الأحد، 5 يناير 2014

قصة قصيرة: نحن واليهود أبناء عمومة!


""
ذكرني ذلك المذيع الذي قال "اليهود أولاد عمنا"، بأول مرة سمعتها من يهودي، فقد كانت أيدي جنود الاحتلال تتنقل بي من دورية إلى دورية بعد اعتقالي، وتنقلت بين ثلاث أو أربع سيارات (ما بين دورية حرس حدود وجيب جيش وغيرها)، وقد كانوا يضعوني تارة على الأرض مع امتعتهم وتحت أرجلهم، وذات مرة وضعوني فوق شيء مائل (فقد كنت لا أرى شيئًا فأنا معصب العينين وفوق العصبة كيس أسود) وكنت أشعر من لفحات الهواء أني أجلس عند باب مفتوح وحاولت التشبث قدر الإمكان بذلك الشيء بأطراف أصابع يدي المكبلتين إلى الخلف حتى لا أقع إلى حيث لا أدري.

 وحدث أن نقلوني إلى سيارة كراسيها من الجلد، فقلت في نفسي: تطور جيد، ثم جاء الجنود وجلسوا جنبي، وقال أحدهم لي (مستظرفًا نفسه): زيح يا ابن عمي، فزحت ثم قال لي: لجوّا يا ابن عمي، التصقت بالزاوية، ولم يعجبه: كمان يا ابن عمي (يبدو أنه كان تعلمها جديدًا وفرحًا بها فكان يكثر من تكرارها)، حشرت نفسي قدر الإمكان وهو يدفع بي، وبعد أن اكتشف أنه لا أمكانية لحشر ابن عمه أكثر، جلس نصفه فوقي ونصفه الآخر فوق الكرسي (كثر خيره).

 وبعد أن سارت بنا السيارة ردحًا من الزمن، وأنا انتظر انتهاء (المشوار)، نكزني الجندي: عايش ابن عمي؟ لم أجبه، فلم أر أن الوقت وقت خفة الدم، وإن كان هو الصياد ويريد اللعب مع طريدته، فالطريدة ليست ملزمة بالابتسام وهو يقطعها، توقف السيارة، أنزلوني من السيارة: انزل ابن عمي، دور يا ابن عمي، تعال لهون ابن عمي. ثم رفع الكيس من على رأسي والعصبة، لقد رأيت الجنود والسيارة وكنا نقف وسط طريق عام، لكن لم أستطع فتح أعيني جيدًا من أشعة الشمس فقد تعودت على الظلام الدامس.

 يبدو أنهم أرادوا الاطمئنان على أني لم أصب بعطبٍ ما، فهم ليسوا مكلفين بإعطاب الناس والصهاينة قوم يحترمون الاختصاص وطاعة الأوامر، وربما أرادوا الاستمتاع برؤية دمعة حزن أو نظرة خوف وربما خيبت أملهم عندما لم يظفروا لا بهذه ولا تلك، بعدها أرجعوا العصبة والكيس وأكملنا المشوار مع أبناء العم.

 وبعد مشوار 65 عامًا مع الصهاينة، يأتي تافه ليقول: "احنا أولاد عم ولازم نسمع لبعض"، وكأنه يتكلم عن طوشة دار أبو إمحمد ودار أبو إسماعين.

""

ليست هناك تعليقات: