الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

‫حماس وتغيير أساليب المقاومة




سمع أغلبنا خالد مشعل يتحدث قبل حوالي العام عن ضرورة انتهاج المقاومة الشعبية، ومن قبلها تحدث عام 2005م عن انتهاج حركته سياسة جديدة لا تقوم فقط على المقاومة المسلحة، كما كرر اليوم التأكيد على ضرورة إطلاق المواجهة الشعبية مع الاحتلال.

طبعًا هنالك أشباه المحللين والكتاب الذين يحلو لهم في كل مرة اختلاق تفسيرات بلهاء لتصريحات مشعل، ويهيم خيال أكثرهم في "لعبة الأمم" و"صراع المحاور" وعقد مقارنات سطحية تشبه حماس بفتح، وأنها بدأت مسلسل التنازل لتصل في عامين ما وصلت إليه فتح في عشرين عامًا (من تنازلات)، أو أن ما قيل يأتي في سياق صراع المحور القطري الأمريكي مع المحور الإيراني السوري.

طبعًا كل ذلك لا يستحق وصفه بأكثر من الهراء المكعب المسلوق بمرقة الضحالة المعرفية، فحماس ليست مختزلة بخالد مشعل وليست مجرد تصريحات صحفية، فثقلها وعملها داخل فلسطين، وخالد مشعل والمكتب السياسي يعملون كواجهة للحركة في الخارج وكغرفة قيادة وتحكم لتنسيق العمل، وليس لفرض الأجندات التي يحلم بها أشباه المحللين سابقي الذكر.

خلفية تاريخية:

ولسنوات طويلة كان يعاب على حماس اكتفاءها بالعمل المقاوم المسلح، وبعد أن دخلت ميدان العمل الخيري منذ أواخر السبعينات والثمانينات، انخرطت بشكل كبير في المقاومة الشعبية بالانتفاضة الأولى، وكان لها جهاز كامل متخصص بالمقاومة الشعبية يعرف بالسواعد الرامية، كما حرصت على التطوير والتوسع نحو العمل المسلح.
 
بعد تأسيس السلطة الفلسطينية تضاءل نشاطها الجماهيري إلى درجة كبيرة، واستفرد الجناح المسلح بالاهتمام داخل الحركة وفي محيطها، كما كان القسام قاطرة فصائل المقاومة المسلحة في فلسطين، ولطالما رسم الخط المقاوم المسلح منذ اتفاقية أوسلو حتى يومنا هذا.

أما الكتل الإسلامية فقد كانت حاضنة للعمل الحركي الإسلامي كما كانت السلم الذي يرتقي منه الطالب إلى العمل العسكري والقسام وخصوصًا في فترة انتفاضة الأقصى (ولهذا السبب يتشدد الاحتلال بأحكام السجن على نشطاء الكتلة الإسلامية).

ووصلنا مرحلة خلال انتفاضة الأقصى ولأسباب عديدة أن الدور النضالي للكتلة الإسلامية تقلص إلى حد كبير، وخصوصًا بعد الانقسام عام 2007م، مع عودة خجولة للنشاط في العامين الأخيرين.

كانت نتيجة انتفاضة الأقصى انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من غزة، وانكسار شوكة المقاومة في الضفة وتفكيك أغلب الجهاز العسكري لفصائل المقاومة كافة بما فيها كتائب القسام؛ لقد وصلت المقاومة المسلحة إلى أقصى طاقتها بمحاربة الاحتلال في ظل الموازين الحالية.

معضلة حماس:

رغم أن كلام مشعل وغيره من قادة الحركة فسر أكثر من مرة على أنه تخلي عن العمل المسلح، كما فسر خوض حماس للانتخابات على أنه تخلي عن فلسطين وجري خلف الكراسي، إلا أن حماس خطفت خلال تلك الفترة شاليط وأخرجت مقابله الأسرى، وخاضت حربين ضد الكيان الصهيوني، ونفذت عمليات عدة ضد الكيان الصهيوني، مما ينسف هذه الطروحات من أساسها.

مع ذلك فإن حماس بوصفها قاطرة للعمل المقاوم الفلسطيني وجدت نفسها أمام معضلة مركبة، فقوتها العسكرية في قطاع غزة رغم تعاظمها في السنوات الماضية إلا أنها بالكاد تكفي للحفاظ على استقلال غزة المنقوص، وخاضت الحرب الثانية وحققت بعض الإنجازات البسيطة مثل إلغاء المنطقة الأمنية والحد من حجم عمليات التوغل في القطاع، لكن ليس أكثر من ذلك.

من الظلم مطالبة القسام خوض حرب من أجل تحرير الضفة انطلاقًا من غزة، فالفجوة في العدد والعدة بين المقاومة في غزة والاحتلال الصهيوني ما زالت هائلة جدًا، ورغم التطور المتسارع في قدرات القسام فالاحتلال يطور سلاحه وتكتيكاته أيضًا.

على سبيل المثال بينما ما زالت حماس عاجزة عن تحييد سلاح جو الصهاينة، يسعى الاحتلال لامتلاك طائرات أف 35 الأمريكية، وهي ما زالت قيد التطوير لكن متى دخلت الخدمة فستجعل طائرات أف 15 وأف 16 تبدو مثل الطائرات الورقية مقارنة بها، ومقاومة غزة ما زالت عاجزة حتى اليوم عن إسقاط تلك الطائرات!

قدرة غزة على العطاء في ميدان المقاومة وصلت لأقصى حدودها، فما العمل؟ الجهاز العسكري بالضفة ضرب، وهنالك السلطة والاحتلال يسعيان بشكل حثيث لمنع إعادة بنائه، والوضع العربي ما زال غير مستقر، ومن المستبعد على المدى المنظور أن يكون له دور عسكري لتحرير فلسطين أو المساعدة بشكل فاعل في ذلك.

العودة للمقاومة الشعبية لا يستسيغها الكثيرون رغم انعدام البدائل

الجانب الآخر هو أن المقاومة حصرت في أذهان الناس منذ زمن في المقاومة المسلحة، لذا يستصعب الكثيرون فكرة العودة إلى الحجر والزجاجة الحارقة، ومرة أخرى ما العمل؟

وإذا أضفنا لما سبق سؤال هل جميع أبناء حماس انخرط في القسام؟ الكثيرون وجدوا أنفسهم خارجه إما لأنهم لا يتحملون ثمن الانضمام له (من سجن وقتل ومطاردة وحرمان من السفر)، أو لأنهم لا يصلحون للعمل لمرض أو عمر أو افتقار للمؤهلات، أو لأنه ببساطة لم يهتدوا إلى من يجندهم.

وإذا كانت غاية حماس تحرير فلسطين، وإذا كان استيعاب جميع أبناء الحركة في جهازها العسكري أمرًا مستحيلًا في الواقع الحالي وخاصة في الضفة،  فما سيكون دورهم؟ هل هو الاكتفاء بالدعاء؟

في ظل ما سبق وجدت حماس نفسها أمام قدرة عسكرية وصلت طاقتها القصوى، وطاقة بشرية كبيرة غير مستغلة، وشعبية طاغية للحركة داخل وخارج فلسطين توفر إمكانيات إضافية (لكن ليس في المجال العسكري).

المقاومة الشعبية:

من هنا جاءت فكرة البحث عن أشكال رديفة للعمل المقاوم المسلح، وتنويع أشكال المقاومة ضد الاحتلال، ولهذا كان مشعل يردد منذ بضع سنوات ضرورة تفعيل المقاومة الشعبية، كما وجدنا موسى أبو مرزوق يصرح بأن الضفة بحاجة إلى تمرد على الاحتلال الصهيوني.

يهدف هذا التنويع في العمل المقاوم إدامة استنزاف الاحتلال الصهيوني ولو بالحد الأدنى، وتهيئة الأرضية لانطلاق مقاومة مسلحة متى حانت الفرصة لذلك، وتهيئة أرضية من أجل تجنيد المحيط العربي من أجل حرب إعلامية وديبلوماسية واقتصادية ضد الاحتلال الصهيوني، وهذا غير ممكن لو كانت الأمور هادئة وسمن على عسل في الضفة الغربية.

ومثلما ذكرنا سابقًا فقطاع غزة لا يستطيع خوض مواجهة مثمرة لوحدها؛ لا تستطيع ضرب صواريخ ردًا على انتهاك حرمة الأقصى فيما شباب القدس والضفة نائمين، ولا تستطيع ضرب الصواريخ ردًا على توسع الاستيطان فيما أهل الضفة لا يبدون أي غضب أو قلق.

مشكلة الحراك الشعبي والمقاومة الشعبية أنها لا تنطلق بسهولة، والوضع النفسي في الضفة الغربية منذ نهاية انتفاضة الأقصى لا يساعد على ذلك، خاصة بين الجيل الذي تجاوز عمره خمس وعشرين عامًا (الذي شهد اجتياحات عام 2002م وما زالت مطبوعة في وعيه).

كما أن غالبية أبناء حماس في الضفة يعيشون هزيمة نفسية منذ الانقسام، ومقتنعين أنه لا جدوى من أي شيء في ظل الهجمة المزدوجة للاحتلال والسلطة، ويضاف إلى ذلك الحواجز النفسية لدى أبناء حركة فتح من التجاوب مع أي دعوة لها "رائحة حمساوية".

هذه الحواجز المختلفة بدأت بالتخلخل بعد حرب غزة الثانية أواخر العام الماضي لكن ما زال أمامها شوطًا حتى نرى انهيارها، وقيادة حماس بدأت في الفترة الأخيرة بمحاولات عملية لكسرها وهزها بقوة، مثلما فعل خالد مشعل عندما ظهر (بعد طول غياب) ليتكلم عن الأخطار التي تواجه المسجد الأقصى، مما ساهم إيجابيًا (ولو بشكل ضئيل) في إعطاء "جمعة الأقصى" دفعة إلى الأمام.

كما لخصت كلمة مشعل اليوم استراتيجية الحركة في المرحلة القادمة من خلال: بناء قدرة عسكرية حقيقية، وإشعال المواجهة الشعبية، وكله تحت عنوان "تحرير القدس".

حملة من حقي أن أصلي في الأٌقصى:


كما نرى حملة "من حقي أن أصلي في الأقصى" والتي يقوم عليها مجموعة من قادة حماس في رام الله (جمال الطويل، وحسين أبو كويك، وفرج رمانة)، والتي تسعى لإعادة إحياء العمل الجماهيري من خلال وقفات احتجاجية في رام الله أيام الجمع.

هذه الخطوة محاولة لترجمة لسياسة الحركة التي طرحها مشعل وأبو مرزوق، وتصدر هذه القيادات للمشهد كانت خطوة ذكية من جانبهم، لأن هنالك قسم كبير من شباب الحركة يرفض التجاوب مع الدعوات الشبابية بحجة أنه يريد "دعوة رسمية من الحركة"، وهنالك قسم آخر يرفض التجاوب مع دعوات مشعل أو غزة بحجة أنهم لا يعيشون وضع الضفة ولا يدركون حقيقة العقبات، فجائتهم دعوة من قيادة الحركة في الضفة وقدمت لهم قدوة عملية ونزلت إلى الميدان.

النتيجة لن تكون فورية فتغيير النفوس فن صعب ويحتاج لصبر وطول نفس، كما أن الحملة تواجه معيقات إضافة لقلة تفاعل أبناء الحركة معها، مثل حساسية الفصائل من مشاركة حماس ومثل رفض السلطة لأي حراك شعبي حقيقي على الأرض، وقيام أجهزتها الأمنية بالتضييق على نشاطات الحملة مثل مصادرة ملصقاتها ومنعها من الخروج في مسيرات وما إلى ذلك.

كما تسعى الحركة للدفع قدمًا بالمواجهات بين شباب الضفة وقوات الاحتلال، وهذه معضلة أكثر تعقيدًا مما سبق، خاصة أن قطاع كبير من هؤلاء الشبان ليسوا من حماس، ولا يقبلون اتباع أوامرها.

ورغم كل المعيقات التي سبق ذكرها إلا أننا نسجل سعي عملي لحركة حماس من أجل تغيير المعادلة على الأرض والتغلب على عوائق وظروف قاهرة، وقد حققت بعض النجاح المحدود لحد الآن، قد يتطور إلى قفزة بالعمل المقاوم لو أحسنت إدارة الملف.

ليست هناك تعليقات: