الأحد، 22 ديسمبر 2013

في ظل وفاة مانديلا: جنوب أفريقيا وفلسطين




تكلم الكثيرون عن مناقب نلسون مانديلا كونه أمضى سبعة وعشرين عامًا في سجون نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وخرج منتصرًا عام 1990م ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا عام 1994م، منهيًا نظام الفصل العنصري، كما أنه دخل التاريخ أيضًا في أنه أكتفى بفترة رئاسية واحدة في سابقة على مستوى أفريقيا والعالم الثالث حيث اعتاد أبطال التحرر الوطني البقاء في منصب الرئاسة لسنوات طويلة لا يخلعهم إلا انقلاب أو وفاة، رغم أنهم جميعًا كانوا أقل تضحيةً وبذلًا من مانديلا.

إلا أني سأتكلم اليوم عن تجربة جنوب أفريقيا ومقارنتها بفلسطين والقضية الفلسطينية لما فيها من نقاط تشابه كثيرة، كما سأحاول الإجابة عن تساؤل هام جدًا وهو لماذا نجح مانديلا والحركة الوطنية في جنوب أفريقيا بإنهاء نظام الفصل العنصري فيما لم ننجح بإنهاء المشروع الصهيوني.

لمحة تاريخية:
 
لو عدنا في التاريخ إلى بدايات الاستيطان الأوروبي في جنوب أفريقيا سنجد نقاط تشابه لافتة للنظر مع المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، والمستوطنون البيض في جنوب أفريقيا ينقسمون إلى فئتين:

البوير في القرن الـ19
البوير (أو الأفريكانيين) وأغلبهم قدموا من هولندا (بالإضافة لآخرين قدموا من فرنسا وألمانيا) في أواخر القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر، وهم من أتباع المذهب الكالفني، وبعضهم قدم هربًا من الاضطهاد الديني من جانب الكنيسة الكاثوليكية والطوائف الأخرى.

المصلح البروتستانتي جون كالفن
وتبنى البوير التوجه المحافظ داخل المذهب الكالفني، ويقوم مذهبهم على الإيمان بأن الله قدر الإيمان لبعض الأقوام من البشر منذ الأزل والكفر لأقوام أخرى، واعتبروا أنفسهم من القوم المختارين للإيمان (مثلما يؤمن اليهود بأنهم قوم الله المختارين)، وطور البوير لغتهم الخاصة وتسمى الأفريكانا وهي خليط من اللغة الهولندية واللغات المحلية الإفريقية، وأقاموا لهم دولتين (الأورانج وترانسفال)، حتى جاء البريطانيون واستعمروا جنوب أفريقيا وخاضوا عدة حروب مع البوير وأخضعوهم للحكم البريطاني بعد تسوية كان فيها إرضاء للبوير.

الفئة الثانية هم ذوي الأصول البريطانية والذين قدموا مع الحكم الاستمعار البريطاني، وقد فرضوا اللغة الإنجليزية لغةً رئيسية للتواصل في جنوب أفريقيا (إلى جانب الأفريكانا)، وقد نظروا إلى جنوب أفريقيا كفرصة للاستثمار وتكوين الثروات، والكثير منهم رأوا جنوب أفريقيا مجرد محطة في حياتهم، على عكس البوير الذين استقروا فيها واعتبروها موطنهم (مثلما يعتبر اليهود فلسطين موطنهم).
الاستعمار البريطاني في أفريقيا

مع نهاية حقبة الاستعمار المباشر لأفريقيا وأنحاء عديدة في العالم خشي المستعمرون البيض في جنوب أفريقيا أن يأتيهم الدور، وبالأخص البوير الذين لا يعرفون بلدًا لهم غير جنوب أفريقيا رغم يقينهم أنه لا جذور حقيقية لهم، فتفتقت عقليتهم عن نظام الأبرتهايد أو نظام التفرقة العنصرية في العام 1948م.

وأشير هنا إلى أنه ومنذ الأربعيات والخمسينات استأثر البوير بالحياة السياسية وقيادة الدولة، فيما ترك للبريطانيون الحياة الاقتصادية، إلا أنهم خشوا أن يترك للأفارقة الانخراط بالحياة السياسية والاقتصادية بما ينهي امتيازات وهيمنة البيض على جنوب أفريقيا، خاصة وأن البيض لم يشكلوا أكثر من 20% من السكان (اليوم يشكلون 11% فقط من السكان)، فجاء نظام التفرقة العنصرية ليكرس إقصاء الأفارقة وتهميشهم، وهذا يذكرنا بالقوانين العنصرية الصهيونية مثل قانون حق العودة التي تستقطب اليهود من جميع أنحاء العالم من أجل الإبقاء على أغلبية يهودية في فلسطين، وقانون أملاك الغائبين الذي استخدم من أجل منع عودة اللاجئين إلى أرضهم أو حتى استعادة ممتلكاتهم.

كما سبق النظام العنصري في جنوب أفريقيا الصهاينة في اختراع مناطق الحكم الذاتي بمسمى البانتستون (جمعها بانتستونات)، حيث كان يتم حشر الأفارقة في مناطق معزولة عن بعضها البعض، ولا يسمح لهم بالخروج منها إلا بتصاريح خاصة، ولا يسمح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي إلا من خلال النظام العنصري (تمامًا مثل السلطة الفلسطينية ومناطق الضفة الغربية المقطعة الأوصال)، وبعض هذه البانتستونات كانت دولًا اسمية (تمامًا مثل الدولة الفلسطينية الموعودة بالمواصفات الصهيونية).

حتى نجد تشابهًا في الأساطير المؤسسة لجنوب أفريقيا العنصرية مع الكيان الصهيوني، حيث كان المستعمرون البيض يسعون للتأكيد على أن جنوب أفريقيا كانت فارغة من السكان عندما قدموا إليها وأن الأفارقة جاءوا بعدهم بعدما رأوا الازدهار الاقتصادي الذي أنشئه المستمعرون البيض، وهي تمامًا نفس القصة التي جاء بها الصهاينة أن فلسطين كانت فارغة من السكان عندما جاء المستوطنون اليهود، وأن العرب جاؤوا بعدهم بقليل "لأسباب سياسية" وليفشلوا "دولة إسرائيل".

نضال جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري:

كانت هنالك مقاومة أفريقية عنيفة للاستعمار الإنجليزي وخصوصًا في بداياته، وبالتحديد من قبائل الزولو التي عرفت بقوتها وبأسها، قبل أن يتمكن البريطانيون من إحكام سيطرتهم وقمعهم، وقد أحضر المستعمرون أعدادًا من الهنود وسكان الملايو (ماليزيا) وقاموا بتوطينهم في جنوب أفريقيا أملًا بأن يكونوا عونًا لهم في إحكام مشروعهم الاستعماري (لاحظوا استعانة الصهاينة بالعمال الأجانب من تايلند ورومانيا وغيرها).

كان قسم من هؤلاء المستقدمين مسلمين وقسم آخر هندوس ومن ديانات مختلفة، ورغم أنه وفق التقسيمات العنصرية حصلوا على امتيازات أكثر مما كان لدى الأفارقة السود (لكن أقل مما لدى البيض) إلا أنهم كانوا في طليعة المناضلين ضد نظام الفصل العنصري، واختاروا الاصطفاف إلى جانب الأفارقة في نضالهم.

وأسس المؤتمر الوطني الأفريقي في العام 1923م، ليوحد جهود النضال ضد نظام الفصل العنصري، كما أسس جناحه المسلح رمح الأمة عام 1961م، وكان أحد أبرز قادة المؤتمر نلسون مانديلا والذي ألقي القبض عليه عام 1962م وحكم عليه بالسجن المؤبد، إلا أن النضال الأفريقي استمر، ولعل أبرز محطاته انتفاضة ضاحية سيوتو عام 1976م، والتي أبرزت دور المقاومة الشعبية ضد نظام الفصل العنصري.

انتفاضة سويتو 1976م
وعندما أقول مقاومة شعبية فليست مقاومة سلمية لأنه لا النظام العنصري قابل هذه المقاومة بطريقة سلمية، ولا الأفارقة قابلوا القمع بالورود وشعار "سلمية"، لكن ميزان القوة كان مختلًا بطبيعة الحال، وكان هنالك من حمل السلاح وشكل خلايا وتنظيمات عسكرية، وكان أكثرهم يتمركز في الدول الإفريقية المجاورة وينطلق منها ليشن عمليات مسلحة.

وهنا نلحظ قيام حلف منذ سنوات الخمسينات بين ثلاث دول استعمارية استيطانية إحلالية؛ جنوب أفريقيا والكيان الصهيوني وفرنسا (التي كانت تستعمر الجزائر)، وقد انسحبت فرنسا من هذا الحلف غير المعلن بعد خروجها من الجزائر في الستينات، ليبقى الكيان الصهيوني مع جنوب أفريقيا وبقي حلفهما إلى أن انهار نظام الفصل العنصري أواسط التسعينات.

لقد تعاونوا في كل شيء: ابتداءً من تطوير القنبلة النووية والأسلحة الكيماوية والجرثومية إلى تطوير وسائل مكافحة المظاهرات وتعذيب الأسرى والمعتقلين، كان حلفًا عنصريًا شيطانيًا بكل معنى الكلمة.

إلا أن النظام العنصري في جنوب أفريقيا انهار في نهاية المطاف، واضطر قادته للقبول بتفكيكه وقيام دولة لجميع مواطنيها من أفارقة وبيض، وذلك ليس فقط بسبب المقاومة الداخلية في جنوب أفريقيا بل أيضًا لأن المجتمع الدولي عامةً والغربي خاصة تخلى عنه، وفرض عقوبات عليه وكانت أمريكا من آخر الدول التي فرضت هذه العقوبات لكنها عندما انضمت لها كانت الضربة القاصمة والحاسمة والتي أجبرت البيض على القبول بتسوية تاريخية.

كما أن لموقف مانديلا بعد خروجه من السجن دورًا هامًا في تفكيك النظام، وأذكر أول تصريح له عندما كان على بوابة السجن الذي خرج منه، فبدلًا من عبارات المجاملة والشكر للإفراج عنه، وبدلًا من طمأنة سجانيه وقادة البيض قال أن الإفراج عنه غير كافٍ ويجب إنهاء نظام الفصل العنصري.

لقد أدرك أن النظام العنصري في أضعف حالاته وأنه يجب مبادرته بالضربات لينهار، وفي نفس الوقت بما أن من أسباب ضعفه الرئيسية هو تخلي الغرب عنه كان لا بد من مراعاة متطلبات الغرب، فجاءت التسوية التاريخية وما يسمى بالعدالة الانتقالية (هذا المصطلح الذي يردده الكثيرون اليوم في عالمنا العربي دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عما يعنيه).

قامت العدالة الانتقالية على فكرة أن يأتي كل قادة نظام الفصل العنصري من السجان الذي كان يعذب الأسرى إلى الشرطي الذي كان يقتل الشبان إلى القائد السياسي الذي كان يوجه الآلة الشيطانية، ويمثلوا أمام لجان المصالحة وأن يعترفوا بجرائمهم كاملة وأن يعتذروا عن كل جرائمهم، مقابل العفو عنهم وعدم معاقبتهم.

الفكرة العبقرية في هذه التسوية أنك جعلت النظام السابق يعترف علنًا بخطئه وأن يستسلم، مقابل طمأنته، وهذا عكس ما حصل في فلسطين حيث اعترف عرفات ومنظمة التحرير بأنهم هم من أخطأوا بحق الكيان الصهيوني، وتبرأوا من "الإرهاب" وحرصوا على طمأنته بدون أن ينتزعوا أي اعتراف بأن الصهاينة قد أجرموا بحق الشعب الفلسطيني، وبناءً عليه فكل خطوة نخطوها منذ أوسلو حتى اليوم مبنية على هذا الاعتراف؛ اعتراف عرفات بأننا أخطأنا بحق الصهاينة.

وهذا ما نلحظه أيضًا في مصر وتونس وغيرها من بلدان الربيع العربي، حيث يريد أركان الأنظمة البائدة تطمينات على مصيرهم بدون أن يعترفوا بأخطائهم وبدون أن يكون هنالك إجماع  على إقصائهم، بل الكل يتكلم عن الأخونة وضرورة أن يطمئن الإخوان خصومهم، وهذا ما يمد الأنظمة البائدة بالقوة بدلًا من أن يضعفها.

جنوب أفريقيا وفلسطين بعد سقوط نظام التفرقة العنصرية:

بعد سقوط نظام الفصل العنصري تحولت سياسة جنوب أقريقيا تجاه القضية الفلسطينية 180 درجة، ليس فقط كون الكيان الصهيوني الحليف الأسبق للنظام العنصري ولنقاط التشابه بين الفلسطينيين والأفارقة، بل أيضًا بفضل جهود المسلمين في جنوب أفريقيا والذين رغم نسبتهم الصغيرة والتي لا تتجاوز الثلاثة بالمئة من تعداد السكان إلا أنه كان لهم دور محوري في النظام الجديد، في نفس الوقت الذي أقصي البيض (وخصوصًا البوير حلفاء الصهاينة التاريخيين).

لم يستغل عرفات علاقاته الجيدة مع مانديلا من أجل خنق الكيان الصهيوني

فقدمت جنوب أفريقيا دعمًا لمنظمة التحرير وياسر عرفات والتي زارها عام 1994م وبدلًا من أن يحشد الدعم الهائل من أجل القضية الفلسطينية، قضاها ليحرض على حركة حماس والتي شبهها بقبائل الزولو (المنافس السياسي للمؤتمر الوطني الإفريقي) وقال أنه لن يتعامل مع حماس بالطريقة السلمية التي تعامل بها المؤتمر الوطني الإفريقي مع قبائل الزولو.

وفي جنوب أفريقيا عقد المؤتمر العالمي ضد العنصرية في ديربان عام 2001م والذي استغل زخم التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني بعد انتفاضة الأقصى واتخذت قرارات تاريخية أعادت للقضية الفلسطينية زخمها الدولي وحاصرت الكيان الصهيوني عالميًا (على المستوى الشعبي)، لكن كل ذلك الزخم لم يأخذ بعده المطلوب نظًرًا إلى أن السلطة الفلسطينية كان همها الأول (وما زال) العملية التفاوضية مع المحتل الصهيوني وليس محاصرته ولا عزله دوليًا، بل كانت المنقذ له في أكثر من مرة وأكثر من موقف.

وأخيرًا هنالك قرار حكومة جنوب أفريقيا بمنع كتابة "صنع في إسرائيل" على البضائع المصنوعة في مستوطنات الضفة الغربية قبل أقل من عام، وهو موقف انفردت بحدته وقوته عن كل دول العالم بما فيه الدول العربية التي بدلًا من أن تشدد العقوبات على الكيان الصهيوني فإنها تقابل كل خطوة عدائية بمزيد من التنازلات وخطوات حسن النية.

السياسة الخارجية اليوم لدولة جنوب أفريقيا بحكم التاريخ وبحكم التراث الذي أسس له مانديلا والقائم على نصرة المظلومين (لهذا نجد موقفهم الحاد في رفض الانقلاب العسكري في مصر)، وبحكم وجود نفوذ قوي (نسبيًا مقارنة بحجمهم من تعداد السكان والذي لا يتجاوز 1.5%) حيث أن للمسلمين وزير الاتصالات (يونس كريم) ونائب وزيرة الخارجية (إبراهيم إسماعيل إبراهيم)، هي ثروة كبيرة (لكن غير مستغلة) للقضية الفلسطينية، خاصة وأن جنوب أفريقيا ليست مجرد دولة تعداد سكانها 52 مليون نسمة، بل هي أكبر وأقوى اقتصاد في أفريقيا (بما فيه الدول العربية في شمال أفريقيا).

لماذا نجح الأفارقة بإزالة نظام الفصل العنصري ولم ننجح بإزالة الكيان الصهيوني:

أولًا: الصراع في جنوب أفريقيا لم يكن دينيًا ولا حضاريًا، حيث تبنى الأفارقة ديانة المستعمر ولغته، لذا لم تتغير لغة البلاد الرسمية ولا اسمها ولا ديانة حكامها، فيما في فلسطين الخلاف يشمل كل شيء بما فيه هذه الثلاثية (اللغة والدين واسم الدولة).

ثانيًا: بالتالي كان الصراع في جنوب أفريقيا يتمحور حول إقصاء الناس بسبب لون بشرتهم، وهذا النوع من التمييز لم يعد أحد يستسيغه في العالم، وهكذا فقد النظام العنصري دعم الغرب له، أما الصهاينة فهنالك الكثيرين في الغرب من يقبل ويتقبل دعمهم على أساس ديني وحضاري.

ثالثًا: في جنوب أفريقيا كان الأفارقة أغلبية السكان 80% فكان مطلبهم بسيط، مساواتهم بالبيض في الانتخاب والترشح والحياة الاقتصادية، أما في فلسطين فقد تنبه الصهاينة منذ البدء إلى هذه الثغرة فقاموا بتهجير غالبية الشعب الفلسطيني، وأقاموا دولة ذات غالبية يهودية (80% من سكان الكيان)، ثم خرجوا ببدعة عجيبة نحن دولة لليهود لكن جميع السكان سواسية ولا نميز بين أحد منهم، وقاموا بسن قوانين تمييز عنصري لكن جعلوا لها قشرة إنسانية وغير عنصرية.

بحيث أنه لو طالبنا اليوم بحق المواطنة التامة للفلسطينيين (بما فيهم أهل الضفة وغزة) فالصهاينة سيكونون أكثر من نصف السكان بقليل، وسيضمنون بيدهم التشريع والأغلبية وباسم الأغلبية سيستمرون بممارساتهم العنصرية المختلفة.

رابعًا: ارتكبت منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية المحيطة بفلسطين سلسلة من الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية التي حولت الكيان الصهيوني من معتدٍ إلى ضحية ينتظر الاعتذار والتطمينات منا، فيما كان المؤتمر الوطني الأفريقي والدول الإفريقية المحيطة بجنوب أفريقيا يعتمدون لغة تصعيدية وصدامية مع نظام الفصل العنصري حتى آخر لحظة.

خامسًا: حرص الصهاينة على بناء الدولة الحصن، دولة الجيش الصهيوني، والقائمة على تجنيد المجتمع الصهيوني بأكمله وصهره ضمن المنظومة الأمنية، بحيث لا يواجه الفلسطيني أو العربي جيش احتلال فحسب بل مجتمعًا بأكمله، واعتمدوا على سياسة الردع القاسية بحيث أصبحت مواجهة الكيان حلمًا مرعبًا للفلسطينيين والعرب أيضًا، وبحيث أصبح مواجهة هذا الكيان في عرف الكثيرين عمالة وتوريطًا في حرب "لا قبل لنا به".

وحرص الصهاينة على السيطرة على أرض مساحتها الجغرافية قليلة مع قوة نيرانية كبيرة، لتعزز مفهوم الدول الحصن، بينما توسع المستعمرون البيض في احتلال الأراضي ولم يطردوا الأفارقة منها وكان هنالك اختلاط وتداخل بينهما، كما لم يستخدموا قوة الردع بنفس همجية وعدوانية الصهاينة، مما أعطى خصمهم طول نفس أكبر وجرأهم على مواصلة النضال ضدهم بقوة أكبر.

سادسًا: بناءً على ما سبق فيمكن القول بأن سقفنا في فلسطين هو أعلى بكثير من سقف المناضلين في جنوب أفريقيا، فنحن نريد إزالة المشروع الصهيوني وآثاره وليس إصلاحه كما كان السقف في جنوب أفريقيا، فضلًا عن أن السياسة التي اتبعتها منظمة التحررير لم تكن تصلح لا لإصلاح المشروع الصهيوني ولا لإنهائه، وإنما كانت مجرد كفاح لانتزاع مصالح ذاتية ضيقة تحت مسمى "تمثيل الشعب الفلسطيني"، فيما لم تستطع حماس (لأسباب ذاتية وخارجية) أن تحول مشروعها المقاوم إلى الممثل الشرعي والوحيد للشعبي الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات: