الأحد، 18 أغسطس 2013

ما بعد رابعة: الثورة المصرية إلى أين؟




مثلما ذكرت في مقالي السابق فهنالك من يؤمن داخل المجموعة الانقلابية بأنه يمكن التضحية ببضعة مئات أو آلاف من المصريين، ليستقر بعدها الانقلاب وقد اتضحت نهاية خريطة طريقهم: دولة علمانية – بوليسية تقوم على الإرهاب والرعب، ورأينا الدموية المفرطة في قمع المظاهرات والاعتصامات عند رابعة العدوية والنهضة ومسجد الفتح، فالاستراتيجية الوحيدة للانقلابيين تقوم على أنه إن لم تفلح القوة فالحل هو استخدام المزيد من القوة.

 
استراتيجية السيسي: الصدمة والرعب

والسؤال المطروح الآن: وماذا بعد؟ ما المطلوب من أنصار الشرعية لكي يفشل الانقلاب؟ فمن الواضح أن الحلول الوسط ليست في وارد الانقلابيين، وأن التسويات لا مكان لها بعد كل الدماء التي سالت، كما أن الأمل بوجود أطراف عاقلة داخل المجموعة الانقلابية بات معدومًا، وقد رأينا خروج الأقل تطرفًا أي البرادعي، فيما نسمع ونرى نوايا الانقلابيين الحقيقية على الأرض وفي وسائل الإعلام.

 

إن جاز لنا التعبير فيمكن القول أن المقاومة السلمية (بمعناها الضيق) والمقاومة الإعلامية لم تعد تؤدي دورها، وفي المقابل فالمقاومة المسلحة وحمل السلاح هي مخاطرة كبيرة غالية التكلفة، فلو تكرر السيناريو الليبي أو السوري في مصر فسنتكلم عن مئتي ألف قتيل على أقل تقدير وخسائر مالية بمئات مليارات الدولارات، وفي نهاية المطاف لن يكون مضمونًا إفشال الانقلاب ولا بناء دولة بسهولة بعد كل هذا العناء، لذا فهذا الخيار يجب إبقاؤه إلى النهاية (في حال سدت باقي الطرق)، وهو يبقى خيارًا أقل سوءًا من التسليم بحكم الانقلابيين، لأن بدايات حكمهم مرعبة وهم لم يرسخوا أقدامهم بعد، فما بالكم لو استتب لهم الأمر؟

 

الحل في رأيي هو المقاومة الشعبية بأشكالها المختلفة بما فيه العصيان المدني، وهي بمعناها الواسع تلتزم بالسلمية لكن ليست السلمية البلهاء التي تسلم الرقاب للطغاة، لكن السلمية التي لا تبادر باستخدام العنف، وتستخدمه فقط للدفاع عن النفس وفي حالات الاضطرار، سأحاول هنا رسم الخطوط العامة لما يجب فعله على المدى المنظور لكي يكون لحركة الاحتجاج والعمل الثوري نتيجة مثمرة.

 

نظرة على المستوى الاستراتيجي:

 

بما أنه لا مجال لتسويات من أي نوعية كانت، فالخيار الأفضل حاليًا هو استنزاف العصابة الانقلابية حتى نصل إلى أحد مرحلتين: تتحرك بعض الأطراف داخل الدولة لتطلب من العصابة الرحيل، ولتبدأ مرحلة تفاوض وتسوية حقيقية تنتهي بإعادة الشرعية، أو أن تنهار العصابة وتستلم قوى ثورية الحكم تبدأ بمرحلة انتقالية لإعادة الشرعية.

 

الخيار الأول هو المفضل لأنه أقل تكلفة لكنه الأقل احتمالًا نظرًا لطبيعة تركيبة الدولة المصرية، أما الخيار الثاني فهو أكثر تكلفة ويحمل مخاطر انهيار الدولة مع انهيار العصابة الانقلابية لكنه قد يكون شرًا لا بد منه.

 

نظرة على المستوى التكتيكي:

 

اعتصام رابعة لم يكن غاية بحد ذاته بل كان وسيلة من أجل محاصرة الانقلاب والإطاحة به، ولعل من غباء وسفاهة الانقلابيين أن كل إجراءاتهم تهدف لمنع حصول اعتصامات، فحرصوا على إعادة انتاج مشهد رابعة في مسجد الفتح بميدان رمسيس، وكأن الثورة ضد الانقلاب هي مجرد اعتصامات فإن فضت أو منعت فقد انتهت الثورة.

 

وكل هذا يرتب على الثوار أن يعيدوا دراسة أساليب عملهم لتتكيف مع الوضع الجديد، ولتضمن الوصول إلى الهدف المطلوب ألا وهو إفشال الانقلاب، ومهما كانت هذه الأساليب فهي يجب أن تضمن أمرين: أن تواجه التصعيد بتصعيد من أجل رفع معنويات المعارضين للانقلاب ولتضعف معنويات الانقلابيين، وأن تخدم الأهداف التكتيكية الآتية:

1)    تأزيم الوضع الاقتصادي.

2)    شل عمل الحكومة.

3)    الاستنزاف النفسي للانقلابيين.

4)    تأليب الرأي العام المحلي والخارجي ضد الانقلابيين.

5)    خلق حالة ارتباك في صفوف صانع القرار داخل الزمرة الانقلابية.

 

وهنا سنطرح بعض الأمور والقضايا التي أرى أنه يجب التركيز عليها على المدى القصير وبشكل تكيتيكي من أجل تحقيق الهدف الأكبر (تقويض الانقلاب):

 

أولًا: شل عمل وزارة الداخلية، فلا شك أنها أداة القمع الرئيسية التي تبطش بها الدولة، ومن منطلق أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فخير وسيلة للدفاع عن المظاهرات السلمية هي شل عمل وزارة الداخلية وإصابتها بالكساح.

 
شل عمل الداخلية يجب أن يكون أولوية

وبالفعل عمل المتظاهرون على ذلك من خلال حرق مقرات الداخلية المختلفة خلال الفترة التي تلت مجزرة رابعة العدوية، وهنا يجب التركيز على ثلاثة عناصر هي العصب المحرك للداخلية: المقرات وبالأخص مقرات أجهزة أمن الدولة والأمن المركزي وأقسام الشرطة بالإضافة لمقرات المحافظاتس، وأجهزة البث الخاصة بشبكة اتصالات الداخلية اللاسلكية والتي غالبًا ما تتواجد داخل هذه المقرات بما فيه هوائيات البث، وأخيرًا وسائل النقل من سيارات ومدرعات وغير ذلك.

 

بتدمير المقرات وشبكة الاتصال ووسائل النقل يمكن إصابة الداخلية بكساح، فتفقد كفاءتها وقدرتها على الحركة، لكن التدمير التام أمر شبه مستحيل، لذا يجب التركيز على تدمير ما يمكن تدميره فلو أحدث شلل بنسبة 30% أو 40% فسيكون إنجازًا كبيرًا.

 

ونشير هنا إلى نقطة هامة وهي رفض الناطقين باسم التحالف الداعم للشرعية لعمليات الحرق لا تتعارض مع ما نطرحه هنا، فهذه أمور لا يجب أن تقوم به جهات رسمية بل بموجب مبادرات شخصية، فضلًا عن الاعتبارات الإعلامية التي تدعوهم للتنصل من ذلك، وأرجو أن تركزوا في تصريحاتهم وكلامهم فهم يدينون حرق الكنائس ويدعون لعدم حرقها ويقولون لا علاقة لنا بذلك، بينما عندما يأتي الكلام عن مراكز الشرطة فيكتفون بالقول أنه لا علاقة لنا بذلك، واللبيب بالإشارة يفهم.

 

ثانيًا: التعامل مع الجيش، فحضوره في الميدان هو لمؤازرة الداخلية ودعمها بالعتاد والعناصر، لكنه ليس المخطط لأن فض المظاهرات ليست من اختصاصه ولا خبرة له في ذلك، فمجرد شل الداخلية وإرباكها يجعل الجيش أقل فعالية، صحيح أنه يمكن أن يكون أكثر وحشية نظرًا لما يمتلكه من سلاح، لكن وقتها سيكون كلام آخر وانحدار آخر من جانب العصابة الانقلابية، ولن يجدي الاستمرار بالمقاومة الشعبية.

 

لذا في الوقت الحالي يجب التركيز على أهالي المجندين في الجيش المصري وخاصة في الخزان البشري لمجندي الجيش (أي الصعيد) على المجال الدعوي والإعلامي، وزرع فكرة رفض الأوامر التي تتضمن قتل وإجرام بحق أبناء الشعب المصري، وذلك تمهيدًا للمرحلة القادمة التي قد نصل إليها (لا سمح الله) نتيجة لغرور وعناد ووحشية قادة الانقلاب – مرحلة المقاومة المسلحة.

 

ثالثًا: تغيير تكتيكات المظاهرات والاعتصامات، فلم يعد مجديًا الاعتصام في مكان واحد كونه يستنزف المتظاهرين ويعرضهم لمخاطر كبيرة، في حين أن البدائل كثيرة فالمظاهرات العديدة لمدة ساعتين أو ثلاث وإغلاق طرق رئيسية خلالها، تؤدي هدفين: إيصال رسالة إعلامية، وشل حركة المواصلات.

 

كما يفضل توزيع المظاهرات زمنيًا ومكانيًا: من خلال خروج مظاهرات غير كبيرة نسبيًا (بحدود 5 آلاف إلى 10 آلاف كحد أقصى)؛ فالتوزيع الزماني يضمن تغطية إعلامية أفضل فعند خروج 28 مظاهرة في القاهرة بوقت واحد (كما كان يحصل سابقًا) سيؤدي إلى أن يغطي الإعلام 4 أو 5 مظاهرات منها على الأكثر فيما البقية فلن يلتفت إليها أحد، فيما تنظيم 8 مظاهرات تخرج في المرة الواحدة (كما كان مقررًا فعلًا اليوم) وتنظيم عدد مماثل في أماكن أخرى غدًا، وبعد غد، سيضمن تغطية يومية لمسيرات دعم الشرعية.

 

أما التوزيع المكاني فهو يربك أداء الأجهزة الأمنية ويشتت قواتها، كما يضمن شل أكبر قدر ممكن من شبكة المواصلات، فسواء تظاهر ألفين شخص أو مئة ألف شخص فهم سيغلقون الشارع، فلو وزعنا المئة ألف شخص على عشرين مسيرة فسيغلقون عشرين شارع بدلًا من إغلاق شارع واحد فقط.

 

رابعًا: الاستمرار بالاستنزاف النفسي والحرب الإعلامية الموجهة ضد الانقلاب والانقلابيين، وقد رأينا كيف أثمرت عن استقالة البرادعي وداود إبراهيم، وانضمام قطاعات متزايدة من التيارات الحزبية التي كانت تعارض الإخوان سابقًا إلى الحراك الجماهيري، وأيضًا ساهمت بتغيير المزاج الدولي والخارجي (وإن كان لا يعول عليه كثيرًا).

 

وهذا يتطلب الاستمرار بلغة الخطاب السلمية والتي لا يجب أن تعيق الدفاع عن النفس، ولا الاستعداد للأسوأ، لأنه ثبت دومًا اختيار الانقلابيين للخيارات الأكثر دموية، فلا نريد أن تربكنا ما قد تبدو للبعض ازدواجية في الخطاب، فكما قلت في مقدمة المقال نحن ننتقل الآن إلى السلمية بمعناها الواسع، أي لا نبادر إلى العنف لكن سنستخدمه للدفاع عن النفس؛ مثل مهاجمة المقرات الأمنية وسيارات الشرطة التي تقتل المتظاهرين السلميين.

 

خامسًا: التمهيد للعصيان المدني، وذلك من خلال الإغلاق المؤقت للطرق ووقف عمل سكك الحديد، ومداخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، سواء كان من خلال المظاهرات أو إغلاقها بالحجارة والإطارات المشتعلة.

 

والهدف من ذلك إضعاف الحكومة اقتصاديًا (والمال عصب الحياة دومًا)، صحيح أن المجتمع المصري يتأثر من هذه الإجراءات لكنه شر لا بد منه، ويجب أن يكون في بال الثوار الوصول إلى مرحلة العصيان المدني التام؛ شل عمل المؤسسات الحكومية ومقاطعتها وإغلاق المرافق الحيوية في الدولة.

خنق الحكومة اقتصاديًا شر لا بد منه

 

بوادر الضعف الاقتصادي بدأ بالظهور منذ اليوم من خلال الانهيار في قطاع السياحة وإغلاق الشركات الأجنبية لمصانعها في مصر مثل جنرال موتورز وشيل، ولا يجب الاستهانة بالدور الاقتصادي إطلاقًا لأنه يخنق الحكومة ويخنق الدولة، وبما أن المرتزقة وأصحاب المصالح هم أهم المكونات الاجتماعية للعصابة الانقلابية، فتأثير التأزيم الاقتصادي عليهم سيكون أكبر.

 

سادسًا: التعامل مع الأقباط، والذين يعتبرون جزءًا هامًا جدًا من البنية الاجتماعية الداعمة للانقلاب، يشكل معضلة يصعب حلها، فمن ناحية فهم معبأون ضد الإخوان لدرجة دفعت غالبيتهم للوقوف بجانب الانقلاب وذلك بدون أن يمسهم الإخوان أو أن يسيئوا إليهم، ومن ناحية أخرى فمهاجمة كنائسهم وحرقها سيزيدهم التفافًا حول الانقلاب.

 

بمعنى آخر في كل الأحوال سيلتفون حول الانقلاب ويدعموه، والأمر الإيجابي الوحيد أنهم لا يشكلون أكثر من 7% من تعداد السكان، ووجودهم داخل مؤسسات الدولة والجيش محدود نسبيًا، وبالتالي يمكن الالتفاف عليهم وهزيمة الانقلاب بدون استمالتهم.

 

لذا فمعاداتهم والانجرار إلى حرق الكنائس لن يفيد، فهم لن يغيروا رأيهم، وفقط ستكون نقاط إعلامية تسجل لصالح الانقلابيين، كما أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فوجود أغلبية قبطية تساند الانقلاب (سواء حقدًا أو جهلًا أو خوفًا) لا يجيز لنا أن نأخذ الأقلية بجريمة الأغلبية، فهذا اسمه عقاب جماعي، ونحن نريد أن نؤسس لدولة جديدة أساسها العدل.

عدم الاعتداء على الكنائس ضرورة كي لا تنحرف الثورة عن مسارها

وقد أحسن قادة التيارات الإسلامية بحمايتهم للكنائس خلال المسيرات وتحويل بعضها بعيدًا عن الكنائس، حتى لا تكون عرضة للهجوم والحرق، وخاصة أن العصابة الانقلابية معنية بذلك حتى تعزز روايتها عن "حرب طائفية تشعلها عناصر خارجية مندسة" (نفس رواية النظام السوري).

ليست هناك تعليقات: