الخميس، 17 أكتوبر 2013

فيديو وتعليق: موقف تشومسكي من الانقلاب في مصر





كنت قد قرأت خلال الشهور الثلاثة الماضية عدة مقولات وكتابات منسوبة للمفكر الأمريكي نوعام تشومسكي تدين الانقلاب ضد مرسي، وقبلها قرأت كلامًا له عن سبب عداء الإمارات لمصر تحت قيادة مرسي، إلا أني لم أهتدِ للمصدر الأصلي للكلام، كما أن صياغة بعض هذه العبارات والمقالات بلغة هي أقرب للغة الإسلاميين والإخوان منها للغة مفكر يساري غربي، مما جعلني أشك بصحة نسبة بعضها إليه (أو حتى أغلبها)، خاصة وأن البعض كان ينفي أنها له.

إلى أن توفرت لدي محاضرة ألقاها تشومسكي مؤخرًا في جامعة MIT بمدينة بوسطن الأمريكية قبل أيام في ندوة عقدت لتناول الوضع في مصر بعد ثورة 25 يناير وانقلاب 30 يونيو، وأذيعت على الجزيرة مباشر، ونقلت الجزيرة أهم تصريحاته في الندوة (ومدتها ساعة ونصف تقريبًا) في نشراتها الإخبارية، وهي لا تختلف جوهريًا عن ما قرأته سابقًا منسوبًا له، من حيث وصف ما حصل في مصر بالانقلاب ورفضه لأسلوب الانقلاب من أجل فرض القيم الليبرالية.


ولا تكمن أهمية محاضرة وتصريحات تشومسكي في تحليله وطرحه الفكري، فمثلما قال في بداية الندوة فهو لا يزعم أنه يمتلك فهمًا عميقًا لما حصل في مصر، وإنما يريد أن يبدأ "حوارًا حول ما حصل في مصر."
 
إلا أن أهمية كلامه تكمن في شخصه وما يمثله من تيار فكري، ورغم أنه أمريكي من أصول يهودية فبكل تأكيد هو ليس جزءًا من مؤامرة صهيونية أمريكية لدعم الإخوان، كما يحلو لمؤيدي الانقلاب وصف كل صوت يخالفهم، ذلك لأن تشومسكي هو أحد الأصوات المعادية للنظام الأمريكي وللاستعمار الأمريكي وناقد شرس للكيان الصهيوني وعنصريته.

تشومسكي هو مفكر يساري ليبرالي يحمل فكرًا قريبًا جدًا لفكر اليسار العربي والتيار الليبرالي العلماني في العالم العربي، وهو يعتبر مرجعية فكرية للكثير من اليساريين والليبراليين العرب، وربما هنالك بعض المحبين لكتاباته بين القوميين والإسلاميين وخاصة ما يدين بها الاحتلال الصهيوني والاستعمار الأمريكي لكنه لا يعتبر قدوة أو مرجعًا فكريًا لهم.

 وقد أشار في بداية الندوة إلى تردده بالقدوم نظرًا لأنه يعارض الكثير من أصدقائه في مصر (ويقصد المفكرين والمنظرين الليبراليين واليساريين) والذين يحترمهم وكان يقدر آراءهم، فنحن نتكلم عن رجل ينتقد جماعته ويشير إلى خطئهم، وهذه نقطة تحسب له وقد تكلمت في مقال بعنوان نوعام تشومسكي: لماذا زار غزة ولم يزر الضفة؟ عن مبدئيته وتمسكه بما يراه صوابًا رغمًا عن أي حسابات أخرى.


تكلم الرجل عن رفضه للانقلاب ونصح أصدقاءه اليساريين والليبراليين المصريين بأن يتوقفوا عن دعم الانقلاب وأن يتوقفوا عن محاولة إقناع العالم بأنه ليس انقلابًا، وأن لا ينتظروا من العسكر أن يقيم نظامًا ديموقراطيًا علمانيًا (وهو ما يريده هو وأصدقاؤه المصريين)، وأضاف أن العسكر لن يقيموا مثل هذا النظام بل سيكون نظامًا عسكريًا يسعى فيه الجنرالات من أجل الحفاظ على شبكة مصالحهم المادية.

وخلال الندوة نجده حريصًا على تقديم الليبرالية والعلمانية كبديل في وجه العسكر والإخوان معًا، فهو ليس متحيزًا للإخوان مع ذلك فقد كان منصفًا ومتوازنًا بالطرح، فمثلًا قال أنه حتى لو لم يرتكب مرسي أخطاء فقد كان الأمريكان سيرتبون انقلابًا ضده، كما أشار إلى أن قسمًا من "القمع" الذي كان يحصل في عهد مرسي كان يأتي من جانب العسكر، وأن الغرب لا يريد ديموقراطية حقيقية في مصر، فنتكلم عن تقييم موضوعي، لكن طبعًا ليس محايدًا كونه ينحاز للمشروع الليبرالي واليساري، وقد أوضح أن طروحات ما يسمى بالتيار الثالث تروق له لكنه ليس متأكدًا من قدرته على النجاح في مصر.

تشومسكي يقدم نصائح لليسار والتيار العلماني وهذا يدل على مدى الأزمة التي يعيشها هذا التيار في مصر، ويقول لهم لو استمررتم بدعم العسكر فسيأتي دور القمع عليكم، ولا شك أن مثل هذا التقييم يمثل زعزعة في أحد ركني الانقلاب، تاركًا الركن الآخر (الفلول) يواجه الشعب في الشوارع، وهذا لمسناه منذ استقالة البرادعي والتململ المتزايد داخل المكونات الليبرالية في جبهة الإنقاذ.

هل سنرى استجابة واسعة النطاق لنصائح تشومسكي داخل التيار العلماني واليسار في مصر؟ ربما مع ازدياد الضغط الشعبي سنجد عددًا أكبر يتقبلون مثل هذه النصائح لكن وضعهم معقد للغاية، فبدون الانقلاب لا وزن لهم بالشارع ودعمهم السابق له سيكون له ثمنه الباهظ، ولو بقوا مع الانقلاب وفشل ستكون خسارة مدوية لهم، ولو نجح الانقلاب فسيقوم الفلول والعسكر بإقصائهم وتهميشهم.

فالمعادلة المطروحة أمام اليسار المصري والتيار العلماني الليبرالي صعبة للغاية وقد حشروا أنفسهم في موقع لا يحسدون عليه، ولا أظن أن نصائح تشومسكي ستفيدهم بقدر ما تثبط معنوياتهم وتزيد من معنويات مؤيدي الشرعية.

ليست هناك تعليقات: