الخميس، 29 أغسطس 2013

الضربة المتوقعة ضد سوريا




حسب ما تسرب لحد الآن فالضربة التي سيتم توجيهها إلى سوريا مسألة أيام، وربما تنتظر أمريكا حتى انتهاء مهمة المفتشين الدوليين في غوطة دمشق بعد أربعة أيام، إلا أن الأكيد هو وصول الاستعدادات العملياتية إلى مراحلها الأخيرة.

ليس من الواضح من الدول المشاركة بالضربة العسكرية بالضبط، لكن على الأرجح ستكون تحت ستار قوات الناتو وبدون تفويض من مجلس الأمن، وستقود أمريكا الهجوم لكن من ناحية عملياتية قد لا تشارك بثقلها وربما يقتصر دورها على قصف باستخدام صواريخ الكروز، ومن المنطقي أن نفترض دورًا مركزيًا لتركيا في الضربات سواء بالتخطيط أو التنفيذ، وهذا يعطي القليل من الطمأنة حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأمور.

للأسف فالضربة كما هو واضح ليست بهدف دعم قوات الثورة السورية بل ستكون موجهة إلى مخازن السلاح الاستراتيجي وربما بعض رموز الدولة السورية، وبالتأكيد سيتم استهداف منظومة الدفاع الجوي السوري، وهذه ستكون خسارة للشعب السوري بأكمله لأن الدفاع الجوي يحمي سوريا من أي عدوان خارجي فيما لا يفيد النظام في حربه ضد الثوار الذين لا يملكون أي طائرات.
 
الهدف الأول للضربة الجوية هو استعراضي وإعلامي لتقول أمريكا وحلفاؤها بأنهم قاموا بنجدة الشعب السوري، لأنه لا معنى أن تردع النظام السوري عن استخدام الكيماوي فيما تسمح له بنفس الوقت بقتل شعبه باستخدام الصواريخ والمدفعية والرصاص، كما أن الصهاينة والأمريكان سيكونون فرحين بتدمير المنظومة الجوية والسلاح الكيماوي والصواريخ بعيدة المدى، وهذه تضعنا أمام معضلة معقدة.

فمن ناحية السلاح الكيماوي والصواريخ بعيدة المدى تستخدم ضد الشعب السوري على نطاق واسع فلا يمكن أن نقول لا نريد تدميرها، وبنفس الوقت تدميرها يحرم سوريا من أسلحة ردع موجهة ضد الكيان الصهيوني وتدميرها تمامًا سيجعلها بلا غطاء استراتيجي في مواجهة الكيان، وهذا أيضًا سيء، لكن بالنسبة لي فدرء الخطر الآني (استخدامه ضد الشعب السوري) أولى على المنفعة المستقبلية (استخدامه ضد الكيان الصهيوني)، ويمكن استدراك ذلك في المستقبل إن كانت هنالك قيادة حرة ومسؤولة لسوريا بعد سقوط الأسد.

كما لا يمكن أن تُشَن غارات ضد النظام الأسدي بدون تدمير نظم الدفاع الجوي، وفي نفس الوقت فهي تشكل حماية لسوريا ضد الكيان الصهيوني، إلا إن تصرف النظام بمسؤولية وقام بإخفاء هذه الأنظمة لحمايتها (ولحد اليوم لم يتصرف النظام بأي مسؤولية).

هذا الجزء المخطط له من الضربة المتوقعة، لكن لا يمكن التحكم بمجريات الأمور بعد انطلاق الطائرات لتنفيذ الضربة وهنا الأمور محكومة بعاملين أساسيين:

الأول، مدة الغارات الجوية فتوجيه ضربة لمدة يومين أو ثلاثة أيام ستكون محدودة الأثر ميدانيًا، وفقط سيدمر بعض من مخزون سوريا من السلاح الاستراتيجي، وربما يرتدع النظام عن استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى ضد الشعب السوري.

أما لو كانت أطول من ذلك فقد يتطور الأمر لصالح الثوار السوريين (ولو لم يقصد ذلك الناتو)، حيث سيترك أثره السلبي على معنويات جنود النظام وكوادر الدولة الذين ما زالوا مع النظام، وسيزيد من وتيرة الهرب أو حتى الانشقاق، وربما عند مرحلة معينة ينهار النظام نهائيًا.

فالوضع المعنوي لجنود النظام سيء بدون توجيه ضربات جوية، فما بالكم بعد توجيهها؟ وما بالكم عندما تستمر لأيام وأسابيع؟ من الصعب أن نتنبأ إلى أي حد سيؤثر انهيار المعنويات (وبالفعل سمعنا من الثوار عن ازدياد حالات الفرار من الجيش بمجرد الحديث عن ضربات جوية)، لكن الأثر لن نراه إلا في حال استمرار الضربات لأكثر من أسبوع.

وفي حال طال أمد الضربات الجوية سيستفيد الثوار من حرمان الطيران السوري من التحليق من أجل التحرك على الأرض وتحقيق تقدمٍ ميدانيٍ في أكثر من موقع.

الثاني، العامل الهام جدًا هو ردة فعل النظام على الغارات فهذا سيكون له دور محوري في تحديد نتائج هذه الغارات.

بالنسبة للنظام فالخيار الأفضل هو انتظار انتهاء الغارات بأسرع وقت ممكن، والتي لن تؤثر كثيرًا على قدراته القتالية ضد الثوار خاصة في حال كانت مدتها الزمنية قصيرة، ولن يغامر بدخول حرب مفتوحة تدمر قواته الجوية والبرية لأن هذا سيجعله فريسة سهلة للثوار لاحقًا.

لكن هنالك خطر داخلي يهدد النظام وهو انهيار معنويات جنوده، وقد تتزايد حالات الانشقاق والهرب من داخل الجيش ومن داخل المنظومة السورية، وربما تصل إلى حد يهدد النظام بخسارة مواقع استراتيجية بل وانهياره بشكل تام، وهذا الاحتمال سيتزايد كلما طال أمد الضربات الجوية.

لذا قد نتوقع أنه في حال بدأ النظام بالانهيار أو شعر بخطر الانهيار بسبب الهزيمة النفسية لعناصره، فقد يلجأ لتوجيه ضربات ضد الكيان الصهيوني من أجل تشتيت بوصلة المعركة، وربما إدخال حزب الله وإيران في المواجهة، ووقتها قد تتطور الأمور إلى حرب إقليمية، لكن في ظل فهمي لعقلية النظام فهذا خيار ضعيف جدًا لكنه وارد.

في نهاية المطاف نهاية نظام الأسد أصبحت مسألة وقت بضربات جوية أو بدونها، لذا من الضروري أن يسرع ثوار سوريا بعملية التحضير لمرحلة ما بعد الأسد، لأن جو الانقسامات والاختراقات الخارجية لصفوف الثورة يهدد سوريا بالتحول إلى دولة فاشلة بعد سقوط الأسد، وهذا يجعل عبء منع ذلك ملقى على كاهل الثورة والمعارضة السورية.

ليست هناك تعليقات: