الخميس، 2 مايو 2013

توضيح حقائق بخصوص تبادل الأراضي مع الاحتلال الصهيوني





بطلب من السلطة الفلسطينية توجه وفد وزاري عربي إلى أمريكا ليجتمع مع جون كيري لكي يعرضوا عليه مطالب الشعب الفلسطيني، وبدلًا من الضغط على الأمريكان بخصوص الاستيطان والاعتداءات الصهيونية، قدموا هدية تنازلًا جديدًا: قبول فكرة تبادل الأراضي مع الاحتلال الصهيوني.

طبعًا فكرة تبادل الأراضي قبلت بها السلطة منذ زمن طويل تعود إلى فترة مباحثات كامب ديفيد عام 2000م عندما طرح الصهاينة مسألة أنهم لا يستطيعون تفكيك المستوطنات كلها، واقترحوا أن تتم مبادلتها بمناطق صحراوية ولا يوجد بها سكان، مقابل بقاء أغلب المستوطنات مع الصهاينة.

ولطالما أبدت السلطة الفلسطينية وياسر عرفات ومحمود عباس من بعده موافقتهم على فكرة تبادل الأراضي، وترددت هذه الفكرة على لسان مسؤولي السلطة وكبار المفاوضين أكثر من مرة طوال السنوات الماضية.

ما الجديد إذن؟

هذه أول مرة تأتي الدول العربية وتتبنى فكرة تبادل الأراضي بين الكيان والدولة الفلسطينية المستقبلية.

ما هو موقف الصهاينة؟


باستثناء معبودة مراهقي السلطة (سلطة آيدول) أي تسفي لفني والتي رحبت بالموقف، فإن الجهات التي لها وزن حقيقي في حكومة الاحتلال ترفض قولًا وفعلًا هذا الطرح لأنها تعتبر أن الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني، ويعتبرون أن السماح بوجود سلطة حكم ذاتي فلسطينية هو كرم أخلاق منهم.

واليوم صدرت تصريحات لنتنياهو ومستشاريه يتحفظون فيه على هذا التنازل الجديد! طبعًا لأنهم يريدون أخذ الأرض ولا يريدون إعطاء بديلًا عنها.

ما الذي سيتم تبادله؟


حسب المشاريع السابقة للتسوية بين السلطة والاحتلال، وحسب ما كان مطروحًا أكثر من مرة، فما يطرح هو تعويض الفلسطينيين ببعض الأراضي الصحراوية، مقابل ضم مناطق واسعة من الضفة بحجة تبادل أراضي.

وحسب ما طرحه الصهاينة أكثر من مرة فالتبادل بنسبة 3 إلى 1، أي مقابل كل 3 كيلومتر يتم ضمها من الضفة إلى الكيان يتم منح السلطة كيلومتر مقابلها، والكلام يدور حول 5% - 10% من مساحة الضفة الغربية.

شرقي القدس ومحيطه لا يدخل في التبادل لأنه جزء لا يتجزء من الكيان الصهيوني حسب الصهاينة، وخارج إطار التفاوض مع السلطة.

غور الأردن (20% من مساحة الضفة الغربية) سيتم تأجيرها للاحتلال لمدة طويلة (عشرين عامًا)، وفي عرف الدول فعادة ما لا يتم إعادة الأراضي المستأجرة، والصهاينة لن يؤجروا بالمقابل أي شيء للدولة الفلسطينية.

مقابل كل ما سيأخذه الصهاينة في الضفة الغربية عرضوا على السلطة أخذ منطقة صحراوية على الحدود المصرية تستعمل كمكب للنفايات السامة يسميها الصهاينة (حالوتساه)، وطبعًا للوصول إليها من قطاع غزة يجب أن يأخذ الفلسطينيون ممرًا عبر شبه جزيرة سيناء.

ما المشكلة إذن؟

قد يقول قائل أنّ السلطة تشترط أن يكون التبادل متماثلًا بالمساحة والنوعية، وأنه بما أن الصهاينة لن يوافقوا عليه وبما أنه لا أفق لقيام الدولة الفلسطينية قريبًا، فلماذا الخوف والاعتراض عليها؟

أولًا، قصة التماثل بالمساحة والنوعية هي شروط موجهة للرأي العام الفلسطيني، أما في جلسات التفاوض فالسلطة لم تحافظ على المساحة ولا النوعية، وهي مستعدة للقبول بأي شيء مهما كان صغيرًا وسيئًا حتى يقال أنها بادلت الأراضي ولا يقال أنها تنازلت عن أراضي.

ثانيًا، هذا القبول يشرعن الاستيطان لأن أساسه هو ما يقوله الصهاينة عن عدم إمكانية تفكيك المستوطنات، وبالتالي فمن يقبل التبادلية يعني يقر بأن الاستيطان شرعي، فلو كان غير شرعيًا لقيل للصهاينة فككوا مستوطناتكم ولا تناقشونا!

وفي ظل أنه لا أمل من استئناف التفاوض أو تحصيل حقوق جديدة للشعب الفلسطيني فهذا تنازل إضافي ومجاني للصهاينة يكرس حقهم بالمستوطنات داخل الضفة الغربية، فكيف نطلب من المعالم إدانة الاستيطان ونحن نشرعنه؟

ثالثًا، بموجب هذا العرض السخي والكرم الحاتمي فإن السلطة والدول العربية يكرسون أحقية الصهاينة بفلسطين المحتلة عام 1948م، وهي أحقية خارج النقاش أو التفاوض، وفي المقابل تصبح الضفة الغربية مكانًا مختلفًا عليه للصهاينة فيه حق.

ما هو دور وزير خارجية قطر في هذه المهزلة؟


في مشهد سوريالي بالغ التفاهة تشن الأجهزة الإعلامية التابعة لفتح وفلول عدد من الدول العربية هجومًا شرسًا على وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم، وعلى دولة قطر وأميرها، بحجة أن فكرة تبادل الأراضي هي مبادرة قطرية قدمتها لتحريك العملية السلمية.

ومثل راقصة التعري التي تهاجم النساء غير المحجبات، لم توفر أجهزة فتح الإعلامية لا حماس ولا قطر، متهمين إياهم بالتفريط بالحق الفلسطيني، وكأن فتح لم تكن عرابة فكرة تبادل الأراضي طوال السنوات السابقة، وعرابة التنسيق الأمني وحماية أمن الاحتلال، وعرابة التنازل عن صفد وعن فلسطين التاريخية.

الوفد العربي الذي ذهب إلى أمريكا كان بطلب من سلطة محمود عباس، وصائب عريقات قالها حرفيًا بأن الشيخ حمد قال ما تريده السلطة ووصفه "بالذكاء"، إلا أن هذا كله لا يهم عند الجوقة الإعلامية الفتحاوية التي فرحت بوجود "خيانة" قطرية والتي اشترت موقف حماس لتقبل بهذه الخيانة، وكأن فتح لن يهدأ لها بال إلا بوقوع الجميع في مستنقع الخيانة والتفريط.

وزير خارجية قطر تكلم في المؤتمر بوصفه رئيسًا للوفد العربي، فهو كان يعبر عن رأي الوفد وعن رأي الدول العربية ويتكلم بلسان سلطة محمود عباس، فكل من يترك هؤلاء ولا يوجه لهم أي انتقاد ويحصر الجريمة بما قاله وزير خارجية قطر هو إنسان تحركه الأهواء ولا تهمه فلسطين، بل هي سلعة عنده من أجل تصفية حسابات قديمة بينه وبين دولة قطر.

إذن هل قطر بريئة؟

قد يفهم البعض من كلامي السابق أنه تبرئة لقطر وهذا غير صحيح، فقطر مذنبة بموافقتها على حمل رسالة السلطة وتقديم التنازل نيابة عنها إلى الأمريكان، لكنها ليست وحدها المذنبة، فالإبليس الأكبر هي سلطة محمود عباس التي تتاجر باسم فلسطين من أجل نحر القضية الفلسطينية.

كما أن كل دولة عربية شاركت بالوفد أو سكتت ولم تعقب على ما قيل هي شريكة بالإثم، لا أستثني منهم أحدًا، وهنا سأخاطب أكثر من دولة ومن جهة عربية لأضعهم تحت طائل المسؤولية الأدبية والتاريخية، حتى تتوقف مهزلة "نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون" و"ليحل الفلسطينيون خلافاتهم الداخلية أولًا"، وغيرها من ذرائع تستخدم لتغطية عورة النظام العربي الرسمي.

مصر (محمد مرسي والإخوان المسلمون): أنا من الأشخاص القليلين الذين تفهموا عدم رغبتكم بالمس باتفاقية كامب ديفيد باعتبارها امتداد لوضع سابق، كونكم لا تريدون إدخال مصر بهذه المرحلة في مشاكل جديدة، لكن أن تكونوا جزء من تنازلات جديدة تقدم فهذا ما لا يمكن تفهمه أو مغفرته.

مصر (جبهة الإنقاذ وحلفائهم من الفلول): تتكلمون عن بيع سيناء والأهرام وغير ذلك من الهراء، لكن لماذا تسكتون عن مخطط وتنازلات تمهد فعليًا لاقتطاع مناطق من سيناء وضمها للدويلة الفلسطينية المرتقبة؟ أم أنكم تريدون الإثبات لي ولمن هم مثلي أنكم لستم حريصين على مصر بقدر حرصكم على خدمة أجندات مشبوهة؟

تونس: لعلكم من أكثر البلدان العربية نشاطًا في مجال الجمعيات المساندة للحق الفلسطيني، والتي ازدهرت بعد الثورة، لكن ما فائدة كل هذه النشاطات إن كانت وزارة خارجية بلادكم تشارك بمؤامرة على القضية الفلسطينية؟

هل الهدف من هذه الجمعيات والنشاطات هو إحياء الفلوكلور الشعبي الفلسطيني؟ إن كان هذا هو الهدف فلتوفروا أموالكم وجهودكم ولتنفقوها على قضايكم الداخلية، وإن كان الهدف هو نصرة فلسطين فعلًا فلتحضروا وزير الخارجية التونسي ولتحاسبوه على هذه الخطيئة التي لا نقبلها من حركة النهضة ولا من ثورة عربية أطاحت بأحد عملاء الكيان الصهيوني.

سوريا (الثورة): لطالما اتهمتم نظام الأسد بأنه فرط بالجولان وباعها، فلماذا تقبلون لفلسطين ما رفضتموه للجولان؟ أنتم تلومون النظام الأسدي لأنه اكتفى بالقول ولم يفعل شيئًا للجولان، وها أنتم تقبلون بأن تكونوا جزءًا من مؤامرة على القضية الفلسطينية.

سوريا (النظام): الأصل أن لا أخاطبكم لأنكم إلى زوال عما قريب بإذن الله، لكن أذكركم بأن هذا محمود عباس الذي قمتم مؤخرًا بضمه إلى محور مقاومتكم (لا تعليق!).

الجزائر: لطالما رفعتم حكومةً وشعبًا شعار "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، فهل وقوفكم مع فلسطين تفهمونه بالموافقة على تقديم تنازلات جديدة للكيان الصهيوني؟

والقائمة تطول لأن كل دولة عربية وكل جماعة وحركة إسلامية مقصرة في عدم قول كلمة الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس، فمن المعيب أن لا نسمع أصواتًا رافضة عربية لهذه المخازي التي قدمت باسم العرب.

موقف حماس من المبادرة:


لعل الكثير (في ظل الحملة الإعلامية التي صورت ما حصل على أنه مبادرة قطرية) توقع بأن تخضع حماس أو أن تتجاهل ما قيل، من أجل إبقاء الدعم القطري المالي أو لأن حماس أصبحت جزءًا من المؤامرة القطرية الأمريكية على القضية الفلسطينية كما قالها العديدون.

لكن حماس مرة أخرى أثبتت أنها عصية على الشراء وبيع المبادئ، فكانت هي المبادرة لشجب وإدانة هذه التنازلات، وكانت الأعلى صوتًا في إدانتها، فيما غرق الجميع في صمت مريب، كما أن استمرار الدعم القطري لحكومة حماس في الأشهر والسنوات القادمة سيثبت أيضًا أن هذه الأموال لم يكن القصد منها تدجين حماس، وأنها ليست سلعة رخيصة تباع وتشترى في سوق النخاسة السياسية.

وفي الختام:


نقول لكل عربي أنه لا يعفيك كون هذه التنازلات تمت بطلب من السلطة أو محمود عباس، فشرعيتها وتمثيلها للشعب الفلسطيني وإرادته هي موضع شك ونزاع، كما أن الحق وما هو صحيح واضح وأبلج.

وإن كان دعمكم للقضية الفلسطينية لا يتم إلا من خلال دعم تنازلات السلطة فنرجوكم أن لا تدعموها!! ورجاءً اذهبوا وادعموا الصهاينة، فنحن بغنى عن مثل هذا الدعم!!

آن الأوان لكسر مهزلة أن تأتي حفنة من تجار القضية الفلسطينية وتملي على الدول العربية أن تدعم التنازلات تلو التنازلات التي لا تخدم إلا الاحتلال الصهيوني، وعلى الشعوب العربية الحية أن تحاسب حكوماتها وحكامها على أي تقصير، فاليوم ليس مثل الأمس وما كان يمر بدون حساب لم يعد كذلك.

ليست هناك تعليقات: