الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

كتائب شهداء الأقصى وصناعة الوهم








تقرأون في الصورة أعلاه بيانًا منسوبًا لكتائب شهداء الأقصى صدر قبل حوالي أسبوع من اليوم، متوعدًا الاحتلال الصهيوني بسلسلة عمليات مسلحة تنفجر في وجه الاحتلال الصهيوني في الذكرى العشرين لاتفاقية أوسلو في الثالث عشر من الشهر الحالي، واليوم بعد مرور أكثر من خمسة أيام من الموعد المضروب، لم تنطلق ولا أي طلقة كما كان متوقعًا.


مع ذلك كل مرة ستجد من يدافع ويتحمس ويقول لك لعل وعسى، ولعلهم من شرفاء حركة فتح، متناسين أن محمود عباس قرر حل الكتائب بعد وصوله لرئاسة السلطة عام 2005م، ضمن تفاهمات مع الأمريكان والاحتلال الصهيوني، وأعلن ذلك بدون خجل وقطع عن تشكيلات الكتائب المختلفة كافة أشكال الدعم المالي والمعنوي التي كانوا يتلقونها أيام عرفات.


وحكاية كتائب الأقصى مع البيانات الكاذبة قديمة ومن قبل أن يتم حلها، فهنالك جهات مخابراتية معنية بإبراز هذه اللافتة لأسباب كثيرة من بينها على سبيل المثال استفزاز الجهة المنفذة الحقيقية للعمليات فتقوم بإصدار بيان باسم كتائب الأقصى (أو غيرها) فور تنفيذ العملية، لكي تأتِ المجموعة المنفذة الحقيقية وتتبنَ العملية.


كما أن هنالك جهات داخل حركة فتح حريصة على إيهام جمهورها بأن الحركة ما زالت ولاّدة ولا زالت في الميدان تحارب وتفجر وتنسف، ويبدو أن من أصدر هذا البيان غاب عن باله أنه إن نسي الناس فالجوجل والإنترنت يحتفظون بكل شيء، والنتيجة لكل ذلك سيل من البيانات تصدر عن جهات وهمية باسم كتائب الأقصى سواءً لتبني علميات فور تنفيذها، ويتلقاها الناس فورًا كون الخبر "طازة" وطالع من الفرن فالكل يهتم بمن نفذ، أما المنفذ الحقيقي ولدواعي أمنية فيفضل البقاء في الظل.


ومثال قريب على ذلك عملية تفجير العبوة الناسفة في تل أبيب باليوم الأخير من الحرب على غزة، والذي سارعت الجهات المجهولة إياها بإصدار بيان تبني باسم كتائب الأقصى للعملية، وتبين لاحقًا أن منفذي ومخططي العملية من كتائب القسام.


وبالرغم من اكتشاف الناس المستمر لكذب هذه البيانات وعدم مصداقيتها، وللعلم فقط فأحد هذه الدكاكين (كتائب عماد مغنية) تصدر بياناتها حصرًا من وكالة معًا المرتبطة ارتباطًا وثيقة بالسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، إلا أنّ أجهزة الإعلام تستمر بنشرها وتستمر بالمساهمة في صناعة الوهم.


وإن كان مفهومًا قيام جهات فتحاوية بالترويج لهذه البيانات لأنها معنية بخداع قطاع عريض من جمهورها ما زال يؤمن بالمقاومة، وليريح ضميره كونه يؤيد سلطة وحركة تخلت عن الكفاح المسلح، فتوفر له هذه الجهات وهمًا جميل يخدع به ذاته ليقتنع أنه ما زال يبايع المقاومة وما زال على عهد الرصاصة الأولى والبندقية الأولى، إلا أنه من غير المفهوم قيام وكالات أنباء مؤيدة لحماس أو الجهاد أو غيرها بالترويج لهذه البيانات الوهمية.


فمن ناحية مهنية فهذه البيانات لا مصداقية لها، فلا وجود لكتائب الأقصى اليوم كما جربنا كذبها بدل المرة الألف، فإلى متى نلدغ من ذات الجحر؟ ولعل هذا البيان أوضحها في الكذب والدجل بما لا يدع مجالًا لمكابر أو ساذج أو غافل، ومن ناحية أخرى فحجة هذه الجهات ساقطة.


فالبيان المذكور نشر على موقع فلسطين الآن المقرب من حماس، وفلسطين اليوم المقرب من الجهاد، والمنار التابع للجهاد الإسلامي (ومواقع أخرى لكن هذا الذي رأيته)، وأسباب الثلاثة مواقع متشابهة وهو أنهم معنيون بإظهار الجانب المقاوم لفتح والرافض لخط محمود عباس، لكن عمليًا العكس تمامًا هو الذي يحصل: أنتم تسوقون لوهم اسمه الجناح المسلح لحركة فتح، وهكذا يبقى ابن فتح المؤيد للمقاومة يعيش بضمير مرتاح لأن هنالك تيارًا يمثله داخل الحركة، فيما هذا غير موجود أصلًا إلا على الإنترنت!


وصناعة الوهم لا تتوقف هنا فقد تابعت فجر أمس مسلسل بطولات وهمية آخر على صفحات الفيسبوك ومواقع الإنترنت عندما دخل جيش الاحتلال مخيم جنين لاعتقال أحد الشبان، فقد تكلمت هذه الصفحات عن تفجير عبوات بمدرعات للاحتلال، وتبادل إطلاق نار، وتصاعد الصراخ من الجنود المصابين، وطبعًا "أبطال كتائب الأقصى" هم من يتصدون للقوة العسكرية.


الشهيد إسلام الطوباسي: سلاح السلطة لم يظهر إلا لمهاجمة المشيعين
ومثلما كان متوقعًا لم يحصل شيء من ذلك، وحصيلة عملية التوغل: مواجهات بين شبان المخيم الذين رشقوا الجنود بالحجارة (فقط لا غير)، وكل إطلاق النار كان من جانب الجنود الصهاينة، والشهيد إسلام الطوباسي الذي أعدمه الجنود الصهاينة ميدانيًا بعد أن اعتقل وهو أعزل السلاح (زعم جنود الاحتلال أنه حاول الفرار).


سنجد هنالك من يعيش وهم قوات فتح والعاصفة وكتائب الأقصى التي لقنت القوة العسكرية درسًا لا ينسى، وفي الواقع كانت أجهزة السلطة الأمنية مختبئة في مقراتها، ولم تخرج بنادقها إلا للتصدي لمشيعي الشهيد يوم أمس كما يظهر في الفيديو التالي:




صناعة الوهم لا تنتهي عند حركة فتح وكتائب الأقصى بل سنجدها في كل مكان وزمان، أحيانًا لها دور في رفع معنويات المهزوم، لكنها في الغالب إبر مخدرة (خاصة عندما تتحول إلى عادة وممارسة دائمة)، مثلما يؤمن مؤيدو الانقلاب في مصر بقصة تهديد السيسي للأسطول الأمريكي الذي جاء لنجدة الإخوان، أو مثلما انتشرت كذبة الانهيار الذي أصاب الكيان الصهيوني بعد هجوم الانونيموس الالكتروني قبل بضعة أشهر.


لنتوقف عن المساهمة بصناعة الوهم وترويج الكذب، فمن أراد أن يقاوم أو يحارب فلينزل للميدان أما البيانات الوهمية والعقيدة الصحافية (نسبة لسعيد الصحاف) فضررها أكبر من نفعها، وهي مخدر أكثر مما هي حافز.

ليست هناك تعليقات: