الأحد، 12 يناير 2014

‫حماس والمصالحة والعلاقة مع السلطة: ضبابية الموقف


لقاء سابق بين هنية وعباس

يتساءل الكثير عن سبب تعطل المصالحة بين حماس وفتح، فكلما جاءت مبادرة من أجل إنجازها سرعان ما تنتكس، وآخرها كانت مبادرة إسماعيل هنية وكلامه أن العام الحالي سيكون عام المصالحة، وإفراج حكومته عن معتقلين من فتح، وسبقها سماح الحكومة لفتح إحياء ذكرى انطلاقتها.

فكان الرد بإملاء شروط من جانب سلطة رام الله (التي فهمت المبادرة بأنها ناجمة عن ضعف)، ومنع حماس في نابلس من عقد مهرجان في ذكرى انطلاقتها، وتصعيد حملة الاعتقالات ضد أنصار حماس في الضفة.
وأريد أن أتكلم هنا حصرًا عن حماس، سواء من ناحية قياداتها أو إعلامها، وما أراه من عدم وضوح في الرؤيا، حتى نستطيع الوصول إلى تشخيص أفضل للحالة وطرح حلول أكثر عملية.

ما الذي يدفع السلطة وفتح لمقابلة مبادرات حسن النية بالمزيد من التصعيد؟ وما هو أصل الخصومة مع فتح؟ هل صراع على الكراسي أم على البرامج والرؤى؟ وماذا نريد من فتح والسلطة؟ هل نريد الاتفاق على برنامج وطني موحد أم على طريقة للتعايش وتخفيف الاحتقان؟

أصل المعضلة التي تواجه حماس:

كلنا نعلم أن أصل المشكلة هو رفض حماس الالتزام بأوسلو والاعتراف بالكيان الصهيوني، وكلنا نعلم أن الحصار المفروض على غزة هو بأمر صهيوني وتنفيذ مصري وواجهة فتحاوية تبرر له، وكلنا نعلم أن الاعتقالات في الضفة تتم وفق التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال؛ فليس أقل من 70% من الاعتقالات التي تقوم بها السلطة في الضفة تكون قد جاءتها أوامر بالاسم لاعتقال أو استجواب فلان وعلان من جانب الشاباك.

ومن الواضح أن السلطة عندها قرار استراتيجي وغير قابل للنقاش أو التراجع عنه بالارتباط مع الاحتلال الصهيوني، وعزز الانقلاب في مصر رؤيتها هذه وزاد من أملها بأن تستطيع العودة لغزة، وتكون انتصرت لنفسها وخدمت الاحتلال بآن واحد.

فالمشكلة ليست سوء فهم بين الطرفين حتى تحلها الكلمات الطيبة أو تخففها مبادرات حسن النية، هذا ممكن أن يكن صحيح على مستوى العلاقة بين قواعد فتح وحماس بعد التحريض الإعلامي المتبادل طوال السنوات السبع الماضية، لكن على مستوى قيادة فتح والسلطة فاعتباراتهم ودوافعهم مختلفة تمامًا.
 
قيادة السلطة في المقاطعة لديها هدف مشترك مع الاحتلال الصهيوني، وهي لا تستطيع مخالفته لأنها رهينة بيد الاحتلال وهي فرحة بهذا الدور، والهدف هو القضاء على حماس وتدميرها ما دامت حماس تتبنى خيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني.

بالتالي فهي غير معنية بالمصالحة ولا يمكن تصور أي مصالحة معها، وأي مبادرة حسن نية من جانب حكومة غزة فستفسرها على أنها ضعف وسيشجعها على زيادة الخناق على حماس، فهذه بالنسبة لهم فرصة لا تعوض للقضاء نهائيًا على حماس (أو هكذا يأملون).

إذن ما العمل؟ هل تستطيع حماس أن تترك معركتها مع الاحتلال وتنشغل بحرب طاحنة مع فتح والمدعومة من جانب الاحتلال وأغلب الأنظمة العربية؟ هل تستطيع خوض هذه المواجهة لوحدها؟ هل تقبل الحركة بأن تجر المجتمع الفلسطيني إلى حرب أهلية تشارك فيه قواعد حماس وقواعد فتح الشعبية؟

ما دام خيار المصالحة مع فتح غير ممكن، وما دام خيار المواجهة المفتوحة حتى القضاء على سلطة رام الله غير وارد، فما الحل؟ يكمن الحل في تفكيك المشكلة الكبرى إلى مشاكل أصغر ومحاولة حل كل مشكلة على حدا.

مشكلة حماس في غزة

التحريض الإعلام المصري يأتي ضمن مجهود مشترك بين الانقلابيين والسلطة والاحتلال الصهيوني
تتمثل في الحصار المصري الخانق ويقابله وضع داخلي مستقر، إلا أن الحصار إن طال أمده سيضعضع الوضع الداخلي، وهذا ما يراهن عليه الاحتلال والسلطة، وباعتقادي أن حماس تستطيع الحفاظ على الوضع الداخلي مستقرًا عامًا آخرًا على أقل تقدير (وربما أكثر).

ولديها من حجم التسليح والإمكانيات التنظيمية التي تجعل منها خصمًا يصعب القضاء عليه، ولا حل للحصار إلا بسقوط الانقلاب أو ارتخاء قبضته الأمنية نتيجة ضعفه، والوضع الحالي في مصر يدل على أن وضع الانقلاب غير مستقر، وهذا يعطي حماس متنفسًا للتفكير بحلول، هذا فضلًا عن أنّ عرض المصالحة على السلطة لن يقابل بخطوات مماثلة كما أسلفنا القول.

على المدى القصير يمكن لحماس تعزيز وضعها الداخلي من خلال خطوات حسن نية مع عناصر وقيادات فتح داخل قطاع غزة، عبر الإفراجات والسماح لمن هربوا بالعودة والسماح لهم بالنشاطات العلنية، مع مراقبة وثيقة للعناصر التي يمكن أن تستخدم العنف، طبعًا دون توقع أن تقابل هذه الخطوات بالمثل في الضفة أو انشقاق قيادات فتحاوية غزاوية، بل تنحصر فائدتها في أمرين: تخفيف الاستقطاب والتوتر المجتمعي داخل غزة، بالإضافة للإنجاز الإعلامي.

حماس في الضفة

ومشكلتها أكثر تعقيدًا وتركيبًا، فمن ناحية هنالك الاحتلال بشكله المباشر، وهنالك السلطة التي لا تمنع حماس من محاربة الاحتلال فحسب بل تمنع الجميع، وهنالك الاحتقان المجتمعي الناجم عن الانقسام، وهنالك عقدة الخوف لدى أبناء ومؤيدي حماس والتي تشكلت بعد الانقسام.

كل من هذه المشاكل تستطيع حماس معالجتها لوحدها، وغير قابلة للحل كرزمة واحدة، فلا إمكانية للاتفاق مع السلطة على برنامج للمقاومة الشعبية (مثلًا) وتوحد حماس وفتح من أجل  مواجهة الاحتلال معًا، فالسلطة سقفها الاحتلال وهي لا تجرؤ على إغضابه.

كل الشرور في الضفة تعود إلى نفس النقطة: التنسيق الأمني والارتباط مع الاحتلال
وفي المقابل نلحظ وجود ضبابية عند حماس حول ما تريده في الضفة، فإن كانت المصالحة مستحيلة بدون تخلي السلطة عن ارتباطها بالاحتلال، وهذا يعني تخليها عن التنسيق الأمني والمفاوضات، فلماذا لا يطرح هذين الأمرين كشرطين أساسيين لأي مصالحة، على الأقل تصحح الصورة الإعلامية لمشكلة المصالحة.

بدلًا من ذلك نجد الكلام يدور في أمور فرعية: شكل حكومة الوحدة الوطنية واسم رئيس الوزراء التوافقي وشكل الانتخابات، بحيث يستهلك الجهد والوقت في الفرعيات فيما أصل المشكلة يؤجل إلى وقت لاحق، وكل مرة يأتي هذا الأصل ليفجر كل شيء.

وما دامت كل حماس (قيادة وإعلام وقاعدة شعبية) مقتنعة بأن الأجهزة الأمنية في السلطة وظيفتها خدمة الاحتلال، لماذا تطلب منها وقف الاعتقال السياسي دون طلب وقف التنسيق الأمني؟ ولماذا يعلق شباب الضفة تقاعسهم عن العمل على شماعة اعتداءات الأجهزة الأمنية؟ أليست هذه الأجهزة فرع من أمن الاحتلال؟ هل كان يردعكم الاحتلال؟ أم تظنون أن ضمير الأجهزة سيؤنبها وتتوقف عن اعتقالكم؟

وما دامت حماس لا تعترف بسلطة رام الله، وقاطعت الانتخابات البلدية لهذا السبب، فلماذا نرى بعض نشطائها في الضفة يتقدمون بطلبات لمؤسسات السلطة من أجل القيام بنشاطاتهم؟ ولماذا نراهم يعترفون بالأجهزة الأمنية ويوظفون الواسطات من أجل وقف انتهاكاتها بدلًا من مواجهتها؟ طبعًا لست ضد التعامل مع مؤسسات السلطة للمضطر لكن أردت إبراز التناقض في الرؤيا.

ولماذا يركز إعلام الحركة على انتهاكات السلطة وإبراز مبادرات حسن النية الحمساوية، ما دامت المشكلة ليست سوء فهم، وما دام الكل يفهم المعادلة، وما دامت السلطة تعتبر قمع حماس في الضفة إنجازًا لها؟ وفي المقابل نرى ضعف شديد للخطاب الإعلامي الذي يرفع من معنويات أبناء حماس في الضفة ويشجعهم على المضي قدمًا في نضالهم، بل على العكس نجد ما يشجع ثقافة عدم العمل بحجة أن السلطة هي السبب!

خيارات حماس في الضفة:

أدرك أن خيارات حماس في الضفة هي بين سيء وأسوأ، والأولويات كثيرة والمفاضلة بينها أمر صعب، إلا أن الأكيد أن طريقة التعامل التقليدية مع الوضع في الضفة خلال السنوات الثمانية الماضية لم تكن مجدية، وكرست الوضع القائم، فهل هذا ما تريده الحركة؟

ولو عدنا لما ذكرناه عن تقسيم المشكلة وحلها على مستويات:

أولًا: هنالك قيادة السلطة المنخرطة تمامًا في المشروع الصهيوني، وهذه لا خيار أمام حماس سوى القطيعة معها ورهن المصالحة معها بوقف المفاوضات والتنسيق الأمني.

ثانيًا: هنالك القاعدة الفتحاوية التي باتت أكثر انخراطًا في المقاومة ضد الاحتلال خلال الأشهر الماضية، وتشجيعها ودعمها (أو على الأقل تجنب استفزازها) سيساعد حماس على تشتيت انتباه الشاباك وأجهزة السلطة الأمنية، ويخفف وطأة الملاحقة الأمنية.

ثالثًا: على مستوى عقدة الخوف والاستسلام للأمر الواقع عند قاعدة حماس الشعبية، يمكن للحركة أن تنظم عدة حملات تعبئة وتوجيه ترفع من معنويات عناصرها، وتشجعهم على تحدي القيود المفروضة عليهم، وتذكرهم بأن للعمل المقاوم ضريبة لا بد من دفعها، وإبراز إعلام الحركة لنماذج إيجابية، مثل: الكتلة الإسلامية في الجامعة الفلانية نجحت بمعرضها رغم الملاحقة الأمنية، وحملات رفض الاستجابة لاستدعاءات الأجهزة الأمنية وغيرها.
يرى الكثير أن الحل يكمن في العودة إلى مواجهة الاحتلال
هذه الحلول ليست حلولًا سحرية، وهنالك المشكلة الأكبر أي الاحتلال باستيطانه وجيشه وحصاره وهذا بحاجة لتضافر جهود الشعب الفلسطيني كله، لكن هي حلول تخفف على حماس في الضفة وتخلق بيئة عمل أقل عدائية، فمن ناحية تعزل قيادة السلطة شعبيًا (لأنها تريد تنفيذ خطة كيري)، ومن ناحية أخرى تهيئ الأجواء لانتفاضة ثالثة مما يعني أن وقت جهاز الشاباك لن يكون مكرسًا لملاحقة حماس وحدها بل سيتابع ملفات ملتهبة أخرى، ومن ناحية ثالثة مشكلة خمول وخوف غالبية أعضاء حماس ستخف نسبيًا، وبدلًا من إلقاء عبء العمل على عدد بسيط فسيتوزع الحمل، وتزداد قدرة الحركة على الإنتاج.

الخلاصة:

المشكلة تكمن في التفكير بحل مشكلة الانقسام كملف واحد والاعتقاد بأن ذلك لن يتم إلا بالتفاهم مع أشخاص من السلطة، وهذا غير ممكن لأن قيادة السلطة حسمت أمرها وقررت التحالف مع الاحتلال قرارًا لا رجعة فيه.

وحل معضلة حماس تكمن في تحديد رؤيتها للمشروع الوطني الفلسطيني وتفاصيله، والعمل على تطبيقها بالميدان لوحدها، وستلحق فتح بها في نهاية المطاف (مثلما فعلت في انتفاضة الأقصى)، لكن المهم أن لا ترهن حماس برنامجها بموافقة فتح بل يجب أن تبنيه على افتراض الأسوأ؛ أي بقاء السلطة متحالفة مع الاحتلال، وأن تعالج كل مشكلة تواجهها لوحدها بما يخدم مشروع حماس الوطني (وليس بناءً على العاطفة أو رد الفعل العشوائي أو الاعتبارات الحزبية الضيقة).

ليست هناك تعليقات: