السبت، 9 نوفمبر 2013

مخطط مشترك بين الاحتلال والسلطة من أجل ضرب القدس



علاقة وطيدة تتجاوز الابتسامات


شكلت محافظة القدس (المدينة والضواحي) مصدر إزعاج أمني للاحتلال الصهيوني في السنوات الثلاث الأخيرة، بل وبدأ التوتر الأمني ينتقل إلى الضفة وقد رأينا ذلك من خلال العمليات المختلفة في الأسابيع الستة الأخيرة، والتي كان آخرها عمليتي حاجزي زعترة والكونتينر ليلة الخميس، ومهاجمة سيارة مستوطنين بزجاجة حارقة صباح الجمعة في منطقة مستوطنات غوش عصيون قرب بلدة تقوع.

سيارة المستوطنين التي أحرقت صباح الجمعة وثلاث إصابات في صفوفهم

وكان المسجد الأقصى والدفاع عنه بؤرة هذا التصعيد الذي انطلق من داخل المسجد الأقصى والبلدة القديمة وأحياء سلوان والعيسوية، ثم انتقل إلى راس العامود ومخيم شعفاط وبعدها إلى الضواحي مثل الرام والعيزرية وأبو ديس.

وبدا واضحًا أن حماس كانت تحرض وتشجع على تصاعد هذه الموجة من المقاومة بل قامت بالإعلان عن حملة في الضفة انطلاقًا من رام الله باسم "من حقي أن أصلي في الأقصى"، وكان خطابي هنية وخالد مشعل يدفعان بقوة بهذا الاتجاه مما يوحي بوجود مخطط لدى الحركة من أجل إشعال الأرض تحت أقدام الصهاينة في الضفة الغربية انطلاقًا من مدينة القدس وضواحيها.
 
في ضوء ما سبق يجب أن نفهم حدثين حصلا خلال الأيام الماضية: حملة اعتقالات واسعة ضد نشطاء شباب في القدس (وخاصة من أبناء الحركة الإسلامية)، وانتشار السلطة أمنيًا في ضواحي القدس ابتداء من بلدة الرام، وقد سبق ذلك اعتقال الاحتلال قادة حماس الثلاثة في رام الله (جمال الطويل وحسين أبو كويك وفرج رمانة) من أجل ضرب حملة "من حقي أن أصلي في الأقصى".

الحملة الأمنية الصهيونية في القدس:

لا شك أن دور شباب مسجد الأقصى في التصدي للاعتداءات عليه، ودورهم في التحريض ضد الاحتلال الصهيوني سواء داخل القدس أو في الضفة أو على مستوى فلسطين والعالم العربي بشكل عام، يزعج الاحتلال ويشكل أكبر عائق أمام مخططهم لتهويد الأقصى وتحويل جزء منه إلى كنيس يهودي.

وعليه جاءت حملتهم الأمنية يومي الأربعاء والخميس الماضيين من خلال اعتقال أكثر من ثلاثين ناشطًا؛ قسم كبير منهم أصحاب صفحات على الفيسبوك تبرز الأخطار التي تواجه الأقصى ويقومون بنشر صور اليهود وهم يؤدون صلوات يهودية داخل الأقصى، وغالبيتهم من أبناء الحركة الإسلامية.


مداهمة المقر الرئيسي لمؤسسة عمارة الأقصى

كما قاموا بإغلاق مؤسسة تنمية القدس في بيت حنينا وداهموا المقر الرئيسي لمؤسسة عمارة الأقصى والتي تعتبر رأس الحربة في مواجهة مخطط تهويد الأقصى وصادروا أوراق ومعدات منها، وهي خطوة عادة تسبق قرار الإغلاق.

تهدف هذه الحملة إلى خنق المحور المحرك للشارع في القدس، أو بكلام الاحتلال "المحرضين"، فأغلب من اعتقلوا وجهت لهم تهمة التحريض والمؤسسات تهمتها التحريض سواء من خلال وسائلها الإعلامية أو النشاطات التي تنظمها، وتأتي لتوازي حملة مستمرة منذ زمن ضد راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة في كافة أحياء القدس، فهي تأتي لتجفيف منبع "التحريض".

إلا أن ضواحي القدس والتي يعتبرها الاحتلال جزءًا من الضفة الغربية بقيت خارج المنظومة الأمنية الصهيونية فالكثافة السكانية العالية في هذه المناطق وعدم قدرة الاحتلال على إرسال قوات أمنية للتواجد فيها بشكل دائم، وانعدام تواجد قوي للسلطة الفلسطينية حولها إلى ثغرة في المنظومة الأمنية الصهيونية.

فتح فجوة بالجدار عند أبو ديس: معضلة أمنية للاحتلال
ففي ضواحي القدس لا يوجد سلطة فعلية تسيطر على الوضع مما أدى لازدهار تجارة السلاح غير المرخص، والذي رغم أن أغلبه لا يستخدم في مقاومة الاحتلال إلا أن الاحتلال لا يخاطر بشيء، والأهم من ذلك هو تحول ضواحي القدس وتحديدًا العيزرية وأبو ديس وعناتا ومخيم قلنديا إلى مناطق توتر دائم ومواجهات بين شباب هذه المناطق وقوات الاحتلال، بل وتم إحداث فجوات في الجدار العنصري بمنطقة أبو ديس والعيزرية أكثر من مرة.

انتشار السلطة الأمني في ضواحي القدس:

في ظل تعطل المفاوضات بين السلطة والاحتلال، وفي ظل وجود حكومة صهيونية متعنتة وسلطة مستسلمة ومنقادة لها، فإن آخر شيء يمكن توقعه هو "موافقة" الاحتلال على انتشار السلطة الأمني في منطقة ضواحي القدس.

انتشار الأجهزة في الرام ضمن منظومة التنسيق الأمني
ولما جاء الانتشار بشكل مفاجئ وخارج إطار المفاوضات وبدون اتفاق رسمي ومعلن، فهذا معناه شيء واحد: أنه جزء من منظومة التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة، فنجاح السلطة بقمع روح المقاومة في الضفة الغربية خلال السنوات الماضية شجع حكومة الاحتلال لتستفيد من خدماتها في ضواحي القدس لكي تكمل إحكام الخناق على المدينة المقدسة.

فجاء قرار إخلاء معسكر الرام وهو يقع وسط ثلاث مناطق فلسطينية مكتظة بالسكان: الرام ومخيم قلنديا وجبع، ويقع على بعد أقل من كيلومترين منه حاجزي قلنديا وجبع، فلا دور عسكري حقيقي له، بل أصبح في الآونة الأخيرة هدفًا لشبان الرام الغاضبين والذين كانوا يرشقوه بالحجارة بين الحين والآخر، كما تمت مهاجمة أحد حراسه وضربه وأخذ سلاحه قبل بضعة أشهر، وأخيرًا كانت عملية الشهيد يونس الردايدة الذي هاجم المعسكر بجرافة قبل أقل من ثلاثة أسابيع.

عملية الجرافة في معسكر الرام
وبعده جاء انتشار السلطة المفاجئ في الرام كبداية لعملية الانتشار في الضواحي، ولو لاحظنا التوقيت أنه جاء يوم الخميس في ذروة الحملة الأمنية الصهيونية ضد المؤسسات والنشطاء داخل القدس، لرأينا أن الأمر ليس بصدفة بل تدشين لحملة أمنية مشتركة تهدف على المدى البعيد إلى خنق العمل الوطني داخل القدس وفي ضواحيها، وهنالك هدف آخر للاحتلال تحققه السلطة وهو خنق هذه المناطق اقتصاديًا.

هذه الحملات الأمنية المشتركة لا يتم الإعلان عنها في النشرات الإخبارية إلا أننا لسنا بحاجة إلى تسريبات ويكيليكس لنراها، فحماس والحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر يعملان منذ فترة على تسخين الوضع في القدس خصوصًا والضفة عمومًا، والاحتلال لن يقف متفرجًا أمام هذا الواقع، كما أن مسلسل التنسيق الأمني واهتمامات السلطة واضحة للعيان.

الخنق الاقتصادي:

السلطة عندها أولوية الأمن، وليس المقصود أمن المواطن طبعًا ولا حتى أمنها هي، بل أمن الاحتلال، ومن أجل ذلك تمارس أقسى أدوات الرقابة الداخلية في المجتمع الفلسطيني ليس لملاحقة نشاطات حماس والمقاومة فحسب بل أيضًا التضييق على النشاطات الاقتصادية بحجة منع تحويل الأموال إلى حماس (أو ما تسميه غسيل الأموال)، فضلًا عن التدخل بعملية التوظيف في المؤسسات العامة والأهلية والخاصة بحجة الفحص الأمني.

وهذا يؤدي إلى موت الحياة الاقتصادية وتنفير المغتربين أصحاب رؤوس الأموال من الاستثمار في الضفة عندما يرون شروطًا تعجيزية للاستثمار تحت مسمى الأمن، ومؤسسات حكومية فاسدة يجب رشوة القائمين عليها وإعطاؤهم نصيبهم من أجل "تسليك الوضع".

وهذا ما قصدته أعلاه من الهدف الآخر للانتشار الأمني في ضواحي القدس؛ فهذه المنطقة يأتي الكثير من أهل الضفة للعيش فيها رغم كثافتها السكانية العالية وضعف بنيتها التحتية بسبب وجود فرص اقتصادية فيها، والآن تحت ستار مكافحة غسيل الأموال والتشييك الأمني ستتم ملاحقة كل أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع الصغيرة والكبيرة، وملاحقة العديد من الشبان في وظائفهم، وعندما تموت هذه الفرص الاقتصادية بعد بضع سنوات من إحكام السلطة للسيطرة عليها فسيتركونها ويعودون إلى قراهم ومدنهم التي أتوا منها.

خطة استراتيجية:



أمن السلطة يمنع رشق جنود الاحتلال بالحجارة عند مفرق الرام
في اليوم الثاني للانتشار

ما ذكرته ليس خطة آنية وليس المقصود منها اعتقال بضعة مطلوبين للاحتلال أو السلطة، بل هي خطة استراتيجية بعيدة المدى ولن نرى آثارها المباشرة فورًا (وعلى الأخص الجانب المتعلق بانتشار السلطة الأمني) حيث ستحتاج السلطة لعدة أشهر كي توطد نفسها في هذه المناطق وستركز نشاطها على المطلوبين جنائيًا وتنظيم حركة المرور قبل أن تنطلق ماكنتها الأمنية لنزع فتيل المواجهات مع الاحتلال، مع ذلك بدأت منذ اليوم الأول بمنع رشق الحجارة على الجنود الصهاينة عند مدخل الرام.
 

هي خطة تجري بهدوء وبعيدًا عن أضواء الإعلام لأن المطلوب هو نزع فتيل الانتفاضة الثالثة وأي كلام عن تنسيق أمني بين السلطة والاحتلال في هكذا قضية سيؤدي إلى العكس تمامًا، لذا نلمس حرصًا من جانب السلطة والاحتلال على عدم التعقيب على عملية الانتشار وأكثر من ذلك نرى تنسيقًا بين الجانبين من أجل التشكيك والتقليل من أهمية أي حدث مقاوم يحصل في الضفة، والمتتبع للصحافة المؤيدة للسلطة يجد أنها تشكك في كل عملية حصلت خلال الأسابيع الستة الماضية سواء في ضواحي القدس أو الضفة عمومًا.

تأتي هذه الحملة الأمنية المنسقة في ظل حقيقة أن بوادر الانفجار بدأت بالتسرب إلى الضفة وبشكل غير معتاد من خلال "انتفاضة الأفراد"؛ أشخاص يقررون بأنفسهم تنفيذ عمليات ضد الاحتلال بعيدًا عن التنظيمات وبعيدًا أيضًا عن المظاهرات والمواجهات التقليدية، بعضهم ينجح في مبتغاه وآخرون تنقصهم الخبرة اللازمة.

فهل يستدرك الصهاينة ومن يعمل لصالحهم (السلطة) الأمر وينزعوا فتيل الانفجار قبل وقوعه؟ أم أن التطورات قد فاتتهم؟ ربما نجد في مواجهات مخيم بلاطة حول مقام يوسف بين أجهزة السلطة الأمنية والشبان الذين كانوا يحتجون على حراسة هذه الأجهزة لمستوطنين يهود يأتون للصلاة فيه، وفي تداعيات الحملة الأمنية على مخيم جنين، جوابًا بأن مهمة السلطة ليست سهلة هذه المرة، و"مش كل مرة بتسلم الجرة".

هناك تعليقان (2):

مدونة الكوثر يقول...

بارك الله فيكم على كل هذه الإفادات القيمة التي تفضلت بها أ.ياسين فقد زادتنا وعيا
النبي عليه الصلاة والسلام لم يتخوف علينا من كافر ولا من مسلم ، فهذا الاخير يحجزه إسلامه والكافر قد أذله الله ، لكن يخاف علينا من الذي يقول ما نقول ويفعل ماننكر، أدوات المحتل أنكى منه كما أدوات المستعمر ، يقوم بأية أعمال قذرة ليرضي بها أسياده ، ولو أسخط الله ، ولعياذ بالله
لذلك ستتطلب المواجهة في الضفة لجهد كبير ومضاعف لمقاومة المحتل وكذا أدواته ..

ياسين عز الدين يقول...

شكرًا على مرورك أختي الكريمة وبوركت.
كلامك صحيح والجاهل عدو النفس، والعمالة والتبعية للاستعمار أصلها يعود إلى الجهل.