الأحد، 11 أغسطس 2013

خبر وتعليق: اعتقال شاب بسبب تعليق على الفيسبوك




نشرت الصحافة خبرًا نقلًا عن مؤسسة التضامن أن سلطات الاحتلال اعتقلت الشاب مصعب أبو الريش بداية الشهر الماضي، وبعد فترة تحقيق امتدت لأقل من شهر، أنّ المحققين وجهوا له تهمة الانتماء إلى حركة حماس بناءً على تعليقات له على صفحات فيسبوك.

الخبر لم يوضح ما هي لائحة الاتهام المقدمة للشخص (أو إن تم تقديمها أصلًا حتى الآن)، لذا سأعلق عليه في حدود ما تتوفر من معلومات، لأن الخبر له رسائل متناقضة: رسالة تدعو للحذر ورسالة تدعو للهوس والخوف، وفي حين أن الحذر واجب فالهوس والخوف غير مرغوبين إطلاقًا.

اللايك ليس سببًا للسجن
يجب التأكد في البداية على أن آراء الأشخاص على الفيسبوك لا تشكل سببًا للاعتقال والسجن، وهذا ينطبق على جميع دول العالم بما فيه الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية، فاليوم عشرات الملايين يكتبون آراءهم على الفيسبوك والتي غالبًا ما تكون ناقدة وجارحة للنظام، ولن يستطيعوا ملاحقة كل شخص انتقد النظام لمجرد رأيه الشخصي.
 
إذن متى يصبح الرأي على الفيسبوك سببًا للاعتقال؟ عندما يصبح صاحبها شخصية مؤثرة على المجتمع وتصبح آراؤه تدفع الناس للتحرك، وفي الحالة الفلسطينية عندما يصبح كلامه تحريضًا على الاحتلال، وجهاز الشاباك يتحرك عندما تكون هنالك دعوات لاستخدام السلاح ضد المحتل أو عندما يكون الشخص قياديًا معروفًا في المقاومة.

المس بالمقامات العليا: تهمة لا تجدها إلا في الدول العربية
وهنالك حالات أخرى للاعتقال (وهذه موجودة فقط في ظل الأنظمة المتخلفة) عندما يمس كلام الشخص مسؤولًا أو وزيرًا أو قياديًا في الحزب الحاكم، فتتم محاكمة الشخص بتهمة المساس بالذات الأميرية أو الذات الملكية أو المقامات العليا، وغالبًا ما تكون مجرد ذريعة لتصفية حسابات مع هذا المعارض أو الناشط، وليست سببًا مباشر؛ بمعنى أن نشاطه في المعارضة يزعجهم لكنهم لم يجدوا سببًا لاعتقاله فيرون في بوست كتبه ذريعة لاعتقاله بتهمة المس بأحد الذوات.

وأخيرًا هنالك اعتقال على أسباب أخرى، وهذا الغالب في حالات الاعتقال لدى جهاز الشاباك الصهيوني، لكن أثناء التحقيق يجب المرور على حساب المعتقل على الفيسبوك، والمحقق يحرص على إيهامه أن كلامه الذي يكتبه سيحاسب عليه وأنه خطير وأنه كبير وأنه كذا وكذا، وهنا يجب أن يدرك الشخص أن هنالك سبب آخر غير الفيسبوك لاعتقاله.

إذن لماذا يفتح المحققون للمعتقل ملف الفيسبوك؟

أولًا، حتى يخلقوا جوًا من الرعب في المجتمع ولكي يفكر الناس ألف مرة بما يقولونه وما يكتبونه، عندما يتناقل الناس خبر فلان الذي اعتقل بسبب لايك أو علان الذين سجن عامًا بسبب كومنت، وهذا في الغالبية الساحقة من الحالات كلام غير صحيح، وهنالك أسباب أخرى تقف وراء السجن، لكن تتواطأ رغبة المخابرات بإرعاب الناس وحرص بعض الأسرى على إخفاء حقيقة أنهم اعترفوا بنشاطهم المقاوم أمام المحققين، لتخرج لنا هذه القصص الخيالية والمرعبة.

ثانيًا، حتى يلفقوا له تهمة تحريض، فيما لو فشل التحقيق بإدانته بتهم أخرى تدينه، أو حتى يستخدم حسابه على الفيسبوك في ملف الاعتقال الإداري لو تم تحويله عليه، وفي كل الأحوال السبب الحقيقي ليس الفيسبوك، لكن يستخدم كذريعة في حال افقتدت أسباب الإدانة الأخرى.

ثالثًا، حتى يكون السؤال عن الفيسبوك مدخلًا لمواضيع أكثر أهمية، فلا يظن أحد أن جهاز الشاباك بكل إمكانياته سيعتقل فلانًا فقط من أجل سؤاله على لايك أو كومنت، هنالك مواضيع أكثر أهمية يريدون الوصول إليها، وهم لا يدخلون إليها مباشرة بل يحرصون على استدراج المعتقل للحديث عنها، فيكون موضوع حسابه على الفيسبوك مدخلًا لذلك، وفيما يلي سيناريو لما يحصل عادة في غرف التحقيق:

""
المحقق: شو اسمك على الفيسبوك؟
المعتقل: مشروع شهيد.
المحقق: آآآآآآه، بدك تكون شهيد، تنزل عملية استشهادية تفجر حالك، تقتل ناس!!
المعتقل: لا لا، ما تفهم غلط، الشهادة إلها معاني كثير، واللي بعيش حياته متعبد ويطيع أوامر الله وبموت وهو.....
المحقق: طيب خلص خلص اسكت. يالله افتح على صفحتك يا مشروع شهيد.
المعتقل: تفضل ...
المحقق: أيواااان، شو هدا؟ عامل لايك لصفحة شبكة فلسطين للحوار، أنا قلت لك من الأول أنك حماس وتكذب علي وبتقول علي "أنا مش حماس"، انتو كلكم العرب كاذبين، في دمكم  الكذب.
المعتقل: لا لا، استنى ما هو مش معنى أني حطيت لايك أني بأيد الصفحة، خلص بشيلها هلقيت.
المحقق: اخرس يا حمار، جاي تتخوت علي، أنت حماس وقسام كمان.
المعتقل (مرتعبًا): لا والله هدول حماس ولا عمري اقتنعت فيهم، ما بحبهم، والله هات المصحف أحلف لك عليه.
وبعد جولة طويلة من الأخذ والرد حول انتماء المعتقل لحماس ...
المحقق: اسمع أنا ما بدي أغلبك وبدي مصلحتك، أنت مش مسؤول كبير في حماس، أنا بعرف هيك منيح، وتقارير العملاء عندي بتحكي أنه ما فيه على ايديك دم، علشان هيك خلينا نخلص الموضوع، أنت بتأيد حماس ...
المعتقل: لا ...
المحقق: اخرس يا حمار، بس أكمل، أنت بتأيد حماس وكل واحد بأيد تنظيم، مش عيب الشغلة، يعني قلبك من جوا مش رايحين نحاسبك عليه، قلبك بميل لحماس صح أو لا؟
المعتقل: لا ...
المحقق: ولكم انتو العرب حمير، افهم يا حمار، أنا ما بدي أحاسبك على قلبك ليش خايف؟ ليش قاعد في الشبح وكل يوم بنقعد معاك من الصبح للمسا تحقيق؟ خلص احكي هالكلمة خليك تتريح ونوديك الزنزانة ترتاح.
أنا بس يخلص الدوام بروح على البيت، بأخذ دوش وبطلع مشوار مع صاحبتي، وأنت هون قاعد في الشبح علشان ما بدك تقول أنك حماس؟ أنت واحد أهبل، فش عندك عقل!
المعتقل: إن حكيت أني حماس بنخلص؟
المحقق: أكيد ليش شايفني كذاب؟ مفكرني أمن وقائي أو مخابرات؟ هدول ولدة كذابين، بس أنا دولة إسرائيل وشرفي العسكري إحنا ما عمرنا كذبنا على واحد معتقل، وإذا بدك بنجيب محامي وبنعمل معاك صفقة، وإحنا بنحترم كلامنا.
المعتقل: طيب أنا حماس.
المحقق: مين اللي جندك لحماس؟
المعتقل: ما أتفقنا هيك!!
المحقق: كيف أنت بتقول أنك حماس، وما بدك تقول مين جندك؟ مفكر الشغلة بدك تضحك علينا، ما بنفع أكتب المعلومة بدون ما أكتب مين جندك ومين كان معاك وشو كنتو تعملو...
المعتقل: وكمان بدك تعرف مين كان معنا؟!؟
وتبدأ دوامة جديدة من الاستجواب والاستدراج للمعتقل
""

وفي النهاية لا بد من التأكيد على بعض الأمور التي هي من حق المعتقل (حتى ضمن القوانين العسكرية) حتى لا يستغفله المحقق: 

1)    لا يوجد ما يلزمك بإعطاء حسابات على الفيسبوك أو الإيميلات للمحققين، وقولك له أنك لا تملك حسابًا أو أن الحساب الموجود باسمك ليس لك وأنه انتحال لشخصك، لا يضرك ولا يمكن محاكمتك بسببه.

2)    ما لم يكن تحريضًا واضحًا على العمل المسلح فرأيك لا يمكن تقديمك للمحاكمة بسببه، ربما يكون سببًا لجولات تحقيق كما ذكرنا أعلاه، لكن لا تقدم لمحاكمة لأنك قلت "سيسي يا سيسي مرسي هو رئيسي"، أو "عائدون يا فلسطين مهما طال الزمن".

3)    لو كنت تتابع مواقع حماس أو غيرها بدافع الفضول وحب الاطلاع، فلا يعرضك هذا للمحاسبة، لكن لو قلت أنك كنت تفعل ذلك كجزء من نشاطك في اللجنة الإعلامية بالكتلة الإسلامية يجعلها تهمة تسجن عليها لعام أو يزيد؛ فهذه التفاصيل التافهة التي يحاول إقناعك المحقق أنها غير مهمة، هي التي تشكل كل الفرق.

ملاحظة: ما ينطبق على جهاز الشاباك ينطبق على أغلب أجهزة المخابرات العربية، فالاختلافات بينهم في أساليب التحقيق وليس في جوهره، وقد تكلمت سابقًا في مقال عن الفرق الأساسي بين جهاز الشاباك وغيره من أجهزة المخابرات العربية، تحت عنوان: الشهيد عرفات جرادات والتعذيب في سجون الاحتلال.

ليست هناك تعليقات: