الثلاثاء، 14 يناير 2014

‫مخيم اليرموك: بين مساعدة المحاصرين والمتاجرة بدمائهم




بعد أن وصلت مأساة حصار مخيم اليرموك حد المجاعة، بدأ الجميع يتسابق لتبني القضية بمن فيهم أولئك الذين تآمروا على المخيم أو تنصلوا من مسؤولياتهم تجاهه، فاليرموك هو "الموضة الإعلامية" الرائجة هذه الأيام، والكل يريد التقاط الصور وإلقاء الكلمات التي تثبت تضامنه مع مخيم اليرموك.


ولعل ما يستفز المرء هو أن الكثير من الاقتراحات التي تطرح لا تحل مشكلة المخيم، مثل جمع التبرعات والأموال فمشكلة المخيم ليست كارثة بيئية نحتاج لجمع المساعدات لأهلها، بل مخيم محاصر يمنع عنه كل شيء، كما يثير اشمئزازك ركوب ممثلي السلطة ومنظمة التحرير الموجة متبنين وجهة نظر المجرم (النظام)، ويقومون بتغلفيها بكلمات منمقة ومغالطات وأكاذيب، وللأسف تمر على الكثير من الناس هذه الأكاذيب ويردودها بحيث تصبح من المسلمات.




نجد اليوم مسؤولي فسائل منظمة التحرير والفسائل المرتبطة بالنظام السوري تردد كذبة أن هنالك عصابات مسلحة داخل المخيم تحتجز أهله رهائن، وأن حل مشكلة المخيم تكمن في إخراج هذه العصابات المزعومة، بل ذهب محمود عباس إلى أكثر من ذلك ليتهم فصائل فلسطينية بأنها أرسلت مسلحين وصفهم بالخونة إلى داخل المخيم وتوريط أهله في حرب ليس للفلسطينيين دخل بها، وكرر كلامًا شبيهًا لذلك أحمد مجدلاني، وكل هذا كلام كذب ودجل.


أولًا: مخيم اليرموك ليس تابعًا للأونروا وليس مخيمًا رسميًا، وحوالي نصف سكانه هم من السوريين والنصف الآخر من اللاجئين الفلسطينيين، وقد سمح لكافة التنظيمات الفلسطينية بفتح مقرات به، واعتباره عاصمة الوجود الفلسطيني في سوريا.


ثانيًا: خلال بداية الثورة السورية كان المخيم ملجأ لآلاف النازحين من الأحياء السورية المجاورة كونه كان آمنًا، وكان بعض الناس يزايدون ويقولون لا يجب أن يبقى المخيم خارج الصراع "لأن الفلسطيني ليس أفضل من السوري"، واليوم نجد بعضًا منهم يزايد ويذرف دموع التماسيح على "توريط المخيم في الصراع".


ثالثًا: موقع المخيم استراتيجي ويصل الأحياء الجنوبية لدمشق مع وسط العاصمة، ولهذا حرصت بعض فصائل الثورة السورية على دخول المخيم وأن تأخذ فيه موقع قدم، واشتبكت مع قوات القيادة العامة (جبهة أحمد جبريل) ثم طردتها من المخيم، وهنا نرى كذبة محمود عباس فالفصائل الفلسطينية التي تورطت في القتال هي تلك الموالية للنظام الأسدي، ومن دخل المخيم وتحصن فيه هم الثوار السوريين بمختلف تشكيلاتهم.


رابعًا: انشقت بعض العناصر التابعة لجبهة أحمد جبريل وانضموا للثوار، وكان قرارًا فرديًا لهم فضميرهم لم يسمح بأن يكون أداة قتل وحشية وهمجية، وبالتأكيد لا يتحملون مسؤولية حصار المخيم.


خامسًا: أغلب سكان المخيم تركوه ومن بقي فيه لا يتجاوز عددهم الثلاثين ألفًا (من أصل نصف مليون)، وهم الذين يعانون الأمرين من قوات النظام وحلفائهم في تنظيم القيادة العامة الذين يمنعون دخول الطعام بشكل مطلق إلى المخيم رغم كل الوساطات.


سادسًا: في الأشهر الأولى للثورة اشتغلت الماكنة الإعلامية لفتح للمزايدة على حركة حماس، واتهامها بأنها باعت الشعب السوري من أجل دعم مقدم من النظام الأسدي، علمًا بأن لفتح ثأرًا قديمًا مع النظام السوري يعود إلى أيام مذبحة تل الزعتر عام 1976م وحرب المخيمات في الثمانينات، (وللأسف الكثير من مؤيدي حماس أخذتهم العاطفة وصدقوا تلك المزايدات وكانوا عبئًا على حركتهم لصالح فتح).


إلا أن فتح قررت فجأة (وبعد أن خرجت حماس من سوريا) أن تصلح علاقاتها مع النظام الأسدي مقابل بعض المقرات المتهاوية لحركة فتح والتي سبق للنظام الأسدي مصادرتها فيما مضى، والمبرر لهذه الخطوة المفاجئة كان هو حماية اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات سوريا.


حركة فتح تستغل مخيم اليرموك من أجل التقرب للنظام السوري


جميع الفصائل الفلسطينية لها اليوم ممثلين في سوريا، باستثناء حركة حماس التي خرجت بعد اختلافها مع النظام، ولم يعد لها نشاطًا علنيًا في المخيمات داخل سوريا.


سابعًا: لذلك وبدلًا من الدجل والتباكي على مخيم اليرموك، الأجدر بالسلطة وحركة فتح وفصائل منظمة التحرير أن يستغلوا علاقاتهم الجيدة مع النظام الأسدي ليحلوا مشكلة المخيم، بدلًا من إيجاد المبررات والأعذار للنظام وتحميل الضحية مسؤولية أفعال المجرم.


ثامنًا: من الهراء الذي يقال كلام عن سوء معاملة فصائل الثورة السورية داخل المخيم لأهله، ولا أريد مناقشة صحة أو كذب هذا الكلام الصادر عن النظام والذي تردده فصائل المنظمة، وينقله الكثيرون بحسن نية، لكن على فرض صحته فهذه ظاهرة تصاحب أي ثورة مسلحة في العالم، ولا تبرر حصار المخيم وقتل أهله جوعًا وبالرصاص، فإن كان هنالك من الثوار من يسيئون معاملة أهل المخيم فهل هذه رخصة للنظام ليفعل أفظع من ذلك؟


تاسعًا: بالرغم من تباهي السلطة بعلاقاتها المميزة مع النظام الأسدي ومع الاحتلال الصهيوني ومع أغلب أنظمة المنطقة العربية ودول العالم، إلا أنها تفشل وبشكل منهجي ومتواصل في حل مشاكل اللاجئين الإنسانية ابتداءً من مشكلة لاجئي المخيمات الفلسطينية في العراق وانتهاءً بمشكلة مخيم اليرموك.


لماذا لم يستطع محمود عباس حتى الآن إدخال ولو لاجئ واحد من فلسطينيي سوريا إلى الضفة الغربية بدلًا من تركهم يموتون في قوارب التهريب عند مالطا وليبيا؟ لماذا لم يتوسط عند النظام الأردني أو الحكومة اللبنانية أو النظام الانقلابي في مصر من أجل معاملة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا في هذه البلدان بطريقة إنسانية؟


في المقابل نجد حماس وحكومتها المحاصرة في غزة قد استطاعت استيعاب ألف وخمسمائة من فلسطينيي سوريا، وقدمت لهم المساعدات، بالإضافة لعدد غير محدد من السوريين اللاجئين (وأتوقع أن عددهم بالعشرات)، ونتساءل هنا من الذي يمثل الشعب الفلسطيني؟ هل هو ذاك الذي يتاجر به أم الذي يقدم له الإنجازات الحقيقية؟


عاشرًا: ما هو الحل لمخيم اليرموك؟ على المدى البعيد فالحل هو سقوط نظام الأسد وعودة اللاجئين إلى فلسطين، ولما كانت هذه حلول غير قابلة للتحقيق على المدى المنظور، فالحل يكمن بالتوسط لدى النظام السوري من أجل السماح لمن أراد الخروج من المخيم والذهاب إلى مكان آمن، وإن قبل النظام بإدخال المواد التموينية لمن أراد البقاء فسيكون أفضل، لكن أشك أن النظام سيقبل ذلك نظرًا لأهمية معركة اليرموك بالنسبة له.


وهنا نسأل ماذا يمكننا كأناس عاديين أن نفعل:

أ‌.        التبرعات وجمع الملابس والأغذية ليس مفيدًا لمخيم اليرموك لأنه لن يصل على الأغلب، وربما يوجه إلى جهات أخرى، والأفضل في رأيي التبرع لمخيمات اللاجئين في الزعتري وغيرها من أماكن تواجد اللاجئين السوريين وفلسطينيي سوريا في لبنان والأردن تحديدًا، مع الإشارة إلى أن التبرع النقدي أكثر فائدة للاجئين لكن أغلب الحملات تفضل تقديم التبرعات العينية لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

ب‌.   الضغط على سلطة محمود عباس وفصائل منظمة التحرير، وتحديدًا على من يبرر إجرام النظام الأسدي أمثال الناطق باسم القيادة العامة في الضفة حسام عرفات وعضوي اللجنة التنفيدية واصل أبو يوسف وأحمد مجدلاني، ومحاصرة مقرات هذه الفسائل في رام الله وغزة، والمطالبة بطردها ما لم يتم التوصل لحل لمشكلة مخيم اليرموك.

ليست هناك تعليقات: