الأحد، 21 يوليو 2013

خبر وتعليق: حفل إفطار في مستوطنة صهيونية!




""
يا رب أضرب حزب الله بالقاعدة واحرق الاثنين وأرحنا منهم
""

هذا كلام لأحد قادة المستوطنين خلال حفل إفطار أقيم في مستوطنة تقوع قرب ‏بيت لحم، حضره مستوطنون وضباط في الشاباك وعملاء هربوا إلى الاحتلال بعد انكشافهم في الانتفاضتين الأولى والثانية وعناصر من قوات لحد اللاجئين في الكيان، بالإضافة لشباب من بلدتي بيت أمر ونحالين (على ذمة المصادر الإعلامية العبرية).

ونظم حفل الإفطار بمناسبة شهر رمضان وبمناسبة ذكرى خراب الهيكل (مناسبة دينية يهودية)، ولعل هذا المشهد يلخص سيريالية الوضع الفلسطيني والعربي عمومًا، أن تجد عملاء وخونة يتجلسون ويتحادثون مع قادة لمستوطنين متطرفين وضباط شاباك، وعلى مائدة إفطار رمضانية، وفي ذكرى خراب الهيكل.
 
وحرص أحد ضباط الشاباك على أن يحذر من حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي خلال اللقاء، واصفًا إياهما بأنهما يخدمان النظام السوري العلوي وليس مصلحة الشعب الفلسطيني، وهنا نراه يعزز الصورة النمطية عن الجهاد الإسلامي وأنه تنظيم موالي للنظام السوري وإيران، وهي صورة وإن كان بها شيء من الصحة إلا أنها تحمل دلالات خبيثة:

أولًا، أن معاداة ومحاربة الكيان الصهيوني هو من أجل مصالح سوريا أو إيران، وليس مصلحةً فلسطينية خالصة، وهي معادلة حرص الشاباك وقادة الاحتلال وإلى حد كبير السلطة الفلسطينية على تردادها وغسل أدمغة الناس بها، حتى يوصلوهم إلى نتيجة أن مقاومة الاحتلال عبث لأنها ليست حربنا، وإن كانت الغالبية العظمى من الناس لا تمر عليهم عليهم هذه الحرب النفسية إلا أن البعض لا يفوتهم أن يكونوا ضحايا مغفلين لها.

ثانيًا، حرصه على مذهبة الصراع مع الكيان الصهيوني ومذهبة كل شيء في المنطقة، وذلك لحرص الصهاينة على تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية، ويكون لليهود دولتهم الطائفية المتفوقة والتي تهيمن على هذه الدويلات من خلال تحالفات وتحريض بعضها على بعض.

ثالثًا، أي حرب نفسية ناجحة يجب أن تخلط المعلومة الصادقة مع المعلومة المضللة التي تريد إيصالها، فوجود جانب صادق يشجع المتلقي على قبول الرسالة الإعلامية بكل أريحية بصدقها وكذبها، وهذا ما فعله ضابط الشاباك فتكلم عن الجانب المذهبي وتكلم عن وجود جانب مقرب جدًا من إيران وحزب الله داخل الجهاد الإسلامي، وتكلم عن ظلم وإجرام بشار الأسد، وهذا كله موجود لكنه استغله لتمرير رسائله الخبيثة التي سبق الإشارة لها.

وعودة إلى الجملة الأولى التي نطق بها قائد المستوطنين فهي تعطينا فكرة عن ما يراه الصهاينة بما يحصل في سوريا، فهو صراع بين القاعدة (أو الوهابية كما اللفظ الذي يستخدمه حلفاء النظام الأسدي) وبين العلويين والشيعة (الأسد وحزب الله)، وليس صراع شعب يريد التحرر من عبودية نظام مستبد عمره أكثر من خمسين عامًا، وهو يكشف عن رغبة أغلب الصهاينة وهو أن يستمر الصراع داخل سوريا إلى أن يدمر الجانبين بعضهما البعض، وتخرج سوريا مدمرة وضعيفة.

هذا تصور الصهاينة لسوريا أنها مجموعة طوائف متناحرة ولذا يروجون ويروج المتصهينون من الكتاب والباحثين الغربيين لفكرة أن الحل الوحيد لسوريا هو تقسيمها لدويلات طائفية (مثلما كان الاقتراح في العراق)، فهم لا يرون شيئًا يصلح للهمج (العرب) سوى أن تعيش كل طائفة لوحدها لأن الحقد وضيق الأفق وكراهية الآخر هو طبع أصيل لدى العرب كما يرون.

ولو أخذنا مشهد هذا الإفطار من جانب آخر وهو مشاركة عملاء الاحتلال فيه ومشاركة شبان من بيت أمر ونحالين، فإن كان مفهومًا مشاركة عملاء انسلخوا عن مجتمعهم ويحاولون الاندماج في المجتمع الصهيوني، ولديهم نقابة تنطق باسمهم بل ويفخرون بعمالتهم، وكما يقولون مبررين عمالتهم أن غالبية القادة الفلسطينيين وأبناء الشعب الفلسطيني هم عملاء، لكنهم يعملون بالسر فيما "نحن نعمل بالعلن"، وهذا يذكرني بتبرير حركة فتح للتنسيق الأمني مع الاحتلال أنها تفعل ذلك علنًا، فيما غيرها يمارس ذلك سرًا (والقصد هنا حماس طبعًا).

لكن ما ليس مفهومًا هو مشاركة الشبان من القريتين فبأي عقل يذهبان؟ إن كان اللاجئ يتمسك بحقه في العودة إلى يافا وعكا وحيفا من منطلق مبدئي وعقيدي ووطني، وهنا يمكن فهم ضعف أحدهم وتنازله عن حق العودة مقابل إغراءات مالية، فليس الكل يتكلم بمنطق المبدأ والعقيدة، إلا أنه وفي حالة التعامل مع المستوطنين بالضفة الغربية فأنت تتعامل مع خطر مستقبلي يتهدد حياتك ذاتها.

فنحالين وبيت أمر يقعان على حدود الكتلة الاستيطانية غوش عصيون والصهاينة يصادرون بشكل شبه مستمر أراضي هاتين القريتين، وليس بعيدًا ذاك اليوم الذي يطردون فيه أهلهما، فهل تذهب وتجلس مع مستوطن يراك حشرة يجب تنظيف الأرض منك؟ وتأكل الطعام مع مستوطن سيجوعك ويحاصرك في الغد؟ إن كان المبدأ والعقيدة لا يعنيان لك شيئًا، فهل حياتك لا تعني لك شيئًا أيضًا؟

ومرة أخرى يستخدم المستوطنون الصهاينة مثل هذا اللقاء لتمرير رسائل وهي أنه بالإمكان أن يعيش الفلسطيني مع المستوطنات التي تقتله، وفي ظل الحديث عن عودة السلطة للمحادثات مع المحتل بدون تجميد الاستيطان، فنتكلم هنا عن شرعنة للاستيطان وتأكيدًا على شرعيتها، وهذه خطوة أخرى نحو ضم الضفة للكيان الصهيوني (ضم الأرض بدون السكان كما هو الطموح الصهيوني)، ومرة أخرى يكون العرب والفلسطينيون أدوات لهذا المشروع.

كما أن اختيار ذكرى خراب الهيكل يستخدم للتأكيد على أحقية الصهاينة في المسجد الأقصى، وليقولوا للعالم أنه من الممكن تقاسم الأقصى بين المسلمين واليهود، بنفس الطريقة التي عقد فيه إفطار رمضاني في ذكرى خراب الهيكل، وجلس اليهود إلى جانب المسلمين على نفس المائدة الرمضانية.

في هذا المشهد السيريالي نجد كل المتناقضات المضحكة المبكية تجتمع بدون أن يفوت الصهاينة على توظفيها في خدمة مشروعهم، فيما يقدم لهم العرب أجسادهم ليدوسوا عليها ويعبروا المراحل.

ملاحظة: الخبر الذي نشرته الصحافة العبرية لم يتطرق لكافة تفاصيل الإفطار، وإنما حرص على تمرير التفاصيل التي تخدم الرسائل التي يريدون إيصالها للإعلام العربي، فهل وعينا ما يحاك ضدنا؟

تقف الكلمات عاجزة أمام هذا المشهد ‏ السوريالي العبثي.

ليست هناك تعليقات: