الأربعاء، 26 فبراير 2014

من قتل الشهيد عبد الله عزام؟




عندما استشهد عبد الله عزام قبل 25 عامًا تقريبًا، حماس اتهمت الموساد الصهيوني، وهذا ما قيل لنا وأكده الجميع، وأذكر أنه ذكر أمامي (ولست أذكر من) أن الاغتيال كان نتيجة خلافات داخلية، فسخرت بكل ثقة فقد كان اتهام الموساد بالنسبة لي غير قابل للنقاش (اليوم أشعر كم كنت ساذجًا وقتها).

مرت الأيام والسنوات وكان الموضوع عندي من المسلمات، لكن مع الإعلام الجديد والإنترنت والاحتكاك ببعض الإخوة المطلعين على الوضع بدأت أسمع كلامًا مختلفًا.

كلام عن أنه ربما الظواهري من قتله (أو تيار الظواهري)، وسمعت محللين كثر يتهمون التيار المغالي في المجاهدين العرب (الذين أصبحوا لاحقًا تنظيم القاعدة)، لكن لم أصدق شيئًا بقدر ما كنت أستمع وأستمع حتى لا أتسرع بقبول الاتهام الموجه لهم أو رفضه.

تابعت لقاءً مع ابنه الدكتور حذيفة وقرأت لقاءً مع زوجته، الاثنان أكدا على أن تيار الظواهري كفر الشهيد وكانوا يرفضون الصلاة وراءه، وإن كان هنالك استبعاد لأن يكون للظواهري نفسه دور باغتياله لكن لم يكن حسمًا قاطعًا، وإنما مرجعه بالدرجة الأولى إلى حسن الظن بالظواهري والقاعدة عمومًا (وهذه آفتنا جميعًا أننا أحسنا الظن يومًا بمن لا يستحق).

وربما كان يحز في نفس أهل الشهيد أن يكون مقتله على غير يد أعدائه الأزليين - أي اليهود، فرفضت نفوسهم تصديق أي اتهام آخر، هذا احتمال وارد.

وكان الخلاف بين الشهيد عبد الله عزام من ناحية والظواهري وبن لادن من الناحية الأخرى يتمحور حول تأكيد الشهيد على ضرورة أن لا ينعزل المجاهدون العرب في معسكرات وكيانات منفصلة كما كان يريد الرجلان، وأن يعملوا تحت إطار الفصائل الأفغانية المجاهدة العديدة التي كانت موجودة وقتها.
 
وهذا أمر يقره أغلب الباحثين (مع اختلاف بالتفاصيل) والمتابعين بما فيه المطبلون للقاعدة الذين يفسرون الأمر بأنه مجرد خلاف في الاجتهاد لا يفسد للود قضية (تمامًا مثل الخلاف بين جبهة النصرة وداعش والذي انتهى بقتل أمير جبهة النصرة في الرقة ورفع السلاح بوجه بعضهم البعض).

وبعد استشهاد عزام خلت الساحة لهما وخرج لنا تنظيم القاعدة تطبيقًا لما كانا يؤمنان به، على عكس ما كان ينادي به الشهيد، مما ينفي عنه مثلبة أنه من مؤسسي القاعدة كما تزعم ماكنة الكذب والدحل.

مع الوقت بدأت أميل لتصديق أن هنالك من داخل التيار الجهادي، وإن كنت أستبعد تورط الظواهري كشخص (وقد أكون مخطئًا)، لكن هنالك أشخاص مستعدون لقتل مجاهدًا بوزن الشهيد من أجل نظرتهم الضيقة للأمور.

لماذا بدأت أميل لذلك؟

أولًا: تكفيرهم للشهيد ورفضهم الصلاة خلفه.

ثانيًا: توسعهم في التكفير ليطال أغلب الإسلاميين من غير المنتمين لهم، وتساهلهم في دمائهم.

ثالثًا: تجربة القاعدة في العراق وبعدها في الصومال واليوم داعش في سوريا، حيث كان أسهل شيء عليهم حمل السلاح في وجه المجاهدين وقتلهم بتهمة الردة.

رابعًا: عدم تورعهم عن قتل مسؤولين وقادة يحملون فكر القاعدة أو قريبين منه أو من السلفية الجهادية، ابتداءً من أمير جبهة النصرة بالرقة وانتهاءً بأبي خالد السوري.

خامسًا: لم يقتصر ذلك على الساحة السورية بل شهدت الساحة الصومالية حالات مشابهة من قتل وملاحقة لقادة في القاعدة كانوا بالأمس حلفاء وأحباب لحركة الشباب (الذراع الصومالي للقاعدة) مثل حسن طاهر أويس الذي أصابوه بجراح في محاولة اغتيال ثم لحقوه قبل أن يسلم نفسه للقوات الحكومية لينجو بروحه من رفاق الأمس، وأبو منصور الأمريكي الذي أصبح مصيره مجهولًا وأغلب الظن أن حركة الشباب قتلوه.

سادسًا: كل ما سبق يتكلم عن قابليتهم لارتكاب مثل هذه الجريمة، لكن هل حصلت فعلًا على يدهم؟ كثرة من نقلوا هذا الاتهام من محللين ومتابعين (بعضهم موضوعي ومنصف وبعضهم أصحاب أهواء)، تدعم بقوة هذا الاتهام، لكن من منهم كان في أفغانستان أو لديه معلومات أكيدة عن الموضوع؟ لم أر لأحد منهم تأكيدًا على مصدر معلوماته فالأمر يبقى في مرحلة الاحتمالية.

سابعًا: قرأت قبل فترة قصيرة عن اتهام الشهيد أبو خالد السوري لتيار الغلاة (القاعدة) بأنهم من اغتالوا الشهيد عبد الله عزام، لم أتوقف كثيرًا عند الاتهام فلم أكن أعرف عنه الكثير والاتهام ليس بالجديد، وظننته من الذين ذهبوا إلى أفغانستان أواخر التسعينات (أي بعد اغتيال الشيخ).
لكن بعد استشهاده على يد داعش وقراءتي لسيرة حياته، تبين لي أن شهادته ليست عادية كونه عاش في تلك الأيام بأفغانستان وكان من ضمن الدائرة الجهادية هناك، فليس مجرد شخص ينقل كلامًا عن آخرين عن آخرين عن آخرين، أو محلل يضع التوقعات، بل شخص عايش مرحلة ولديه من الإطلاع المباشر الشيء الكثير.

ثامنًا: تبقى أدوات الجريمة والأشخاص المنفذين وهي تفاصيل ربما لن نعرفها أبدًا، لكن ما أرجحه بعد كل ما سبق أنه الشهيد قتل بيد نفس الفكر الأعوج الذي يوجه داعش في سوريا والعراق وغيرها من التجارب السيئة، والأكيد والذي لا جدال فيه أن هذا فكر وتنظيم قائم على الكذب والدجل حاربوا الشهيد حيًا ونسبوه لأنفسهم بعد رحيله، وحتى لو حكمنا ببرائتهم من دم الشهيد فهنالك المئات والآلاف الآخرين من المجاهدين والأبرياء ممن سفكت دمائم على يد هذا التنظيم وهذا الفكر الضيق المنحرف.

ليست هناك تعليقات: