الأربعاء، 15 يناير 2014

‫داعش: نتيجة طبيعية لانحراف القاعدة الفكري





مثل البناء الذي يقوم على أسس معوجة فمصيره الانهيار كلما ازداد علوه، وهذا حال فكر القاعدة والذي يعتبر تنظيم داعش أكثر أشكاله تطرفًا في الإخلاص للأسس الفكرية التي قام عليه فكر القاعدة.


ويجب التنبيه إلى أن القاعدة ليست الممثل الوحيد للفكر الجهادي، بل أرى أنها شوهته، فالفكر الجهادي المعاصر بدأ مع المهدي في السودان بالقرن التاسع عشر، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وعز الدين القسام في فلسطين، وعمر المختار في ليبيا، والإخوان المسلمون في حرب فلسطين عام 1948.


والقاعدة ليست حتى ممثلًا وحيدًا للسلفية الجهادية، بل مجرد تيار داخل السلفية الجهادية، إلا أنه حصل على اهتمام إعلامي واسع بحكم الحرب التي أعلنتها القاعدة على أمريكا، والتعاطف الذي جلبه ذلك معها.


وعندما نقول أن القاعدة عندها خلل فكري خطير، فهذا مرده ليس محاربتها أمريكا أو حملها راية الجهاد أو رفضها للأنظمة العربية العلمانية، فهذه أمور نتفق جميعنا مع القاعدة فيها، وهي مواقف ليست حكرًا على القاعدة، لكن الإعلام ساهم بنسبتها إلى القاعدة، مما جعلها منزهة عن الخطأ عند الكثيرين، ومما جعل آخرين يتغاضون عن أخطائها الفادحة بحجة أنه "ليس من المروءة الكلام عن شخص تلاحقه أمريكا"، مثلما قال خالد مشعل ذات مرة عن الظواهري.


وكان نتيجة السكوت عن الخطأ أن تضخمت أخطاء القاعدة وانفجرت في وجهنا على شكل داعش، فما هو الخلل الفكري عند القاعدة؟


القاعدة عندها خلل أصيل مبني على خمسة أركان، وهي:


1) اختزلت الإسلام في الجهاد، ولم تأخذ بشموليته كعبادات وأخلاق وتعامل وسياسة وعمل خيري وروحانيات.

2) اختزلت الشريعة في تطبيق الحدود، وأسقطت كل ما دون ذلك.

3) استقدمت نماذج تاريخية واعتبرتها جزء من الدين والعقيدة، فيما هي ليست إلا اجتهادات لعلماء وأهل تلك العصور، مثل شكل البيعة والحكم وتقسيماته، ورفض الانتخابات فقط لأن السلف لم يأتوا بها، ورفض اختيار الأمة لحكامها لأن التاريخ الإسلامي لم يشهد مثل هذه الطريقة (عبر صندوق الانتخاب)، وهكذا.

4) اعتمادها على مبدأ محاربة العدو القريب أولى من محاربة العدو البعيد، إلى أن انتهى بها المطاف إلى إشغال العالم الإسلامي بخصومات وحروب داخلية، بدلًا من توجيه المجهود القتالي نحو العدو الخارجي (والذي هو أصل الجهاد).

5) ضعف التكوين العلمي لمن يفتي لهم، مما أدى إلى وقوعهم في طوام شرعية لا نهاية لها، مما قادهم إلى التساهل بدماء الأبرياء وإراقتها.


التوسع في محاربة العدو الداخلي حرف مسار جهاد القاعدة
وإذا أضفنا لما سبق تعصب حزبي مقيت (رغم أن القاعدة تقول أنها ضد الأحزاب والتحزب)، وهي تفوقت على غيرها في تعصبها الحزبي بمراحل كثيرة، إلى درجة نرى فيها رفض لأي انتقاد علني لأخطاء التنظيم ولو من باب النقد الداخلي.


لماذا داعش أراها إنتاجًا للقاعدة؟ لأنها ليست النموذج السيء الوحيد للقاعدة، وإن كانت الأسوأ على الإطلاق، ولأن القاعدة بذلت وقتًا طويلًا تدافع عن داعش وتبرر لها، وحتى اليوم ما زال منظرو القاعدة يسمون ما قامت به بمجرد أخطاء يرتكبها أي شخص، وأخيرًا نرى كل الأسس الفاسدة الموجودة لدى القاعدة تلتزم بها داعش بل هي التعبير الأكثر وضوحًا عنها.

ليست هناك تعليقات: