وقانوني" من خلال حرس المستوطنات أو الفيلق اليهودي في الجيش البريطاني، أو من خلال تسلح العصابات الصهيونية المختلفة مثل الهاجانا والأرغون والليحي، في حين كان يمنع الفلسطيني من اقتناء السلاح الناري بل كان يحكم عليه بالإعدام لو ألقي القبض وبحوزته مثل هذا السلاح.


لقد ترك الفلسطينيون فريسة للعصابات الصهيونية وارتكبت أبشع مجازر الحرب وأشنع عمليات التطهير العرقي في ظل الوجود البريطاني داخل فلسطين، وقبل انسحاب بريطانيا وحتى قبل إعلان قيام دولة إسرائيل.


فأشهر المجازر (مجزرة دير ياسين) ارتكبت في 9/4/1948م، فيما انتهى الاحتلال البريطاني في 15/5/1948م، وخلال الفترة الممتدة من أواخر عام 1947م حتى خروج آخر جندي بريطاني كان أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين قد طردوا وهجروا من بيوتهم، وخصوصًا في مدن طبريا وحيفا ويافا (أكبر مدينة فلسطينية من حيث عدد السكان) وعشرات القرى، وقد وصفت وثائق رسمية بريطانية أفرج عنها مؤخرًا الحال المأساوي للشعب الفلسطيني في الأشهر الأخيرة للاحتلال البريطاني حيث ترك يواجه مصيرًا دمويًا وهو أعزل.


وتقول الرواية الصهيونية للحرب أن "دولة إسرائيل" الوليدة حاربت سبعة جيوش عربية جاءت لتقضي عليها، لكنها لا تكمل القصة بأن الجيوش العربية بكاملها لم يتجاوز عدد مقاتليها الـ35 ألفًا، فيما كانت العصابات الصهيونية تعد بـ60 ألف مقاتل كانوا قد بدأوا بعمليات التطهير العرقي قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين وقبل خروج بريطانيا من فلسطين.


فمن أين جاء كل هؤلاء المقاتلون المسلحون؟ ومن أين حصلوا على السلاح؟ وكيف سمح لهم بارتكاب المجازر؟ كلها أسئلة لا تجد لها إجابة سوى أن بريطانيا كانت متواطئة إلى آخر درجة مع الحركة الصهيونية.


ولن أتكلم عن الدعم الغربي للدولة الصهيونية منذ نشأتها حتى اليوم فالكثير منه معروف، ويكفي بريطانيا أن تعترف بذنبها الأكبر وهو مساهمتها بتأسيس المشروع الصهيوني بكل إجرامه وعنصريته وفاشيته.


لم يكن لنكبة عام 1948م أن تحصل لو أن بريطانيا قبلت بمطلب الغالبية العربية لأهل فلسطين في ذلك الوقت وهو إقامة دولة موحدة لجميع سكانها من عرب ويهود، بدون مشاريع صهيونية عنصرية، وهذا ما رفضه الصهاينة الذين أرادوا دولة نقية عرقيًا مؤكدين على أن السبيل الوحيد لذلك هو القتل والطرد، وأحيلكم لمقالة "الجدار الحديدي – نحن والعرب" والذي كتبه جابوتنسكي في وقت مبكر (عام 1923م)، والذي نص بصراحة على ضرورة محاربة وطرد وقتل العرب، وجابوتنسكي هو الأب الروحي لليمين الصهيوني الحاكم اليوم في ما تسمى دولة إسرائيل، وهو مؤسس حزب حيروت (الذي أصبح لاحقًا الليكود).


اليوم أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا والدولة الواحدة لن تكون حلًا، والدولتين لن تكون أيضًا حلًا، وعشرات السنوات من الدماء التي سالت لن تحلها اتفاقية أو اتفاقيتين، لكن أي حل يجب أن يبدأ من الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وإن كان البعض يرى تعقيدات عملية في تطبيق ذلك، فعلى الأقل ننطلق من نقطة الاعتراف بحقهم.


وإن كان الصهاينة يرفضون (كما هو متوقع) بهذا الحق فلا بد لدول العالم وعلى رأسها بريطانيا أن يقفوا ضدهم، وإلا فهم شركاء بالجريمة وهم مصرون على الاستمرار بجريمتهم وخطيئتهم القديمة، ومثلما يعترف الغرب بمعاناة اليهود على يد النازيين ويطالب بدفع التعويضات لهم على ما لاقوه من اضطهاد وإرجاع ممتلكاتهم المصادرة فالعدالة تقتضي معاملة الفلسطيني بالمثل، إلا إن كان الغرب يقر بأنه عنصري وغير عادل.


لست مع إعلان الحرب على بريطانيا أو ما تقوم به بعض التنظيمات المحسوبة على القاعدة من تفجيرات عشوائية في بريطانيا أو غيرها، خاصة وأن هذه التفجيرات تستهدف الأبرياء ممن لا علاقة لهم بالسياسة الرسمية البريطانية، كوننا أصحاب حق نريد أن نركز على حقنا في فلسطين لا فتح جبهات عبر البحار قد يساء فهم هدفنا من ورائها.


لكننا نملك نقاط قوة أكبر وأكثر تأثيرًا، وخاصة بعد الربيع العربي، وصحوة الشعوب العربية، ألا وهي ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية من خلال الحكومات العربية على بريطانيا وعلى أوروبا وعلى أمريكا من أجل الاعتذار عن وعد بلفور والاعتذار عن خمسة وستين عامًا من الدعم غير المحدود لدولة قائمة على التطهير العرقي والسياسات العنصرية والفاشية.


وهنا يأتي دور الشعوب بأن تضغط على حكوماتها لكي تأخذ دورها في هذا الاتجاه، فما دامت حملة دفع بريطانيا للاعتذار عن وعد بلفور تدور في الأطر الشعبية بدون تأثير على صانع القرار العربي، فلن يكون لها مردود عملي أو ملموس.

ليست هناك تعليقات: