الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

لماذا يجب أن نكون كلنا ضد المفاوضات؟





يظن الكثيرون أن استمرار المفاوضات بين السلطة وحكومة الاحتلال أمر يخص السلطة ومحمود عباس وحدهما، وأنه تفاوضوا أم لم يتفاوضوا فللبيت رب يحميه، وفلسطين ستعود يومًا ما، وليلتهِ كل منا بما يشغله في الوقت الحالي، إلى أن يقيض الله صلاح دين جديد يجرنا من أمام أجهزة التلفاز إلى الانتصار المؤزر جرًا.

لكن هل التنديد القلبي يكفي؟ وهل الاستهتار بالموضوع جائز؟ ألا ندرك أن الأمر يتعلق بمصيرنا كلنا؟ ألا نفهم أن ما يتم يؤثر على حاضرنا ومستقبلنا؟

المثال الأول: ماذا لو احتل الصهاينة محافظة رفح، وقرروا هدم منازل جميع المواطنين في المحافظة وطرد أهلها؟ ألن يؤثر هذا القرار على كل سكان القطاع؟ من أين ستأتي بضاعة الأنفاق؟ ومن أين ومن أين؟ ماذا لو قرر إسماعيل هنية الرد على هذه الخطوة بالجلوس للتفاوض مع قادة الاحتلال الصهيوني؟

المثال الثاني: ماذا لو جاء رهبان وقسيسيون مسيحيون وتجولوا داخل الحرم المكي وهم يلبسون ملابسهم الدينية ويحملون صلبانهم؟ وماذا لو كان رد الحكومة السعودية على ذلك بالجلوس مع قادة المعتدين ومصافحتهم والابتسام ببلاهة أمام كاميرات الفضائيات؟
 
المثال الثالث: ماذا لو احتلت عصابة منزل والدك عام 1948م وطردت أهلك، ثم احتلت منزلك عام 1967م لكن لم تطردك، وقالت لك تعال نتفاوض لنعطيك بعضًا من حقك المسلوب؟ ثم قالوا لك بعد الجلوس للتفاوض: "إنا نخشى أن تسرق الأغنام التي ترعى في حديقة منزل والدك، لذلك نريد اقتطاع بعضًا من منزلك"، فهل تواصل الجلوس وتفاوضهم على النسبة الجديدة التي ستسرق من بيتك؟

المثال الرابع: ماذا لو جاء لص وسرق منزلك، ثم قال لك: "أنا لن أعيد لك شيئًا، لكن سأجلس للكلام معك، دردشة يعني، لكن بشرط! أن لا ترفع علي قضية في المحاكم"، فهل ستقبل بالشرط؟

كل ما سبق يحصل مع السلطة الفلسطينية ومحمود عباس، والمصيبة الأدهى والأمر أنها تتم باسمكم، ومثلما قال قريع "عباس مخول بالتوقيع نيابة عن الشعب الفلسطيني"، فهل تقبلون بذلك؟

المثال الأول: يحصل في غور الأردن، وهو بمكانة رفح بالنسبة للضفة الغربية التي ستصبح جزيرة معزولة بدون الغور، وأكثر من ذلك فهو السلة الغذائية للضفة، والصهاينة يقومون بشكل منهجي بتدمير قرى بأكملها وتهجير سكانها وآخرها قرية خربة مكحول، طبعًا لا أحد يحتج ولا أحد يرتفع صوته، والسلطة تفاوض المحتل بدون أن تذكر شيئًا عن طرد سكان التجمعات والقرى البدوية في الغور.


المثال الثاني: يحصل فعلًا في المسجد الأقصى، حاخامات يدخلون الأقصى وبملابسهم وبأدواتهم الدينية ويقيمون الصلاة، لماذا لم تضع السلطة شرطًا لاستمرار المفاوضات وقف هذا التدنيس؟

المناطق باللون الأبيض يطالب الصهاينة بضمها إلى الكيان
المثال الثالث: يحصل فعلًا فالصهاينة يتكلمون عن اقتطاع أراضٍ من الضفة الغربية بحجج مختلفة: هذه كتلة استيطانية وتلك منطقة حدودية، والسلطة توافق على ذلك وفقط الخلاف على نسبة الاقتطاع.

المثال الرابع: يحصل فعلًا، فهل تذكرون طلب انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة؟ لقد اكتفت السلطة بالعضوية غير العضو (هكذا اسمها)، ولم تكمل الانضمام إلى باقي المؤسسات الدولية، ولم ترفع قضية ضد الاحتلال بسبب جرائمه العديدة التي ارتكبت من وقتها، بل سحبت شكوى مقدمة ضده في منظمة اليونسكو تتعلق بتجاوزاته في المسجد الأقصى، وذلك مقابل وعد صهيوني بالسماح لوفد دولي بزيارة الأقصى، وعندما جاء الوفد منعه الصهاينة من الدخول بحجة أنه "وفد مسيس".

هل تعلمون لماذا جمد كل شيء بعد الدولة غير العضو؟ لأن السلطة وعدت أمريكا بأن لا تنضم لمؤسسات جديدة ولأن السلطة وعدت أمريكا بعدم مقاضاة الاحتلال أو تقديم شكاوى ضده، ومقابل ماذا؟ مقابل أن تجلس لفني مع صائب عريقات للدردشة وطق الحنك (المفاوضات).

المفاوضات التي تجري ليست مجرد دردشة بل يتم تحت ستارها تضييع حقوقنا المسلوبة، وتسهيل سلب ما تبقى لنا من أرض ووطن، يلف حول رقبتنا حبل المشنقة، وسلطتنا تقدم التسهيلات للمحتل باسمنا، ونحن؟ نسكت باستثناء بيانات واحتجاجات لبعض التنظيمات والفصائل.

وماذا بعد؟

إن ما يحصل يمس حياة كل منا، يمس أهل غزة الذين يخنقون بالحصار المشدد، ويمس أهل الضفة الذي يطردون تدريجيًا من أرضهم ويحشرون في علب سردين تسمى مدن، ويمس اللاجئين في الخارج الذين يتنقلون بين الدول العربية كالأيتام على موائد اللئام.

في سوريا يذبحون وإن ذهبوا إلى لبنان علا الصراخ والعويل من ذلك اللاجئ المسكين الذي تلقى العلاج في مستشفى لبناني فأرهق ميزانية الدولة، وإن ذهبوا إلى مصر أطلق النار عليهم وعوملوا كالمجرمين، وفي الأردن يعاملهم النظام كمواطنين من الدرجة الثانية، وفي دول الخليج يعاملون كأجانب من الدرجة العاشرة بعد المئة.

والمفاوضات التي يجريها صائب عريقات وسيده محمود عباس تهدف لتأبيد حياة الذل والمهانة هذه، فهل تقبلون؟ لماذا لا تتحركون؟

إن كان ماضيكم لا يهمكم كثيرًا أو تعتبرونه ترفًا لا يوازي البحث عن لقمة العيش، فماذا عن حاضركم ومستقبلكم في ظل مفالمفاوضات تستهدف دينكم، وتستهدف وطنكم، وتستهدف أيضًا لقمة عيشكم وكرامتكم كأشخاص وأفراد، فما الذي تخافون عليه؟

ليست هناك تعليقات: