الاثنين، 23 سبتمبر 2013

مايكروسوفت، أبل، والسياسة العربية




لماذا تفوقت مايكروسوفت على أبل؟

كلنا يعلم منتجات ميكروسوفت وأهمها نظام التشغيل ويندوز، والكل سمع بشركة أبل ومنتجاتها وأبرزها الآيفون والآيباد، إلا أن شركة أبل كانت من أوائل السباقين إلى أجهزة الحاسوب الشخصية وطورت نظام التشغيل "ماكنتوش"  منذ بداية الثمانينات، وكانت منافسًا قويًا لتحالف شركتي أي بي أم ومايكروسوفت في هذا المجال.

ورغم أن شركة أبل كانت تتميز بجودة منتجاتها العالية ونظام تشغيلها المميز والذي كان متفوقًا على نظام تشغيل الويندوز، إلا أن مايكروسوفت سبقتها بمراحل كثيرة، لأسباب كثيرة أهمها أن شركة أبل لم تكن تسمح باستخدام برامج ليست من إنتاجها على أجهزتها أو نظام التشغيل الخاص بها، كانت تريد أن يمر الجميع من خلال منتجاتها، أما شركة مايكروسوفت فكانت تتعامل بشكل مفتوح مع الجميع.

سمحت مايكروسوفت بتنزيل نظام تشغيلها على أي جهاز حاسوب شخصي بغض النظر عن الشركة المصنعة، وسمحت أيضًا باستخدام برامج ليست من إنتاجها على نظام التشغيل الخاص بها، ولهذا فضل الكثيرون التعامل مع منتجاتها ويعمل نظام تشغيلها (الويندوز) على أكثر من 90% من أجهزة الحاسوب الشخصية (واللابتوب) في العالم.

العقلية التجارية في عالمنا العربي؟
 
ربما للأصول العربية عند ستيف جوبز (مؤسس شركة أبل) دور في هذه العقلية التي تريد احتكار الزبون (مع وضع خط تحت كلمة ربما)، فهذا ما نلمسه في الحياة التجارية بعالمنا العربي، فلو ذهبت إلى تاجر وعلم أنك اشتريت من تاجر آخر قبل القدوم إليه فسيبدأ بلومك والتأكيد لك أنه "عندنا كل شيء وبجودة أفضل وبسعر أقل"، ولو كنت زبونًا فيرى أن من حقه احتكارك، ولهذا نرى انتشار فكرة وكلاء الشركات العالمية لدينا.

فالكثيرون يريدون أن يكونوا وكلاء حصريين لهذه الشركات، مع أنها في كثير من الأحيان ترفض إعطاء وكالات حصرية، لكن الرغبة دائمًا بأن تكون الملجأ الوحيد للزبائن وأن لا ينافسك أحد (ألا يذكركم هذا بأنظمة الحكم العربية)، والرغبة باحتكار الزبون لا تكون من خلال تقديم الأفضل له، بل من خلال أي شيء آخر.

هل مررتم بهذا الموقف: يذم صاحب المحل منافسيه من أجل إقناعك بالشراء منه، ما ستكون ردة فعلكم؟ وهل مررتم بهذا الموقف: تذهب لشراء شيء ما، فينصحك صاحب المحل بالذهاب إلى غيره لأنك ستجده بسعر أقل أو بمواصفات تناسبك، ما ستكون ردة فعلكم؟

لا شك أن التعامل مع التاجر الذي ينصحكم بالشراء من غيره سيكون مبنيًا على الثقة به، وستكونون زبائن محتملين له، ورغم أنه لحظيًا خسر صفقة لكنه كسب زبونًا وكسب سمعة ستحضر له زبائن آخرين، أو مثلما يردد المثل الأمريكي "الأمانة هي أفضل سياسة" (Honesty is the best policy).

قد يقول قائل أن الأمانة والصدق هي أخلاقيات أمر بها ديننا منذ ألف وأربعمائة عام، وهذا صحيح لكن مجتمعنا لم يأخذ بما أمره به دينه ولم يقلد الغرب بهذه الصفة (فقط نقلده بالسلبيات)، فمن الطبيعي أن نكون في ذيل الأمم فلم نلتزم بديننا ولم نحسن إدارة دنيانا.

السياسة في عالمنا العربي:

الآن ما علاقة كل ما سبق بالسياسة العربية؟ تعامل الحزبيين في عالمنا العربي (إلا ما رحم ربي) يحتكم إلى عقلية التاجر العربي، يريدون احتكار الناس من خلال كل الطرق إلا الطريق الصحيحة: أي تقديم نموذج يحتذى به.

يا إخوان: العلاقات التجارية والعلاقات السياسية ليست علاقة غرامية وليست زيجة كاثوليكية (على السراء والضراء - وما جمعه الرب لا يفرقه إلا الرب)، هذه علاقات مفتوحة محكومة بسنة التدافع والتنافس، وليعرض كل بضاعته والناس سيتبعون الأفضل، ولتكن المصداقية هي الدليل للإنسان الحزبي، وليس الهوس بالأساليب المختلف لغسل أدمغة الناس وسجنهم في علاقات احتكارية.

موقف حزب الوسط الرافض للانقلاب أعطاه مصداقية
وحتى أوضح أكثر: كم من حزب مصري رفض إعلان موقفه من الانقلاب العسكري حتى لا يحسب في صف الإخوان؟ مع أن هنالك أحزاب منافسة للإخوان وخصوم لها كان لهم موقف واضح ضد الانقلاب مثل حزب الوسط أو حزب الوطن (المنشق عن حزب النور) أو الجماعة الإسلامية أو التيار المصري، هذه أحزاب وجماعات لم تفكر بالطريقة التقليدية (لا نريد أن نبدو وكأننا نتبع الإخوان)، بل وقفوا بجانب ما يؤمنون بأنه الصواب.

كان لموقف هذه الأحزاب قوة لأنها قدمت للناس سلعة غالية، أي المصداقية، أما غيرها من أحزاب مثل مصر القوية و6 أبريل، ومثل أحزاب اليسار الفلسطينية، فهي لم تحصد إلا فشلًا تلو الفشل، وكل سياستها قائمة على ذم كل الأطراف: ذم الانقلابيين وذم الإخوان في مصر، ذم حماس وذم فتح في فلسطين، وكأنهم يريدون أن يقولوا الكل سيء إذن نحن الجيدون.

هذه الثقافة التي تمنع المرء من أن يقول كلمة خير في حق خصومه السياسيين (أو منافسيه من أصحاب الأعمال) تفقده المصداقية، هو أراد أن يحرم خصمه من ذكر إنجاز بسيط له، لكنه حرم نفسه من المصداقية، وهي عملة غالية في كافة مناحي الحياة (السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية)، واليوم نحن نعيش في عصر الثورة المعلوماتية، فلا يمكن إخفاء إنجازات الآخرين.

ربما ستجد قواعدك الشعبية تبصم لكل ما تقوله بدون أي تفكير، مهما كان كلامك بعيدًا عن الحقيقة، لكن عامة الناس وأصحاب العقول وأصحاب التفكير الناقد، كلهم يبحثون عن الحقيقة وعندما لا تقدم لهم الحقيقة فأنت تفقد ثقتهم، وشركة مايكروسوفت كسبت ثقة الناس لأنها تركت لهم حرية الاختيار عندما تكون مصلحتهم معها فأهلًا وسهلًا بكم، وعندما تكون مصلحتهم مع غيرها "فنحن نوفر لكم إمكانية التعامل مع غيرنا"، أما أبل فأرادت أن يتعامل الناس معها دائمًا مهما كانت مصالحهم.

لهذه الأسباب يجب أن نغير من ثقافتنا السياسية (والتجارية أيضًا)، فلا يجوز أن ترعبنا فكرة أن نمدح أي خصلة جيدة في خصومنا (طبعًا لا يعني هذا أبدًا مجاملة الخصم وإغداقه بصفات جيدة لا توجد لديه)، أخبر الناس بإيجابياتك وسلبياتك، ولا تتحرج من الكلام عن إيجابيات خصمك مثلما تبرز سلبياته، وفي النهاية رهانك الرئيسي يجب أن يكون على أفعالك، لتترك أفعالك الإيجابية تتكلم عنك، فالكلام مهما كان منمقًا لن يستطيع ستر عورات الفعل القبيح، ومن يفقتد بلاغة المقال يستطيع أن يعوضه بالفعل الحسن.

حزب الله كمثال:

وأختم بمثل عن الموقف تجاه حزب الله، فالكثير نجد لديه حساسية مفرطة من أن يقال أن الحزب عدو للكيان الصهيوني وأنه حاربه، ومستعدين لاختراع نظريات عجيبة وغريبة بل والكذب البواح ليثبت ذلك، طبعًا الدافع لذلك معروف سواء كان الانتماء المذهبي للحزب أو لما قام به في سوريا من جرائم ودعم للنظام.

أين المشكلة لو قلنا أن الحزب قدم شيئًا إيجابيًا في محاربة الكيان الصهيوني، لكن سلبياته الأخرى تغطي وتمسح هذه الإيجابيات؟ أنت تقدم هنا تقييمًا يحمل قدرًا كبيرًا من المصداقية، وأنت تكسب ثقة الآخرين، وبنفس الوقت لم تدعم حزب الله إعلاميًا، أما أن تبدد وقتك في نفي أمور حصلت فعلًا، فأنت ستهز ثقة الناس بك ولن تقنعهم.

واستغلت أجهزة مخابراتية هذه الثغرة في عقليتنا السياسية، عبر توجيه حملات إعلامية همها الوحيد إثبات أن حزب الله هو حليف للصهاينة وأن كل مقاومته تمثيل، والكثيرون يتجابون مع هكذا حملات لأن عقولنا مهيأة لتصديقها بدون أي جهد، وليس القصد منها تشويه الحزب (فأفعاله في سوريا بالعامين الأخيرين قامت بذلك وأكثر) بل هز ثقة الناس بأي مقاوم.

"فلا أحد يقاوم: لا حزب الله ولا حماس ولا القاعدة، فكلهم عملاء بالسر للصهاينة وأمريكا، والفرق بينهم وبين محمود عباس والسيسي وعبد الله الثاني، أن الفريق الثاني هم عملاء بالعلن وهم صادقين، وبالتالي فالعميل العلني والصادق أفضل من العميل السري والكاذب".

في الختام:

مختصر الكلام إن كان الكذب ينجي فالصدق أنجى، والمصداقية بالحياة هي رأسمال أي شخص أو مؤسسة أو حزب، وطريقة عملنا وتفكيرنا يجب أن نغيرها كي لا نعيد إنتاج نفس أخطائنا مرارًا وتكرارًا.

ليست هناك تعليقات: