الاثنين، 26 أغسطس 2013

العقيدة السيسية في رام الله



العقيدة السيسية في رام الله


يظهر الفيديو المرفق قيام الأجهزة الأمنية في رام الله بقمع اعتصام دعت له حركة حماس أمام مسجد البيرة الكبير بعد الصلاة يوم الجمعة الماضي، وذلك تضامنًا مع الثورة المصرية ضد الانقلاب العسكري، ويأتي ذلك بعد أن قمعت في الأسبوع الذي سبق مسيرة مماثلة لحماس في مدينة الخليل، بينما منعت وقتها في رام الله خروج المسيرة من المسجد وحصلت مواجهات محدودة.


وترافق مع فض اعتصام رام الله الجمعة الماضي اعتداءات على الصحفيين الذي حضروا لتغطية الاعتصام ومصادرة لعدد من الكاميرات ومسح محتوياتها، كما شهدت جامعة النجاح في نابلس (والتي ما زال رامي الحمد الله رئيسًا لها رغم توليه رئاسة الوزراء!) قيام إدارة الجامعة بمصادرة شعار رابعة وصور محمد مرسي من معرض للكتلة الإسلامية، واعتقل صاحب محل عطور في طولكرم لأنه كان يبيع عطرًا سماه "محمد مرسي" قامت الأجهزة الأمنية بمصاردته.


كل ما سبق يعبر عن تغير نحو الأسوأ في تعامل السلطة مع معارضيها وعلى رأسهم حركة حماس (بما فيه ازدياد حالات التعذيب في السجون وازدياد وتيرة الاعتقالات والاستدعاءات السياسية ومحاولة حركة الشبيبة الفتحاوية فض اعتصام للكتلة الإسلامية ضد الاعتقال السياسي في جامعة بيرزيت)، إلا أن اللافت للنظر هو الحساسية المفرطة من جانب السلطة تجاه أي خطوة تظهر تضامن قطاعات من الشعب الفلسطيني مع الثورة المصرية ضد الانقلاب العسكري.


والذريعة التي يكررها الإعلام المحسوب على فتح والسلطة عن أنه لا يجب التدخل بالشأن المصري غير مقنعة، لأنه وبكل بساطة فإننا رأينا بيانات السلطة التي تدعم فيها الانقلاب وحرب الانقلابيين على معارضيهم،  كما رأينا عدة مسيرات مؤيدة للانقلاب ومعادية للإخوان المسلمين.


فالأمر ليس "نأيًا" بالنفس عن ما يحصل في مصر، لكنه انحياز لجهة الانقلابيين على حساب أنصار الشرعية، ومنع أنصار الشرعية في الضفة من دعم من يؤيدون، والسؤال المطروح الآن: ما المشكلة؟ أليست السلطة وحركة فتح تمارس أسلوب فرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني منذ عقود؟ ألم تتنازل عن 78% من فلسطين وتفرضه كأمر واقع بدون سؤال الشعب الفلسطيني؟ ألم تذهب مؤخرًا     إلى المفاوضات رغم معارضة الجميع؟


من الناحية المبدئية محاولة السلطة وحركة فتح فرض وجهة نظرها بخصوص ما يجري في مصر على الشعب الفلسطيني، وقمع أي صوت مخالف، لا يحمل أي جديد، إلا أن الجديد هو درجة الحساسية العالية ضد أي تحرك مؤيد للثورة ضد الانقلاب.


فعلى سبيل المثال بالرغم من تضييق السلطة على اعتصامات التنديد بالاعتقال السياسي واستدعاء من يشارك بها، ومحاصرتها بمندوبي المخابرات، إلا أنه لم يجر قمعها قبل أن تبدأ (في حدود علمي)، ونفس الشيء مع مسيرات الجبهة الشعبية المنددة بزيارة موفاز أو  ضد استئناف المفاوضات، فقد كان يسمح لها بالانطلاق وكانت تتعرض للقمع عندما تحاول الوصول إلى المقاطعة.


وهذا له عدة أسباب ومعاني فمن ناحية هو تأكيد على أن ما يحصل داخل مصر يهم السلطة وحركة فتح إلى درجة كبيرة، بحيث يعتبرونه شأنهم الخاص، وهذا منطقي جدًا فنظام مبارك (والذي عاد من خلال الانقلاب) هو الداعم الأكبر لخط التفاوض مع الاحتلال الصهيوني ولحركة فتح، ففشل الانقلاب يعني فقدان السلطة وفتح لعمقهما العربي (الخياني).


كما يفسر ذلك بأن وضع الانقلاب هش لدرجة تخشى السلطة (وغيرها من حلفاء الانقلابيين) من مجرد مظاهرة أو مسيرة تضامنية مع أنصار الشرعية، لأن هنالك حرص على تصوير العالم وكأنه يدعم الانقلابيين مؤازرة لهم وتثبيطًا لأنصار الشرعية.


ولو كان وضع الانقلاب مستقرًا لما رأينا هذا القدر من التشدد، بالضبط مثلما هو الأمر مع اعتصامات الاحتجاج على الاعتقال السياسي، فهي لا تشكل خطرًا مباشرًا وقويًا على السلطة ولا التنسيق الأمني، فيمكن التسامح ضمن هامش معين معها.


ولو عدنا إلى مسيرات العام الماضي للاحتجاج على الوضع الاقتصادي في الضفة فقد تساهلت معها السلطة طوال الوقت الذي كانت سقف مطالبها خفض أسعار الوقود أو الإطاحة بسلام فياض، وعندما انتقلت للمطالبة بالإطاحة بمحمود عباس سارعت السلطة بمختلف الطرق والوسائل لخنقها ووأد الحراك الشعبي.


ونرى هنا تكاتف حلفاء الانقلاب من أجل خنق أي صوت مندد بها، فمثلما رأينا في السعودية اعتقالات بحق دعاة ومشايخ بسبب موقفهم من الانقلاب وفصل طارق السويدان من منصبه في فضائية الرسالة بسبب تنديده بالانقلاب، نرى السلطة تمارس نفس الدور وبطريقتها، وحتى الاحتلال الصهيوني رأيناه يتدخل في الخليل.


قمع السلطة لمسيرة الخليل قبل 10 أيام
فمن أجل تجنب قمع مسيرتها مجددًا على يد أجهزة السلطة قامت حماس بنقلها إلى القسم الجنوبي من الخليل والخارج عن سيطرة السلطة، إلا أن جنود الاحتلال وصلوا إلى مكان المسيرة وتحرشوا بالمتظاهرين ثم قمعوها، رغم أنهم ومنذ نهاية الانتفاضة الأولى لا يقمعون بالعادة المسيرات التي لا يتخللها رشق لجنود الاحتلال بالحجارة، ليوصلوا رسالة إلى منظميها بأن الاحتلال لن يسمح بتحويل المناطق التابعة له إلى منصة للتضامن مع الثورة ضد الانقلاب.


ويبقى هنالك بعد آخر وهو إعجاب السلطة وقيادات وكوادر حركة فتح بتجربة الانقلابيين في مصر، واقتناعهم بأن أسلوبهم الاستئصالي والإجرامي هو الأسلوب الصحيح، وبالتالي نرى محاكاة للأساليب وحرص على مجاراة أفعال الانقلابيين، وهذا نلمسه وبقوة في حرص السلطة على فض الاعتصامات محاكاةً لفض اعتصام رابعة العدوية، ولا شك أن نجاح الانقلاب في مصر سيشجع السلطة على المزيد من القمع والاستئصال في مواجهة حركة حماس.

ليست هناك تعليقات: