الأحد، 23 يونيو 2013

استقالة الحمد الله: بين غزوة الرقاصة ودبلوماسية الشاورما




منذ أن غادرنا وزير الخارجية الأمريكية جون كيري وبعد أن أطلق دبلوماسية الشاورما ليذيب الجليد من بين الجيران الأعداء "الفلسطينيين والإسرائيليين"، حدثت تطورات هامة وخطيرة فقد استقال رجل أمريكا القوي سلام فياض ليستلم مكانه موظف بدرجة رئيس وزراء (رامي الحمد الله)، والذي لم يحتمل ديون 4.5 مليار دولار تركها فياض وأراد منه عباس أن يكون واجهة ليفرغ الناس غضبهم عليه، فيما يقوم رجليه محمد مصطفى وزياد أبو عمرو بإدارة الحكومة من خلف الكواليس.

استقال الحمد الله بعد أسبوعين من تكليفه والناس اليوم منشغلة "راح يرجع أو مش راح يرجع"، ولو أصر على الاستقالة فالسؤال سيكون "من سيخلفه"، لكن لا أحد يتكلم عن برنامج الحكومة، ولا أحد يتكلم عن نظرة الحمد الله تجاه المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، ولا أحد يناقش سياسة السلطة تجاه المحتل.

صراع رئاسة الوزراء منذ فياض حتى الحمد الله وما وراء الحمد الله هو صراع على نفوذ ومناصب؛ من يحق له أن يبصم ومن يحق له أن يوظف ومن يحق له أن يركب سيارة أكبر وأحلى، أما صلاحيات اتخاذ قرارات مصيرية مثل المفاوضات فهذه خارج دائرة الاختصاص.
 
ذلك لأن الحياة مفاوضات ولأن ثابت واحد ووحيد في السلطة "افعل ما تشاء لكن لا تغضب المحتل ولا تعطيه ذرائع"، وفي ظل سياسة الشاورما التي دشنها كيري والقائمة على السلام الاقتصادي، ومبادرات تطبيعية يقودها منيب المصري ومن على شاكلته من رجال الاقتصاد ورجالات السلطة، من خلال هجوم العزايم:عزيمة رامي ليفي للحضور إلى قصر منيب المصري، وضباط الإدارة المدنية ليجلسوا إلى جانب غسان الشكعة في احتفالات الطائفة السامرية، وعزيمة المستوطنين للحضور إلى قبر يوسف بحماية جبرين البكري وعنان الأتيرة.
منيب المصري: تطبيع تحت مسمى مبادرات إذابة الجليد

ولأن الحكومة الصهيونية الجديدة ارتفع سقفها فهي ترى الضفة الغربية جزءًا غير قابل للتفاوض عليه، ومثلما قال نائب وزير الدفاع الصهيوني داني دانون أن الفلسطينيين هم المستوطنين ويجب حشرهم في جيتوهات معزولة، قاصدًا حشرهم في محميات طبيعية مثلما تحشر الحيوانات المعرضة للانقراض، فبات أمام السلطة طريق واحد ووحيد تقديم تنازلات جديدة.

ونشرت صحيفة القدس (المقدسية) تسريبات إعلامية، وهي تنقل بذلك تسريبات مقصودة من المقاطعة لجس نبض الشارع، عن نية السلطة تقديم مبادرات حسن نية جديدة للصهاينة من أجل تحريك عملية المفاوضات، مثل زيادة التنسيق الأمني ووقف التحريض ضد الاحتلال، فإن سجن أحد أبناء الضفة لأنه قال أنه سيعود إلى يافا بتهمة التحريض على إسرائيل الشقيقة، فلا تستغربوا.

وفي المقابل يتحدث المحللون أن هنالك "ضغوط" على السلطة من أجل تليين موقفها في ما يخص اللاجئين والمستوطنات، وبما أن المستوطنات تتوسع بدون أي عائق فالمطلوب أن تساعد السلطة الاحتلال في شرعنة هذه المستوطنات، وتحويل القرى والمدن الفلسطينية إلى مستوطنات غير شرعية يجب اقتلاعها.

وفي أروقة المقاطعة والوزارات بالضفة الغربية يعتبر التشكيك بالنهج التفاوضي أو سياسة الشاورما من الكبائر المحظورة، حتى عندما تكلم أحد النشطاء (نزار بنات) في مؤتمر ضد التطبيع في بيت لحم متسائلًا عن التنسيق الأمني الذي يتغنى به أبو مازن وهل هو من التطبيع أم لا، كان جزاؤه وصفه من قبل سيادة الوزير جواد ناجي بـ "الكلب العاوي"، وضرب بعد انتهاء المؤتمر على يد حراس الوزير لكي يتأدب المرة القادمة ولا يحرج سيادة الرئيس عباس.

المسموح في الضفة مناقشة الأسماء المرشحة لنيل مقعد رئاسة الوزراء أو "أسكملة" في الحكومة الجديدة القديمة، والمسموح أيضًا مناقشة ظاهرة "الشحادين" في رام الله كما فعلت الصحافية "الجريئة" من تلفزيون فلسطين ربا النجار، أو غزوة الرقاصة التي كانت ترقص بطريقة خليعة على دوار المنارة ولمراسل تلفزيون فلسطين أيضًا علي دار علي، فهذه اهتمامات الشعب الفلسطيني اليوم، أما المستوطنات والأقصى والعودة فهذه من المحظورات.

الرقاصة الغامضة التي شغلت العقول :)

وأخذت غزوة الرقاصة قسطًا كبيرًا من النقاش، فهل كانت الرقاصة من رام الله أم من فلسطيني عام 1948م (وحسب تعليمات عدم التحريض الجديدة يجب الإشارة إليها بمسمى عرب إسرائيل)؟ وهل اعتقلتها الشرطة بعد تصوير "الفيديو كليب" أم لم تعتقلها؟ 

طبعًا لم يفوت الشارع الحمساوي الفرصة ليبدي فرحه بهذه السقطة الأخلاقية، ويبدو أن السقطات الأكبر والأخطر لم تعد تعنيه أكثر بعد أن تقزمت عقول الكثيرين لتصبح قضيتهم حرب فاتح والحمساء، وليست حرب التحرر الوطني.

فانطلاقًا من دبلوماسية الشاورما التي افتتحها كيري بعزومة على فرشوحة شاورما ومرورًا بغزوة الرقاصة، جاء رامي الحمد الله ليتوج كل ذلك باستقالة وحردة لأن نائبيه يتدخلان في عمله.

يذكرني الشعب الفلسطيني بشعب بيزنطة الذي انشغل بجدل طويل عريض حول جنس الملائكة هل هم ذكور أم إناث، فيما كان جيش محمد الفاتح يدك جدران القسطنطينية، والتي أصبحت بعدها اسطنبول، فهل تصبح القدس أورشليم (لا سمح الله) فيما ينشغل الشعب الفلسطيني بنقاش عنيف حول محمد عساف هل هو موهبة وطنية أم شيطان رجيم؟ 

وكل خازوق وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات: