الأحد، 15 ديسمبر 2013

في ذكرى انطلاقتها السادسة والعشرين: إعادة إطلاق مشروع حماس المقاوم في الضفة الغربية




عندما انطلقت حركة حماس قبل ستة وعشرين عامًا، كذراع مجاهد لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين كان مشروعها المركزي (وما زال) هو تحرير فلسطين، وهدفها النهائي هو إزالة الكيان الصهيوني وعودة فلسطين إلى حضنها العربي والإسلامي وعودة اللاجئين إلى أرضهم التي هجروا منها.

ونظرًا إلى القوة الهائلة التي تمتع بها الكيان الصهيوني منذ نشأته وحصوله على الدعم غير المحدود من الغرب (بريطانيا ثم أمريكا)، وفشل المحيط العربي المزمن في محاربة الكيان إلى درجة التسليم بالأمر الواقع وقبول الكيان ليس فقط لدى العرب بل أيضًا لدى منظمة التحرير التي جنحت إلى تسوّل المفاوضات مع الكيان منذ السبيعنات، كان سقف حركة حماس مرتفعًا بحيث كان من غير الممكن تحقيقه أو إنجازه لا على المدى القصير ولا المتوسط.

وبعد خسارة المقاومة الفلسطينية مواقعها في الأردن ولبنان، وإغلاق الحدود المصرية والسورية من الأًصل أمامها، وتورط المنظمة في صراعات الدول العربية، حصل انتقال وتغير في العقل الجمعي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل حركة الإخوان المسلمين أواسط الثمانينات، بحيث سادت قناعة أنه لا يمكن انتظار قدوم صلاح الدين من خارج فلسطين لأنه كلما مر الزمن كلما أغلقت نافذة جديدة وازداد الاستيطان الصهيوني تجذرًا بالأرض.

انطلاقة حماس ومشروعها المقاوم:

ونتج عن ذلك غليان تصاعد تدريجيًا منذ عام 1984م (تقريبًا) وانتهى باندلاع الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة، رافقه توجه داخل حركة الإخوان ابتدأ منذ عام 1981م تقريبًا مع تشكيل الخلايا العسكرية الأولى: أسرة الجهاد داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وتلاها عام 1983م خلية المجمع الإسلامي بقيادة الشيخ أحمد ياسين، بالإضافة لانخراط لأبناء الجماعة في الحراك الشعبي المقاوم للاحتلال، بحيث وصلت قناعة لدى قيادة الجماعة أنه يجب ترجمة هذا الزخم (داخل صفوف قاعدتها الشعبية خصوصًا وبين أبناء المجتمع الفلسطيني عمومًا) إلى عمل مقاوم منظم وفعال.

وضمن هذا التوجه العام لدى القيادة كان هنالك قرار رسمي بالتصعيد لدى المكتب الإداري للإخوان في الضفة والقطاع أواخر شهر تشرين ثاني 1987م، وترك التنفيذ إلى الظروف الميدانية بحيث عندما جاءت الانتفاضة بعد ذلك بأسبوعين كان الظرف مواتيًا وأعلن عن انطلاق حركة المقاومة الإسلامية حماس وصدور بيانها الأول في 14/12/1987م.

انطلقت حماس مع وجود قناعة مسبقة بأن هدفها الاستراتيجي الأول أكبر من أن يمكن تحقيقه في جولة واحدة، وكان هنالك استعداد تام لدفع الثمن المطلوب مهما كان مرتفعًا ومكلفًا، وبدأت الحركة بناء قدراتها المقاومة من الصفر: انطلاقًا من الحجر والزجاجة الحارقة.

اتفاقية أوسلو والحفاظ على زخم المقاومة:

وأدى استعجال منظمة التحرير في قطاف نتائج الانتفاضة، وانفرادها بصفقة أوسلو مع الاحتلال الصهيوني بدون أي إجماع فصائلي أو حتى طرح الاتفاقية على الاستفتاء الشعبي، وانخراطها لاحقًا في مشروع أمني-سياسي مع الكيان الصهيوني، إلى إعاقة مشروع حماس المقاوم وإلى وضع القضية الفلسطينية برمتها في مهب الريح.

كان هدف حركة حماس في مرحلة ما بعد أوسلو هو الحفاظ على القضية الفلسطينية من التصفية ووأدها تحت مشروع دويلة وهمية لا وجود لها، وعندما تكشف الوهم واندلعت انتفاضة الأقصى وانسحب الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة عام 2005م، اعتبر نجاحًا لحركة حماس التي لم تؤمن بهذا المشروع ابتداءً، إلا ذلك لم يقنع حركة فتح ولا قيادة السلطة.

انتكاسة حماس في الضفة:

وعندما حاولت حماس الاحتكام لصندوق الانتخاب عام 2006م تبين أن حسم شرعية المقاومة من عدمها عن طريق الاقتراع لن يمرره الصهاينة ولا الأمريكان ولا الدول العربية بهذه السهولة، فكان ما عرف بالانقسام والأحداث التي رافقتها، واستطاعت حماس تثبيت مشروع المقاومة في قطاع غزة، بينما حافظ الصهاينة على سيطرتهم بمعية سلطة محمود عباس على الضفة.

ولا أريد هنا أن أقيم سبب فشل حماس وقتها في الضفة الغربية إلا بقدر ما نحتاجه لتقييم احتياجات الواقع لانطلاقها من جديد، فأجملها كالآتي:

أولًا: هنالك ضعف في البنية التنظيمية لحماس بأغلب مناطق الضفة باستثناء مناطق محدودة دون غيرها، صحيح كان هنالك تأييد كبير للحركة وما زال هذا التأييد موجود وبقوة (وخصوصًا بعد حرب عام 2012م وفشل عباس التفاوضي المزمن)، لكنه تأييد وتعاطف شعبي وليس نواة تنظيمية صلبة، بحيث أنّ أولاء المتعاطفين لا يملكون الإمكانية ولا القدرة ولا الرغبة في المضي لوحدهم بمشاريع مقاومة أو صدام مع السلطة، مما ترك النواة التنظيمية للحركة لوحدها في مواجهة فكي كماشة السلطة والاحتلال.

ثانيًا: لأسباب تاريخية وجيو-استراتيجية ركز الاحتلال الصهيوني اهتمامه على الضفة الغربية من الناحية الاستيطانية والعسكرية، فأقام معسكرات ذات طبيعية استراتيجية من بينها على سبيل المثال محطة رادرات في جبل تل العاصور شمال رام الله، والقادر على رصد حركة الطيران على بعد آلاف الكيلومترات شرقًا.

كما أقام منظومة استيطانية محكمة تجعل من مناطق الضفة الغربية أجزاء وكانتونات معزولة عن بعضها البعض، في المقابل بقي قطاع غزة أكثر تماسكًا (نسبيًا) مما أتاح للمقاومة أن تنظم وضعها في قطاع غزة بشكل أسهل نسبيًا، وللمقارنة كانت المستوطنات والمناطق العسكرية في قطاع غزة تحتل حوالي 35% (قبل الانسحاب الصهيوني)، في حين أنها تسيطر على أكثر من 65% من أراضي الضفة الغربية، من بينها غور الأردن الذي يقع أكثر من 95% منه إما تحت سيطرة المستوطنات أو المعسكرات التابعة للجيش، بحيث أنه فيما كان يفصل ممر صلاح الدين بمسافة بضعة مئات من الأمتار بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، فغور الأردن يفصل بمسافة 20 كيلومترًا تقريبًا بين الضفة والأردن.

مخيم جنين 2002م
ثالثًا: وبناء على ما سبق كان لدى شارون وقيادة الاحتلال قرار استراتيجي بتركيز جهودهم على الضفة الغربية وقمع المقاومة فيها وترك قطاع غزة لوقت لاحق، ولا شك أن حماس استفادت من هذه الفسحة الزمنية لتقوية وضعها في القطاع، لكن في المقابل نجح الصهاينة باجتياح الضفة وإعادة احتلالها عام 2002م، وبإعادة تشكيل السلطة وجعلها أكثر ارتباطًا بالمنظومة الأمنية الصهيونية وذلك بعد عام 2007م.

رابعًا: كان لانتقال الضفة من النقيض إلى النقيض من مشروع المقاومة قبل اجتياح 2002م إلى مشروع الانبطاح بعد عام 2007م، وتجربة انتفاضتين متتاليتين أرهقتا الشعب الفلسطيني بدون نتائج ملموسة على مستوى تحرير الأرض (الهدف الأساسي للشعب الفلسطيني)، أثرًا سلبيًا على نفسية المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية بحيث عاد لقناعته القديمة (أيام السبعينات وأواخر الستينات) بأن مشروع التحرير لن يأتي من داخل فلسطين، ولا أمل له سوى انتظار قدوم المخلص من خارج الضفة (سواء من غزة أو من المحيط العربي).

خامسًا: وفوق ذلك شعر أبناء حركة حماس سواء على مستوى المؤيدين أو النواة التنظيمية الصلبة، بأنهم تركوا عراة في ميدان المواجهة بعد أحداث عام 2007م (الحسم)، وتحت تأثير الدعاية الفتحاوية التي تكلمت عن مجازر هائلة قامت بها حماس في غزة ضد أنصار فتح ودخولها في ميدان المزادات بالنسبة لأرقام القتلى الذين قالت أنهم 200 ثم 700 ولا أدري أين انتهى المزاد، أصيب أبناء ومؤيدو حماس في الضفة بانهيار نفسي.

فقد شعروا بأن فتح ستنتقم منهم وستسوي حسابات غزة بالضفة، وأن الاحتلال سيقدم الغطاء اللازم لذلك، وبالتالي سلموا أمرهم واعتبروا أن الوضع قد انتهى وحسم، وما دام الأمر مستتبًا لحماس في غزة فسيبقى الأمر مستتبًا لفتح في الضفة (وكأنها مقايضة من نوع ما).

الأثر النفسي للاعتقال السياسي كان أكثر عمقًا من أثره المباشر

ورغم أن تلك الأجواء قد تلاشت مع مرور الأيام والحديث عن المصالحة ثم قدوم الربيع العربي، وحربي غزة الأولى والثانية، وانتهاءً بالغليان الشعبي الحالي في الضفة، وحملات رفض الاستجابة للاستدعاءات في الضفة، إلا أن آثار تلك الهزيمة السلبية ما زالت ملموسة وإن كان بشكل أقل حدة.

كل تلك العوامل أدت إلى نجاح المشروع الأمني المشترك بين السلطة والاحتلال في ضرب مشروع حماس بالضفة سواء على مستوى الخلايا العسكرية أو حتى على مستوى البنية الدعوية في المساجد والجامعات أو العمل الخيري حيث قامت السلطة بالاستيلاء على كافة الجمعيات المحسوبة على الحركة.

تغيرات جوهرية:

مرت الأوضاع في الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية بتغيرات تدريجية، كانت بطيئة في بداياتها لكنها تسارعت في الأشهر القليلة الماضية، بحيث بات من الممكن الحديث عن وجود تغيرات جوهرية في الضفة الغربية تعيد مشروع حماس المقاوم فيها إلى الواجهة، وسأجملها بالآتي:

أولًا: صمود حماس في قطاع غزة أمام محاولتين للسحق والتدمير عامي 2008م و2012م، وقدرتها على قصف تل أبيب وخلق توازن من نوع ما مع الاحتلال الصهيوني، أعطى الأمل داخل صفوف مؤيدي حماس بالضفة والمجتمع الفلسطيني بشكل عام، بأن خيار المقاومة قادر على الإنجاز.

ثانيًا: كان للمبادرات الفردية منذ عام 2010م من أجل رفض الاعتقال السياسي والاستجابة لاستدعاءات الأجهزة الأمنية في الضفة، ثم تلاها قرار استئناف الكتل الإسلامية نشاطها في الجامعات منذ العام الدراسي الماضي (2012/2013)، دورًا في رفع معنويات النواة التنظيمية الصلبة لحماس بالإضافة لأنصارها ومؤيديها، وانتشالها من مستنقع فقدان الأمل.

ثالثًا: الفشل المزمن للسلطة الفلسطينية في مفاوضاتها مع الاحتلال الصهيوني، والمترافق مع توسع مخيف بالاستيطان، وتزايد اعتداءات المستوطنين على ممتلكات وأرواح الفلسطينيين في الضفة، ووصول مشروع تهويد المسجد الأقصى إلى مراحل متقدمة جدًا، أوصل المجتمع الفلسطيني في الضفة إلى قناعة مماثلة لما كانت عليه أواسط الثمانينات، بأن انتظار الفرج من الخارج عبث، وليس ذلك فقط بل إن السكوت يعني تشجيع الصهاينة على المزيد من العدوان والمزيد من التضييق، وهذه القناعة في رأيي هي المحرك الرئيسي لتزايد العمليات الفردية في الضفة الغربية في الشهور الثلاثة الأخيرة.

رابعًا: وجود قرار لحركة حماس باستئناف نشاطها الجماهيري والدعوي في الضفة مهما كان الثمن، سواء من خلال استئناف نشاط الكتل الإسلامية أو من خلال حملة من حقي أن أصلي في الأقصى والتي أطلقتها الحركة من وسط مدينة رام الله، قبل أن يعتقل الاحتلال القائمين عليها بعد أن وصلت إلى مرحلة تهديد الوضع القائم في الضفة.

عودة قوية للكتل الإسلامية في جامعات الضفة

ولا شك أن هذا القرار صعب التنفيذ في ضوء حملة أمنية مسعورة مشتركة بين الاحتلال والسلطة، وفي ضوء ضعف بنية تحتية تنظيمية للحركة، فكل خطوة تقدم عليها الحركة ستجد عشر ضربات موجهة لها، لكن مع ذلك فهنالك سير بهذا الاتجاه ولو كان بشكل بطيء جدًا.

وبناءً على ما سبق نجد أن هنالك تغير في المزاج العام بالضفة يؤمن بأنه لا مناص من العودة إلى خيار المواجهة مع المحتل بكافة الوسائل، وهنالك تغير في المزاج العام لدى أنصار حماس بحيث تزايد عدد المقتنعين منهم بأن هنالك قدرة وضرورة على العمل والعطاء في الميدان لكن لم يصل هذا التغير إلى ذروته وما زال هنالك عدد لا بأس به يعيش في أجواء الهزيمة النفسية.

وأخيرًا هنالك بدايات ومحاولات لإعادة تشكيل البنية التنظيمية للحركة لكنها تواجه مقاومة عنيفة وشرسة ولا يستهان بها من جانب الاحتلال والسلطة، وأرى أنه من الممكن أن تتنفس الحركة وتؤتي جهودها على هذا الصعيد ثمارًا حقيقية في اللحظة التي تنفلت فيها الأوضاع من بين يدي السلطة والاحتلال وتندلع انتفاضة جديدة.

وعندما تستطيع حماس إعادة بناء تنظيمها في الضفة فهذا سيعطي الانتفاضة "المنتظرة" زخمًا إضافيًا، ويؤزم بشكل أكبرالوضع بالنسبة للاحتلال الصهيوني، وعند ارتفاع وتيرة المواجهة يمكن انتظار دعم حقيقي قادم من غزة أو المحيط العربي، فالأمور كما نرى مترابطة، وإن كان السؤال: متى تحين لحظة الانفجار هذه؟ إلا أنه من الأكيد أن ما يحصل اليوم على الأرض يهيئ لهذه اللحظة ويزيد من قوة الانفجار المنتظر.

ليست هناك تعليقات: