الجمعة، 6 ديسمبر 2013

حول الاتفاق النووي بين إيران والغرب




جاء توقيع الاتفاق المؤقت بين إيران والدول الغربية حول برنامج إيران النووي، ليضع حدًا لحالة التصعيد المتواصل منذ أيام الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، والذي كان يتخذ مسار التصعيد الإعلامي والتحدي فيما يتعلق بقضايا عدة بما فيها البرنامج النووي.

اتبع نجاد سياسة تصعيد ضد الغرب
الاتفاق ليس على كل شيء ويفترض أن تتلوه مفاوضات ومشاورات للتوصل إلى اتفاق نهائي، وإن كان البعض يردد بأنها لعبة أو تمثيلية أو حتى صفقة يتخلى الإيرانيون فيها عن طموحهم النووي مقابل إطلاق يدهم في سوريا، فالأمور ليست بتلك البساطة والسطحية.

وهنا يجب استيعاب مكمن المشكلة النووية الإيرانية بالنسبة للغرب والصهاينة، حتى نفهم إلى أين تسير الأمور، فالتهديد النووي الإيراني ليس تهديدًا آنيًا أو على المدى القصير، فإيران لن تصنع القنبلة النووية اليوم وتستخدمها غدًا، بمعنى آخر هو تهديد استراتيجي بعيد المدى.

القنبلة النووية تهديد استراتيجي للكيان:

الكيان الصهيوني وقادته يعلمون علم اليقين أن وجودهم على هذه الأرض هو وجود طارئ ومهدد بالاقتلاع بأي وقت، وامتلاك دولة إسلامية سلاحًا نوويًا يشكل تهديدًا بعيد المدى لهذا الكيان، صحيح أن الصهاينة يمتلكون ما يقارب المئتي قنبلة نووية، لكن يكفي امتلاك بضعة قنابل نووية لموازنة القوة مع الكيان، فقنبلتان نوويتان أو ثلاث على تل أبيب وما حولها تكفي لكسر ظهر الكيان؛ فحوالي نصف اليهود في فلسطين يعيشون في منطقة تل أبيب الكبرى.

مثل هذه المواجهة لن تحصل لا اليوم ولا غدًا ولا بعد بضعة أشهر، وربما لن تحصل أبدًا (وهذا الأرجح)، لكنها تكبل يدي الكيان الصهيوني وتمنعه من استخدام قوته النووية، كما أن الصهاينة لا يقبلون المخاطرة بأي احتمال لتلقي ضربة نووية حتى لو كان ضئيلًا.

وكل موقف الغرب المعادي للقنبلة النووية الإيرانية والمشروع النووي الإيراني هو من أجل حماية وضمان أمن الكيان الصهيوني، فامتلاك إيران للقنبلة النووية ليس خطرًا وجوديًا على أمريكا أو أوروبا، ولا حتى على الدول والأنظمة العربية المحيطة، ستكون أمرًا مزعجًا هذا صحيح لكن الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني وذلك لأنه كيان مصطنع وجذوره غير عميقة، على عكس الدول العربية والغربية.

خلفيات الوصول إلى الاتفاق:

وصول روحاني للسلطة خفف الاحتقان بين الغرب وإيران
والذي حصل أن الإيرانيين رغم العقوبات القاسية استطاعوا فرض أمر واقع فيما يخص تخصيب اليورانيوم ومشروعهم النووي، وأبدوا تصميمًا على المضي قدمًا، وجاءت لحظة فوز حسن روحاني وتغييره لغة الخطاب (دون تغيير حقيقي في السياسة) لتكون بمثابة سلم لنزول الغرب عن سقف مطالبه العالية، وليقبل التوصل إلى حلول وسط وبدء مسيرة تفاوضية.

صحيح أن الغرب ما زال يهدد ويلوح بعقوبات إن لم تنجح المفاوضات القادمة، لكن في نهاية المطاف تم نزع فتيل التصعيد، وهذا ما يهم المسؤولين الإيرانيين، وهذا ما استفز الصهاينة فالتهديد بعيد المدى ما زال قائمًا بالنسبة لهم، وهم يشعرون أن الغرب والأمريكان تخلوا عنهم، وهذا صحيح إلى حد ما.

وهنا الدرس الأول الذي يجب أن نستفيده وهو أن قوة الصهاينة تأتي من ضعفنا كمسلمين وعرب، وما كان لأمريكا والغرب أن يتمادوا في دعم الكيان لولا أنهم وجدوا من جانبنا ضعفًا وتهاونًا، ولذا عندما وجد الأمريكان والأوروبيون أن المواجهة مع إيران تكلفتها عالية قبلوا بحلول لا تخدم الكيان الصهيوني.

أين نحن من الاتفاق؟

والسؤال الذي يطرحه الكثيرون وأين نحن كفلسطينيين وكعرب مما يحصل، هل نحن معنيون بقنبلة نووية إيرانية أم أنها أصبحت العدو الأول بعد تدخلها في سوريا؟ وهل نحن معنيون بإضعاف إيران أم بقوتها؟ وهل نتحالف مع الأمريكان ضد الإيرانيين أم العكس أم نحارب كلا الطرفين؟

السياسة هي فن الممكن وهي لعبة الموازنات (وهذا لا يعني التخلي عن الأخلاق)، ولا شك أننا نعاني من التغول الإيراني في سوريا والعراق وتهديدها المتفاوت للخليج العربي، وهو تهديد نابع من النظام القائم في إيران، وليس من إيران كدولة إسلامية عاشت في المنطقة قرونًا طويلة وستبقى لقرون أخرى.

فصراعنا هو مع النظام الإيراني وضد مشروعهم الطائفي في المنطقة، وإن كنا لا نريد انتصار مشروعهم لا في سوريا ولا العراق ولا الخليج، فلا نريد أن تأتي أمريكا لتحل مكانهم.

بل إن المشروع الإيراني بما يشكله من خطورة يبقى أقل خطرًا من أمريكا ومنظومتها الأخطبوطية، فأمريكا عندها إمكانيات مالية وبشرية ضخمة تجعل منها قادرة على إحكام قبضتها على المنطقة فيما لو فرغت من أي قوة منافسة لها، وقد رأينا الانقلاب الذي نفذه السيسي بدعم من أمريكا ووكلائها في المنطقة كيف سار بسهولة وسلاسة لا تصدق.

أين تقع سوريا ولبنان في المعادلة؟

وعندما نتكلم عن سوريا أو لبنان فنحن معنيون بدحر المشروع الإيراني لكن لا نريد دخول المشروع الأمريكي مكانه، وإن كان هنالك محاولات روسية وأمريكية من أجل تقسيم سوريا فيما بينهما، فلسنا معنيين بنجاح مثل هذه المخططات.

خروج الحزب من سوريا واجب
لكن وجوده ضروري لموازنة الخطر الصهيوني
وجود حزب الله في سوريا كارثة على الشعب السوري وعلى مشروع المقاومة (لأنه استنزاف عبثي لموارد سوريا ولبنان والأمة الإسلامية كلها)، ويجب إخراج الحزب من سوريا، لكن كسره داخل لبنان وكسر مشروعه سيجعل لبنان مفتوحًا لعملاء أمريكا والكيان الصهيوني.

ولنكن واقعيين ففي لبنان لا يوجد قوة وطنية سنية قادرة على ملئ المكان الذي يشكله حزب الله، وحتى في سوريا ما زال أمام الثوار الكثير ليصلوا إلى مرحلة القدرة على ملأ الفراغ وجسر الفجوة وهزيمة المشروع الإيراني ومنع المشروع الأمريكي من الدخول.

أمريكا والصهاينة يواجهون في سوريا كما في لبنان عدوًا مزدوجًا: حزب الله وإيران من ناحية والتيار الإسلامي السني من الناحية الأخرى، ربما لا يتعاملون مع كل منهما بنفس التكتيكات لكن بالنهاية كليهما عدو استراتيجي للكيان، وأي هزيمة تامة لأي من الطرفين سيسمح للأمريكان والصهاينة الاستفراد بالطرف الآخر وكسره.

فالحل المثالي بالنسبة لنا هو خروج إيران وحزب الله من سوريا وبقائهما قويان خارج سوريا بما يكفي لموازنة القوة الأمريكية وعدم تركها تستفرد بالمنطقة، ولهذا قلت نحن معنيون بهزيمة حزب الله في سوريا مع بقاء قوته في لبنان لردع الصهاينة عن الدخول بشكل مفتوح وفج، لأن حلفاءهم من الموارنة موجودون وما زال بعضهم يفكر بإحياء الحلف الماروني الصهيوني.

الأثر على القضية الفلسطينية:

وعندما نتكلم عن فلسطين والمقاومة الفلسطينية فالأمر أكثر وضوحًا فهزيمة إيران أو حزب الله وإزاحتهم من المشهد ستغري الصهاينة بالقضاء على تجربة المقاومة في غزة، سواء أعجبنا ذلك أم لا لكنها الحقيقة.

وحماس مهما كانت قوتها وصمودها، فالفجوة بينها وبين الاحتلال هائلة جدًا بما يجعل مواجهته منفردة بدون دعم لوجستي في ساحتها الخلفية الخلفية أمرًا فوق طاقتها، وهي قد خسرت إخوان مصر ومحمد مرسي، فلم يعد أمامها حلفاء كثيرون.

الخاتمة:

خلاصة الدرس أنه في لعبة التوازنات من الجيد لنا أن لا تتغول أمريكا على المنطقة، وأن لا نترك إيران تسرح وتمرح براحتها، والتعويل على أمريكا من أجل كبح جماح المشروع الإيراني هو أكبر خطيئة ممكن ارتكابها، وقد رأينا ماذا فعلت في سوريا، فقد تمكنت من تفكيك المشروع الكيماوي السوري (الذي كان يشكل تهديدًا بعيد المدى للكيان الصهيوني) وتركت النظام السوري يكمل إبادته للشعب.

يمكن وضع حد للنظام الإيراني بسواعدنا فقط، وذلك من خلال دعم لا محدود لثوار سوريا وبشكل أخص التشكيلات الإسلامية منهم وتوحيدهم تحت مظلة واسعة تضمهم، بما يقطع الطريق على أي تدخل أمريكي في سوريا ما بعد الأسد.

كما نحتاج إلى قوة عربية قادرة على إسناد أي مشروع وطني حقيقي سواء في فلسطين أو خارج فلسطين، حتى لا نبقى جماعات مشرذمة لا تستطيع مواجهة أحد، وأن تكون هذه القوة: عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية، وإن سألتم ما هي؟ فالإجابة الآن صعبة المنال لكن أستطيع أن أرى في مصر ما بعد الانقلاب جوابًا على ذلك.

ليست هناك تعليقات: